الجزائر

هولاند.. في مهمة إصلاح ما أفسده ساركوزي


''ملف الذاكرة واتفاقيات الهجرة ل1968 والتعاون الاقتصادي وتنقل الأشحاص''.. كلها قضايا ستكون على رأس ملفات العلاقة مع الجزائر التي تنتظر الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند في إطار مقاربة جديدة مغايرة لمقاربة سلفه ساركوزي الذي شهدت فترة حكمه تدهورا كبيرا للعلاقات بين الجزائر وفرنسا، سواء تعلق الأمر بالملفات التنائية بين البلدين أو الملفات الحيوية في المنطقة كقضية الصحراء الغربية أو منطقة الساحل... الجزائر تنتظر من هولاند أن يفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، ومبادرة الرئيس بوتفليقة بأن كان من أوائل المهنئين بفوز هولاند، على غير العادة، يترجم إلى حد ما إرادة الجزائر في إعادة بعث علاقات جديدة ومختلفة عن تلك التي جمعتها بفرنسا ساركوزي.
انتقاما من معاداة الرئيس السابق للمهاجرين والمسلمين
الجزائريون دعموا هولاند على حساب ساركوزي
بكثير من الارتياح والفرح تلقى الكثير من الجزائريين (حتى أولئك غير المعنيين بالتصويت) نبأ سقوط ساركوزي من رئاسة الجمهورية الفرنسية، خاصة وأن الجالية الجزائرية في فرنسا والفرانكو-جزائريين عانوا كثيرا من القوانين والتصريحات العنصرية ضد المهاجرين، حيث صوتت الغالبية الساحقة من الفرنسيين والفرنكو جزائريين المقيمين في الجزائر لصالح هولاند بنسبة (87بالمئة)، وكذلك الأمر في المغرب وتونس، وعلى العكس من ذلك صوت 92 بالمئة من الفرنسيين المقيمين في ''إسرائيل'' لصالح ساركوزي.
العرب والمسلمون وبالأخص المغاربة لا يمكنهم أن ينسوا أن هذا الرجل وصف سكان الضواحي المنتفضين في 2005 ''بالرعاع والأوباش''، فضلا عن مواقفه المتشددة حيال الخمار واللحم الحلال، وتهديده بتخفيض عدد المهاجرين إلى النصف.
ونجح ساركوزي لأول مرة في توحيد الفرانكو-جزائريين الذين يحق لهم الانتخاب في فرنسا، والذين يقدر عددهم بمئات الآلاف يضاف إليهم ملايين العرب والمسلمين في جبهة واحدة وتكتل واحد ولكن ضد ''عدوهم'' الأول ''نيكولا ساركوزي''، وهذا الأمر عجز مجلس الديانة الإسلامية في تحقيقه منذ قرابة عشر سنوات، رغم أنه يمثل مختلف الأصول وتوجهات المسلمين في فرنسا.
والغريب في أمر الجزائريين أنهم وحتى وهم في عز حملة الانتخابات التشريعية الجزائرية، إلا أنهم كانوا يتابعون باهتمام الانتخابات الرئاسية الفرنسية، سواء عبر الصحافة الجزائرية أو عبر الفضائيات، وزاد هذا الاهتمام أكثر بعد قتل الشرطة الفرنسية محمد مراح، المتهم الفرنسي من أصول جزائرية في قضية مقتل جنود فرنسيين من أصول مغاربية وأطفال يهود ومعلمهم، مما جعل الجزائريين أكثر حماسة في متابعة الحملة الانتخابية الفرنسية مع اشتداد الحملة الانتخابية والإعلامية ضد المهاجرين خاصة ذوي الأصول الجزائرية، وتأكيد ساركوزي أنه سيعمل على تخفيض أعدادهم إلى النصف، ما جعل الجزائريين يستقبلون خبر فوز هولاند في الانتخابات بكثير من الارتياح، ولم يتوان رواد فايسبوك في التعبير عن هذا الارتياح عبر تعاليقهم الساخرة من ساركوزي.
