الجزائر

يقتل ضحاياه بالفأس والمنجل.. السفّاح الذي حاول إبادة عرشه



يقتل ضحاياه بالفأس والمنجل.. السفّاح الذي حاول إبادة عرشه
ما تزال قصة بلقاسم، المدعو في قريته ب"صاحب الفأس"، ترددها الألسن رغم مرور سنوات على وقوعها، وحوّلتها بعض العائلات إلى فزاعة لتخويف الأطفال، ويستعملها الكبار للتهديد والوعيد، كأن يقول أحدهم لآخر "هل تريد أن أحوّل قريتك إلى ما حدث لقرية مسلاين التي كاد يبيدها صاحب الفأس؟".الحادثة المروّعة التي وقعت بقرية مسلاين بضواحي بجاية تعود إلى سنوات مضت، لما حاول أحد أبنائها المدعو “بلقاسم” أن يبيد القرية بأكملها دون أن يدري أحد سكان القرية بحقيقته الوحشية، حيث في كل مرة يستيقظ السكان على جريمة مروعة جدا، إذ يعمد القاتل إلى “غرس” رأس الفأس في رأس ضحيته، ويدعه يتخبط في الدماء إلى أن يفارق الحياة، ويشرع بعدها شباب القرية رفقة رجال الدرك الوطني في حملة تمشيط واسعة بحثا عن القاتل المجهول دون جدوى. الكثير من سكان القرية اعتقدوا أن المجرم مقيم في إحدى القرى المجاورة، وهو ما جعلهم يضربون حصارا على القرية وتعيين نقاط مراقبة عند مداخلها، رغبة منهم في الإيقاع بالمجرم، الذي حتما– يقولون- سيعود لارتكاب جريمة أخرى في وقت ما، وبقي التجنيد متواصلا، والشباب مصرون على إلقاء القبض عمن يريد إبادة القرية بأكملها. وحسب شهود على الحادثة، فإن عشرات الشباب المسلّح بقضبان حديدية وسلاسل وخناجر يقضون ليالي بأكملها في مراقبة مداخل القرية دون أن يتوصلوا إلى شيء، وفي غالب الأحيان لما يكونوا بصدد تمشيط محيط القرية لا يصادفون في طريقهم إلا “بلقاسم”، راعي الغنم وهو عائد إلى المنزل رفقة نعاجه ومعازه، حيث يرد عليهم بالسلام و”اللّه يعين”. وبقدر ما يمر الزمن، بقدر يوقّع القاتل جرائم إضافية في صفوف رجال القرية، ليدوم الرعب عاما كاملا، قبل أن يكتشفوا الحقيقة المروعة والمتمثلة في رفع الحجاب السري عن الوحش الآدمي والذي هو واحد منهم، ليجهد الجميع بالعودة بذاكراتهم إلى الوراء وليتأكدوا أن الراعي لم ينس ما وقع له، وإنما أوقع الجميع في الفخ وانتقم لنفسه. الرجل النحيف لا تزدريهيوم المحاكمة كان حدثا تاريخيا لسكان القرية والمناطق المجاورة لها، أغلبهم حضر لكي يصدق ما رفض تصديقه قبل أن تفك مصالح الدرك ألغاز المجازر الرهيبة. كان صعبا على الجميع أن يقتنع بالحقيقة المرة المتمثلة في كون جارهم “بلقاسم”، الراعي الصامت والهادئ هو قاتل الهادي وعمر ومقران ومؤذن المسجد دابقاسم وسي أحمد، وغيرهم. قبل دخول هيئة المحكمة كان الوقت كافيا لتبادل النظرات بين بلقاسم وأبناء قريته، وعندما كان الجميع يكشر أنيابه ويفكر في الانتقام بالانقضاض على المجرم، خاصة عائلات الضحايا، كان بلقاسم جالسا في كرسيه هادئا متحكما في أعصابه، رغم إشارات الاستفزاز التي كانت ترسل إليه من حين إلى آخر من قبل أفراد من عائلات ضحاياه.. يبتسم أحيانا، ثم يعيد رأسه في الاتجاه الذي لا يرى من خلاله أحدا. ومثل الجميع، صعب علينا تصديق واقع الحال أن هذا الرجل النحيف وقصير القامة، صاحب الشوارب الرقيقة والذي لا يتعدى وزنه 50 كلغ، هو موقّع كل الجرائم التي تحدث عنها أبناء قريته وبتلك الوحشية التي لا توصف، بينما الفضوليون الذين حضروا بقوة يوم الجلسة كانوا متلهفين لمعرفة الحجج التي سيتقدم بها “السفّاح” لتبرير كل جرائمه وبتلك الطرق اللاإنسانية. دق جرس المحكمة إيذانا بدخول