الجزائر

''يا اللي عندو خبز يابس'' عبارة تتكرر مع كل خطوة عبر الشوارع أطفال من الطارف يكسبون قوت عيشهم ببيع بقايا الخبز اليابس


 تفشت ظاهرة جمع الخبز اليابس في الطارف وتفاقمت بسرعة كبيرة نتيجة الفقر والبطالة وتردي الأوضاع الاجتماعية، التي أجبرت العديد من العائلات على إرسال أبنائها، الذين لا تتعدى أعمارهم الخامسة عشرة، إلى الشوارع قصد جمع ما تبقى من الخبز القديم، فتجدهم يلفون الأحياء والشوارع ويطرقون أبواب العمارات للحصول على الخبز اليابس بغية جمع دنانير قليلة تسكت بطونهم الجائعة• يقصدون الأحياء والعمارات بحثا عن الخبز اليابس في جولة قادت الفجر لبعض الأحياء الشعبية بولاية الطارف للاقتراب أكثر من الظاهرة والغوص في يوميات هؤلاء الأطفال المضطهدين، تحدثنا مع السيدة جميلة، تقطن بإحدى عمارات القالة، والتي قالت في هذا الخصوص، إن سكان العمارات ألفوا كل يوم وفي مطلع الساعات الأولى من الصباح، نداءات هؤلاء الأطفال بأعلى أصواتهم يا اللي عندو خبز يابس ، حتى تحوّلت هذه العبارات إلى أنشودة يبدعون في تلحينها كل صباح، فما يكون منا سوى إلقاء من النوافذ أكياس الخبز اليابس الذي يتصدقون به عليهم لعله يساعدهم في جمع بعض النقود عند بيعه بشكل أو بآخر• بيع الخبز اليابس لأصحاب الماشية لكسب قوت اليوم ولمعرفة خلفيات هذه الظاهرة والتحري عن مصير هذا الخبز، وكم يتقاضى هؤلاء الأطفال على ذلك، اقتربنا من أحدهم ويدعى نبيل، 14 سنة، كان يبدو على ملامحه التعب والشقاء، يرتدي ملابس قديمة ومهترئة لا تحميه من قساوة البرد• وقال لنا نبيل إنه يقوم بهذا العمل بشكل يومي بعدما انقطع عن الدراسة لعدم تمكّنه من دفع تكاليف الدراسة من أدوات مدرسية وكتب وغيرها، إضافة إلى أنهم خمسة أطفال يعملون كلهم في نفس المهنة لمساعدة أمهم المريضة وأبيهم المتقاعد• وأضاف نبيل أن الوالد أمرهم بالتوقف عن الدراسة والعمل والاتكال على أنفسهم، لأن راتبه لا يكفي لسد حاجيات العائلة، هذا الخبز الذي نجمعه نبيعه لأصحاب المواشي بمبلغ مالي قدره 30 دج • وجدنا طفلين آخرين يجرّان عربة حديدية محمّلة بأكياس الخبز اليابس، الذي جمعاه خلال رحلتهما الشاقة، فلم يتكلما معنا بسهولة بل بعد عناء طويل ومحاولات متكررة• أجابنا أحدهما بأنه يقوم بجمع الخبز لمساعدة أمه التي تعبت من الديون وطلب مساعدة الأقارب والجيران، وكذلك الوقوف بجانب أبيه العاطل عن العمل والذي لم يعد في استطاعته تحمّل المسؤولية لوحده خاصة بعد إصابته بمرض الربو• وأضاف المتحدث أنهم يعيشون في مسكن قصديري ويعانون من الفقر والعوز ولسنا الوحيدين الذين نتخبط في هذه المشاكل، بل هناك أطفال آخرين تتشابه ظروفهم مع ظروفنا، تجدهم يتسابقون على أكوام الخبز التي يرميها بعض المواطنين لاقتنائها وبيعها كأحد سبل العيش • وتبقى هذه الشريحة الحساسة، لاسيما بولاية الطارف، تعاني في صمت في ظل هذا الوضع المأساوي، الذي دفع بأسر فقيرة ومعوزة إلى ارتكاب جريمة في حق الطفولة وترغمها على التخلي عن أبسط شيء كحقها في اللعب والتعليم، فالطفل في أيامنا هذه أصبح مسؤولا عن أسرة بأكملها في وقت غابت فيه مسؤولية الآباء• وكم هي الأمثلة كثيرة ومنتشرة في أرجاء البلاد ممن يعيشون تحت رحمة الظروف وقساوة المعيشة، وكم هم كثيرون الذين رفضوا الإدلاء بشهادتهم، بل أبوا إلا أن ينتظروا التفاتة من السلطات المعنية لمساعدتهم على العيش بطريقة كريمة•    استطلاع: خلاف حمزة     
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)