الجزائر

وهم السيادة



انتهى حديث العولمة وترك المكان لخطاب يقوم على تقديس السيادة بمفهومها التقليدي، ويعيد للدولة القومية مجدها التليد بعد أن ظن الناس أنه أفل إلى غير رجعة كما أخبرنا فرانسيس فوكوياما قبل نحو ثلاثين عاما في كتابه نهاية التاريخ.أمريكا التي تتدخل في جميع أنحاء العالم تحت شعار نشر الديمقراطية والدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، صرخت قبل سنوات منددة بتدخل روسيا في انتخاباتها، تم فتح تحقيق يبدو أنه سيستمر لسنوات طويلة، عن التدخل الروسي عن طريق جيوش من قراصنة الكومبيوتر وكتائب إلكترونية تتلاعب بالعقول من خلال حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي، وقد حذرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا من إمكانية تكرار هذه العملية.
هذه الشكاوى المنطلقة من قلب العالم الذي يسمى حرا تبدو أنها تليق أكثر بدول العالم الثالث، فقد عودتنا وسائل الإعلام الغربية على سخريتها مما تسميه نظرية المؤامرة التي تهيمن على عقول حكام الدول المتخلفة ومواطنيها، لكن فرنسا التي توصف بمهد الحرية وحقوق الإنسان تمتعض من تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يسخر من ماكرون الذي يواجه امتحانا عسيرا بسبب احتجاجات السترات الصفراء.
فرنسا التي استهجنت في وقت سابق الخطاب القومي لترامب وقراراته الحمائية في مجال الاقتصاد، تتذكر فجأة بأنها في حاجة إلى سيادة معززة لتقول لترامب كف عن التدخل في شأننا الداخلي ودعنا نعيش حياتنا كأمة، والمشكلة هنا أن هذا المطلب قد يقع في آذان قادة دول أقل شأنا طالما تلقوا تعليمات فرنسية بخصوص ما يجب فعله ببلدانهم وشعوبهم، ومنهم من تلقى التوبيخ ومنهم من شاهد جيوش فرنسا تغزو أرضه بحجة بناء عالم أكثر ديمقراطية.
يكتشف الأوروبيون بأن الاتحاد الأوروبي قد يوفر بعض الفرص لمواطني دول من خارج القارة فيسارعون إلى تعديله، فالأمن أولى من الحرية، ورفاه الأوروبي أهم من كل الهراء الذي قيل عن عالم بلا حدود تسوده حرية حركة الأفراد والسلع، فكل ما يخدم القوي يجب تغليفه بالشعارات الجذابة وإعطائه صبغة أخلاقية مبهرة، لكن بمجرد أن تتغير التوازنات يسارع كبار العالم إلى تغيير قواعد اللعبة.
لا أخلاق تحكم العلاقات بين الدول، وحدها القوة تفصل بين الجميع، والأضعف هو من يتحمل تدخل الجميع في شؤونه، وفوق كل قوي أقوى، وترامب هنا ليذكر الجميع بهذه القاعدة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)