أما الرئيس الجديد لفرنسا فرانسوا هولاند فكان خطابه أقل عدائية تجاه المهاجرين، ووعد بأن يسمح للمهاجرين الذين أقاموا في فرنسا لأكثر من عشر سنوات بالمشاركة في الانتخابات المحلية الفرنسية، ودعا إلى التسامح والتعايش، وإن كانت مواقفه من بعض القضايا مثل الحجاب واللحم الحلال في المدارس فيها تماه مع ساركوزي، إلا أنه يوصف بأنه الأقرب إلى الجزائر منه إلى المغرب، حيث أقام فيها لفترة، وسبق أن أكدت الوزيرة السابقة للعدل إليزابيت غيغو ل''الخبر'' بأن الجزائر ستكون من أولى الدول التي سيزورها هولاند. يشار إلى أن الفرانكو-مغاربة يمثلون قرابة 7 بالمئة من الناخبين المسجلين في فرنسا، في حين أن هولاند لم يفز إلا بنسبة 34,3 مما يعني أن أصوات الفرانكو-مغاربة كانت حاسمة في فوز هولاند.
الجزائر: مصطفى دالع
الجزائر تنتظر خطوة جريئة من الرجل الأول في الإليزيه
مفاتيح هولاند لفك شفرة العلاقات الجزائرية-الفرنسية
ستكون الجزائر من أولى المحطات التي سيتوجه إليها الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند بناء على عدة مؤشرات أهمها التحضيرات التي سبقت اختياره في الدور الثاني من الانتخابات أمس الأول، وعلى غرار الرئيس اليميني جاك شيراك يسعى هولاند إلى جعل الزيارة المرتقبة خطوة لإعادة الدفء لعلاقات عرفت على المستوى السياسي بالخصوص في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي توترا كبيرا وصل إلى حد القطيعة غير المعلنة.
تمهيد فرانسوا هولاند لزيارته المبرمجة للجزائر بزيارة فريق من مقربيه على رأسهم يونوا هامون ثم إيزابيل غيغو وحورية أميرشاحي، كانت بمثابة رسالة واضحة من قبل مرشح اليسار عن رغبته في التمهيد لخطوات جديدة تساهم في تطبيع العلاقات وإعادة الدفء إليها بعد مرحلة ''ساركوزي'' التي اتسمت بالكثير من التشنج على عدة مستويات، وهو ما ترجمه فتور العلاقة السياسية لمدة طويلة، وغياب زيارات على مستوى القمة لمدة طويلة، وبروز ملفات خلاف على شاكلة ردود الفعل الفرنسية المتكررة إزاء تصريحات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بخصوص ''الحركى والمتعاونين الفرنسيين مع النظام الهتلري'' وتداعيات تصريحات وزير المجاهدين محمد شريف عباس حول الأصول اليهودية لساركوزي، فضلا عن سعي باريس مرارا لإعادة مسألة الذاكرة التاريخية إلى السطح، إضافة إلى قضية الدبلوماسي حسني وقضية مقتل الرهبان الفرنسيين في تيبحيرين، وأيضا ملفات خلافية أخرى على المستوى الإقليمي مع حرب ليبيا والوضع في الساحل.
وعلى نقيض سلفه ساركوزي، يتمتع فرانسوا هولاند بهامش كبير لتطبيع العلاقات وتجاوز صفحة الخلافات، ويتضح أن هناك شبه إجماع على أن الجزائر ستكون أحد مفاتيح نجاح تموقع فرنسا في المنطقة على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ويمر ذلك عبر توجيه رسائل تطمينية قوية للجانب الجزائري. وكانت زيارة وفد الحزب الاشتراكي وقبله زيارة هولاند في 2010 مؤشرا على وجود رغبة في تجاوز مرحلة الاحتقان، وهو ما عكسه تصريح إيزابيل غيغو وزيرة العدل السابقة في أعقاب لقائها بوزير الخارجية مراد مدلسي ''نحن ندين الاستعمار''، مشيرة إلى أن الحزب الاشتراكي عارض صدور قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار، مضيفة ''فرنسا تستلهم من التجربة الألمانية مع دول أوروبا الشرقية وإرسائها تنمية مشتركة على نطاق واسع''. وعليه، فإن هولاند سيعمد إلى محو آثار ساركوزي وإزالة التوتر والشكوك التي انتابت الطرفين من خلال خطاب يعترف بجرائم الاستعمار ومساوئه ويدعو إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة، فضلا عن تدعيم فعلي للشراكة الاقتصادية والذهاب أبعد مما ذهب إليه ساركوزي في هذا المجال، حيث سيتم تطبيق مبدأ الترابط من خلال إعطاء دفع لشركات ''كاك ''40 والمجموعات الفرنسية للمزيد من المشاريع الاستثمارية في الجزائر ودول المغرب العربي.
