الجزائر

وجع ''الراس''


 مررت، أمس، أمام المدرسة الخاصة المصرية بحيدرة، فوجدت أبوابها مفتوحة وتلاميذها داخل حجرات المدارس يتابعون دروسهم بشكل عادي، لأنهم غير معنيين بالإضراب المفتوح الذي دعت إليه النقابات العاملة في القطاع التابع للوزير أبو بكر بن بوزيد. لكن غير بعيد عنها كانت متوسطة الكواكبي في عطلة بسبب الإضراب، وهو ما يعني أن ما يسمى بتكافؤ الفرص الذي تبنته ديمقراطية التعليم ومجانيته لم يعد له أي معنى، وتحوّل إلى مجرد شعار كاذب، بعدما تحوّلت المدرسة العمومية إلى جزء لا يتجزأ من العبثية وعدم الاستقرار في دروسها، وصارت المدرسة الخاصة إلى النموذج من حيث المثابرة والمردودية والانضباط.
صحيح أن الإضراب حق كرسه الدستور وأقرته قوانين الجمهورية، وهو وسيلة لتحقيق المطالب وإيصال الانشغالات للوزارة الوصية، لكن أن يتحوّل الإضراب إلى غاية في حد ذاته، فإن ذلك يعني ببساطة أن هذا الحق تحوّل إلى تعدٍّ على حق آخر، وهو ما ذنب التلاميذ الذين يصطدمون من شهر لآخر بأبواب مدارسهم مغلقة، لأن أساتذتهم على خلاف مع الوزارة الوصية حول الأجور والعلاوات.
يعتقد الأساتذة المضربون أنهم سيلوون ذراع الوزير أو الحكومة، من خلال الإضراب، ويدفعونها إلى تحقيق مطالبهم، وقد يكون لهم بعض من ذلك، حتى وإن كانت الحقيقة غير ذلك، لأن الحكومة تنزعج من الإضراب في الخطوط الجوية الجزائرية أو في الميناء أو في سوناطراك أو في سونلغاز، لأنه يكلف الخزينة خسائر كبيرة، أما أن يكون في إضراب الأساتذة عن التدريس فلا يهمها البتة لعدة اعتبارات، أولها أن أبناء المسؤولين الكبار في الدولة لا يدرسون في المدرسة العمومية لأنهم يسفرونهم للتعليم في الخارج، وثانيها أن مثل هذه الإضرابات ستسهل عليها الدفع والتسريع بملف خوصصة المدرسة الجزائرية والجامعة العمومية وغيرها من القطاعات التي تكلفها ميزانية ضخمة وتسبب لها وجع الراس .
إن الانتشار الواسع للمدارس الخاصة في السنوات القليلة الأخيرة، بعدما كان الحديث عنها إلى وقت قريب من الطابوهات، ليس سوى دليل على أن الإضرابات المتوالية لم تحفر، مثلما كان يتصور البعض، قبر بن بوزيد الذي ما زال في منصبه ربما إلى أن يتقاعد منه، ولكن المسمار يدق في نعش المدرسة العمومية التي أضحت مرادفة للتسكع والفوضى واللااستقرار وضحية للسياسة والسياسيين ولتخلاط النقابيين. إن تطور عدد العائلات الجزائرية التي تدفع بأبنائها إلى المدارس الخاصة وتلك التي تقتطع من ميزانيتها لتغطية الدروس الخصوصية، تحمل أكثـر من رسالة على أن المدرسة العمومية مهددة في كيانها وفي وجودها، لأنها أصبحت حضنا للرداءة ولن يقصدها في المستقبل، إن بقيت على هذه الحال، سوى الراسبين من المدارس الخاصة، لأنها بعدما كانت القاعدة تحوّلت إلى استثناء.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)