هيئة المحكمة، توقف الهمز والغمز، ووقف الجميع ليطلب الرئيس من الحضور الجلوس، ودعا المحلفين للصعود إلى المنصة، وطلب من كاتب الضبط تلاوة قرار الإحالة الذي تضمن أزيد من عشر صفحات.. تسلح الكل بالنفس الطويل واستمعوا للكاتب في صمت رهيب وهو يعد الجرائم، الواحدة تلو الأخرى، وتبين أن رجال الأمن تمكنوا من جرد سبع جرائم في السجل الإجرامي لبلقاسم، وتحفظوا على مجموعة أخرى بسبب غياب الأدلة. وبعد قرابة ساعة كاملة من متابعة قراءة محتوى قرار الإحالة تنفس رئيس المحكمة الصعداء، ونادى المجرم للتوجه إلى منصة الاتهام، وسأله عن عمره فردّ بالقول إنه بلغ 46 سنة، وعن مهنته قال “راعي الغنم والماعز”، وسأله الرئيس إن سبق له أن وقف أمام القاضي، فرد بالنفي، وإن كان ارتكب الجرائم التي نسبت إليه، فردّ بالإيجاب دون تردد، وعن قريته فقال إنه لم يغادرها في حياته إلا يوم اقتاده رجال الدرك إلى السجن، وسأله إن كان يخاف اللّه، فردّ بالإيجاب بقوله “من العباد يتجرأ على المعصية”، وقبل أن يستمع لسؤال آخر استأذن رئيس الجلسة، ليضيف شيئا يصعق به القاعة المليئة عن آخرها، حين قال إن كل الذين قتلهم “لا يخافون اللّه”، ليوقفه الرئيس ويأمره بالجلوس، وتبدأ الفوضى داخل القاعة، ليتدخل الرئيس من جديد، ويهدد بإخراج كل من يتسبب في نشر الفوضى.ومع عودة الهدوء طلب رئيس الجلسة من المتهم أن يعود من جديد إلى المنصة ليكشف عن الأسباب الحقيقية التي دفعته إلى ارتكاب المجازر، وبدأ في سرد قصته، حيث قال “إن البداية كانت مع أحد رجال القرية المعروف بقوته البدنية وصاحب عائلة كبيرة، لقد استغل ضعف حالتي وهزازة جسمي، وتجرأ يوما ودخل بيتي في غيابي، واعتدى على زوجتي، وهددها بقتلي وقتل أولادي إن كشفت أمره.. هي لم تفعل سيدي الرئيس، لكن كل سكان القرية يتبادلون الحديث في ما بينهم حول هذه القضية التي مست شرفي..”. ويواصل “ذات مرة تركت القطيع في وسط الطريق لأعود إلى بيتي، حيث تأكدت من ادعاءات الناس.. حاولت الدفاع عن شرفي لكن قوته البدنية مكنته مني وأبرحني ضربا أمام زوجتي التي أغمي عليها قبل أن يغمى علي أنا أيضا.. تركني أتخبط في دمائي وانصرف، ولما استعدت وعي وجدت زوجتي قد فرت رفقة أولادي إلى جهة مجهولة، لأسمع خبر انتحارها ثمانية أيام بعد الحادثة.. الحڤرة لم تتوقف هنا سيدي الرئيس، بينما كان رجال الدرك يحققون في الاعتداء كلف 12 من أصدقائه وأفراد عائلته وحوّلوني في وسط الطريق العمومي إلى كرة قدم بالضرب بالأرجل، وأحيانا يحوّلونني إلى كرة طائرة”. وبعد استراحة دامت بضع دقائق تواصلت أطوار المحاكمة، وبدأ طبع الناس يتغير بالمقلوب في صالح المتهم، قبل أن يستدعيه الرئيس من جديد ليطلب منه سرد تفاصيل ارتكاب المجزرة، ليقول من جديد “انتظرت عاما كاملا لأعد خطتي، حيث أعددت فأسا حادا شحذته.. أشحذ يوميا رأسه، ومنجلا تقليديا.. وكان أول ضحية لي هو المعتدي على شرف زوجتي وشرفي، وسبب انقراض عائلتي، حيث في نهاية سهرة رمضانية اقتفيت أثره من الوراء لأفاجئه بضربة على الرأس أسقطته أرضا، ثم غرست رأس الفأس في رأسه وأخذت المنجل وقطعت له جهازه الذكري وتركته للذئاب التي أبت هي الأخرى أن تفترسه”.ويضيف بلقاسم ساردا حيثيات مجازره “أما الجريمة الثانية فقصدت من حاول الاعتداء على شرفي شخصيا من بين المعتدين عليّ، وانتهزت فترة تواجده في حالة سكر لأفعل به ما فعلت بالأول”، وأضاف أنه لما ذبح ضحيته السادسة تركها في حقل بجوار القرية ليبدأ السكان عملية تمشيط بحثا عنها، فانضم إليهم لكسب ثقتهم، حيث وجدوا الجثة ولم يبق منها الكثير، بعد أن هشمت عظامها الذئاب.