الجزائر

وقفة أمام مسرحية «سُحماتا»



شاركتُ مؤخّرا بمهرجان فلسطين الوطني الدّولي الثّاني للمسرح ضمن ورقة اختصرت مفهوم التّجريب في المسرح الفلسطيني، وارتكزت على تجربة المونودراما ضمن أعمال جرت معظم عروضها في مناطق ال 48، ذلك لأنّ فنّ المسرحيد خصوصا أكثر حضورا فيها منه في مناطق أخرى. ومع التّأكيد على مشاركة لعروض مونودراميّة من القدس تحديدا، إلى جانبي شاركت أوراق أخرى لعفيف شليوِط وراضي شحادة، د.كرمة زعبي وسامح حجازي.والمشترك في جميع الأوراق المطروحة طموحها الجدّي لطرح واقع المسرح ونقاش إشكاليّاته وتجلّياتهِ. وغير المشترك طموح بعض الأوراق إثارة الشّكوك في المعلومة بهدف تسليط أضواء نافلة عن حاجة الحلقة الفكريّة وأهدافها، عليها. وللحقيقة فوجئتُ من شكل الطّروحات على اعتبار أنّها تجنح للتّوثيق أكثر ممّا تشتغل على التّحليل، مع التّأكيد على حاجة الواقع المسرحي للنّهج التّحليلي في طروحاتها، خصوصا فيما يتعلّق بالعروض الحيّة. ورغم التّباين في وجهات النّظر غير أنّ مضامين الحلقة بدت مُبهِجة ومثيرة للإهتمام.
كنت على بيّنة بإشكاليّات الورقة الّتي قدّمتُها لاشتغالها على العرض المونودرامي في الدّاخل الفلسطيني إلّا أنّني وجدتُ فيها مُتَنفَّسا لإنجازات يعرف عنها قلّة، في الشّق الآخر من الخطّ الأخضر، وأعني مناطق أل 67. وبعينيّ ليس المهمّ أن نستعرض أعمالا وعروضا يعرفها الجميع، بل مسارح وفرقا وعروضا تمتلك من المزايا ما يؤهّلها للعرض والتّحليل في محافل من هذا النّوع، وأعني المهرجانات المسرحيّة العربيّة. أضف إلى ذلك إسباغ علامة فارقة على الكلّ المسرحي الفلسطيني الّذي يُنجَز بِصورتِهِ الشّموليّة، ولفت نظر القيّمين على المهرجانات المسرحيّة العربيّة لضرورة إشراك الرّؤية الفلسطينيّة الخالصة في دوائِرِها الفكريّة ورؤياها التّحليليّة في الرّاهن العربي الجَمْعي ... لا بدّ من وقفة عالية أمام عرض «سُحماتا» الّذي أنجزه المسرحي العالي «لُطف نويصر» والمسرحي الشّاب «رامي صليبا». المسرحيّة الّتي تعيد صياغة وُعورة طرحها السّياسي. وللتّذكير فقد عرضت «سحماتا» لأوّل مرّة قبل أكثر من 10 سنوات، وأعيد إخراجها وطاقمها لتخرج ثانية إلى الخشبة ممهورة بذاكرة الباقي، بعد نكبة 48 على صورة خارطة فوق تراب تعكس مربّعات كثيرة، كبيرة وصغيرة متخيّلة تكاد لا تراها إلا عينهُ، الجَد، بطل العمل فوق ذات التّراب الّذياستوى بالأرض. يرسم بغصن زيتون معالم قرية نُسِفت عن بُكرةِ أبيها. مشاهدُ الإخراج الجديد لمسرحيّة « سحماتا « شهدت إخراجا جديدا لكنّها بقيت متمسّكة بطرحها السّياسي وسهولة التّواصل الحيّ مع النّاس، أبطال الحكاية. يحدث هذا وفق سيناريو شخصيّ ينجزه ويخرجه حنّا عيدي بذاكرة الحاضر الّذي لا ينسى تلك الشّريحة من البشر الّذين يتناسلون من التّراب في أوطان ليست لهم بعد أن نُسِفت سُحماتا والبروة والشّجرة وسواها الكثير من القرى واستقامت فوقها أماكن مستوطنات جديدة لأناس أتَوا من كلّ مكان إلى أرض الميعاد... هي حكاية « سحماتا « المؤلمة الّتي تنتقل من جيل لجيل إلى ذاكرة الصّغار، الحكاية الّتي تؤدّى بأمانة وفنيّة وألم على خشبات البلاد، وينعتها رئيس لجنة التّحكيم في المهرجان، محمّد بكري، بكلمات غريبة، «يكفينا بكاء على الأطلال!» لا نفهم نحن إذا كنّا سنتوقّف عن سُحماتا فماذا سيبقّى من حاضرنا؟ ، هل نفسّر الآن أنّ البكاء وسيلة للبقاء؟ وأن ّمُعدّلَ الحياة عند الباكين تتجاوز الضّحاكين والبكّائين بمسافات؟ وما لم نبكِ مستعينين بطاقاتنا الهائلة في تفريغ الوجع ضمن دراما عالية النّبضِ والحسّ كالّتي تابعتُها في سُحماتا لن نبقى شعبا يعرفُ تاريخهُ. نحنُ ممّن لا تزالُ ذاكرتهم تستحمّ بماءِ العَين، وقلّة يجيدون السّباحة في مياهٍ معمّدة بالقوّة والبراءة والطّاقة المُذهِلة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)