وأضاف بلقاسم أن عهدته الإجرامية امتدت على طول 8 أشهر تمكن من خلالها من تصفية كل من تسبب في مأساته، ولما انتهى توجّه فجر ذات يوم إلى إمام مسجد القرية وطلب منه أن يكشف للعام والخاص أن بلقاسم انتقم لشرفه وتوجّه مباشرة نحو ثكنة الدرك ليسلّم نفسه، وقبل أن يعود إلى مقعده قال لرئيس المحكمة إنه كان ينوي الانتحار، لكنه فضّل أن يرى في خصومه وجه العذاب الذي تحمّله لأسابيع. وفي صمت رهيب تحولت الكلمة إلى دفاع الضحايا الذي حاول تحطيم الشحنة التي غرسها المتهم في نفوس الحاضرين، حيث قال أحد المحامين إن المتهم ارتكب جرائم بشعة يندى لها الجبين، وبرر الدفاع الوحشية التي تعامل بها المتهم بتشعبه بالروح الإجرامية، موضحا أن الكثير من الناس مسّوا في شرفهم لكن لم يرتكبوا مجازر، بل اكتفوا بالاستعانة بالدولة والعدالة التي اقتصت لهم وفق القانون.دفاع المتهم، من جهته، حمّل المسؤولية للمجتمع الذي لم يرحم القوي منهم ضعيفهم، والتمس من هيئة المحكمة إفادة موكله بالظروف المخففة، خاصة أنه سلم نفسه دون مقاومة لرجال الدرك وساعدهم على تفكيك لغز الجريمة، وأن المتهم دافع عن شرفه وأن خطأه الكبير أنه تصرف بسلطان القلب وتجاهل سلطة العقل. ممثل الحق العام من جهته ركز في تدخله على توفر شروط الجريمة، وأن المتهم خطط لعملياته الإجرامية بكل إحكام وتعقل، والتمس من هيئة المحكمة إدانة المتهم بعقوبة في حجم الجرائم المرتكبة وذلك بالإعدام. وبعد المداولات عادت هيئة المحكمة لتعلن عن قرارها النهائي بإدانة المتهم بالسجن مدى الحياة.الجامعية المختصة في علم الاجتماع نادية براهيمي“أكثر المجرمين وحشية هم أكثرهم صمتا” كشفت الأستاذة الجامعية نادية براهيمي أن خبراء علم الإجرام عكفوا، منذ القرون الماضية، على دراسة تفاصيل دقيقة حول الأشخاص المهانين وأصحاب النوايا الإجرامية، وتبين لهم أن أكثر المجرمين وحشية هم أكثرهم صمتا، وهو ما ينطبق على حالة المتهم بلقاسم، الذي ظل عاما كاملا وهو في حالة صمت حتى يخدع ضحاياه من جهة، ويستعيد ثقة خصومه من جهة أخرى، خاصة أنه كان يرافق الباحثين عن المفقودين في أكثر من مرة. وقالت الأستاذة المتخصصة في علم الاجتماع إن كثيرا من مثل هذه الحالات سجلت في مناطق عدة من العالم، والكثير منها تم تطويقها بفعل الدراسة الاجتماعية والنفسية، وهو ما غاب في قضية بلقاسم. وتبقى القضية غير عادية، خاصة أن المتهم خطط لها بإحكام من خلال شحذ الفأس يوميا وكذلك المنجل الذي استعمله مرة واحدة، وهذا دليل على أن المجرم عازم على ارتكاب الجريمة لكنه أفلت من مراقبة الجهات المعنية ربما بسبب إقامته في قرية نائية وعدم معرفته من قبل مصالح الأمن. آلات الجريمة: 2 من 10 حسب محتوى قرار الإحالة وتحقيقات رجال الأمن واعترافات المعني، فإن المجرم أعد عشر آلات كاملة لارتكاب جرائمه لكنه لم يستعمل إلا اثنتين منها، وهي الفأس والمنجل، بينما لم يستعمل أسلحة أخرى أعدها لإثراء سجله، منها مفك البراغي ومطرقة كبيرة وخنجروسيف طويل وقضيب حديدي كبير وسلسلة حديدية ومصيدة الخنازير ومنجل عصري وكمية من القطع الحديدية الصغيرة التي لم يكشف عن الغرض من تحضيرها رغم تسليمها لمحققي الأمن.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)