وسواء تم اختيار مارتين أوبري أو جون مارك أيرو أو حتى مانويل فالس على رأس الحكومة القادمة، إلى جانب اختيار شخصيات كباسكال لامي وميشال سابان وبيار موسكوفيتشي وإيزابيل غيغو، فإن التوجه الفرنسي باتجاه الجزائر ستحكمه مفاتيح عديدة يمتلكها هولاند ويتطلع لأن يتم بفضلها فك شفرة العلاقات الثنائية وتجاوز عقدة الدور السلبي لليسار الفرنسي مع الجزائر، في عهد ميتيران.
فاليسار استخلص الدروس جيدا، ويسعى للبرهنة عن حسن نواياه من خلال مصالحة تضمن المصالح السياسية والاقتصادية لباريس في المنطقة والتي لا يمكن أن تتم دون المرور عبر البوابة الجزائرية.
الجزائر: حفيظ صواليلي
رحابي برر ذلك ب''احتكام فرنسا إلى مصالحها''
''هولاند لن يحقق تغييرا جذريا في العلاقات مع الجزائر''
أهم ما يتوقع هو تخفيف الضغط عن اتفاقية الهجرة لسنة 68
يعتقد الوزير سابقا، الدبلوماسي عبد العزيز رحابي، أن وصول فرنسوا هولاند إلى رئاسة فرنسا ''لن يحقق تغييرا جذريا في علاقات باريس مع الجزائر''، لكن رحابي يتصور ''زوال الضغوط التي فرضها ساركوزي لمراجعة اتفاقية الهجرة 1968'' وتقلص تأييد فرنسا لمقترحات المغرب حول نزاع الصحراء الغربية.
أفاد الدبلوماسي الجزائري عبد العزيز رحابي ل''الخبر'' حول ''الثابت والمتغير'' في علاقات الجزائر بباريس بعد وصول مرشح الاشتراكيين إلى الحكم بأنه ''لن يحدث تغيير جذري لأننا نتعامل مع دول عظمى سياستها الخارجية تحكمها التجارة والأمن الجهوي''. ويفضل رحابي لما يتعاطى ملف العلاقات الجزائرية-الفرنسية، التركيز على ''تضييع الجزائر فرصة توقيع معاهدة الصداقة في فترة حكم جاك شيراك''.
ويواصل في هذا السياق قائلا ''أعتقد بأن الثابت الذي لن يتغير هو التجارة، فلهجة الاشتراكيين توحي بذلك، لكن قد تتغير اللهجة فقط حول اتفاقية الهجرة لسنة 1968''، وتابع ''أترقب أن لا يضيقوا على الجزائر لمراجعة الاتفاقية كما فعل ساركوزي، ويغيروا توجها كان طاغيا بمعاملة الجزائريين وفقا للقانون العام وليس تلك الاتفاقية التي تعطيهم امتيازات''.
ويتوقع رحابي تغيرا ولو طفيفا في موقف فرنسا من نزاع الصحراء الغربية، ويرى أن ''فكرة الدعم المطلق وغير المشروط للموقف المغربي قد تتغير''. وسألت ''الخبر'' السيد رحابي إن كان يتوقع لهجة حادة من الحكومة الفرنسية بوصول الاشتراكيين إليها حول ملف ''حقوق الإنسان في الجزائر''، فأجاب أن ''لا أحد يضغط على الجزائر في هذا الملف أكثر من الأمريكيين''.
ويوضح أن الثابت الذي لن يتغير في العلاقات هو ''التجارة''، ويعتقد رحابي بأن الملف التجاري هو الوحيد الذي تحرك بشكل جيد بين العاصمتين في فترة حكم نيكولا ساركوزي، وقال ''أما بالمقابل فلم تحصل الجزائر من ساركوزي ولو على امتياز واحد، سواء فيما يخص الهجرة ولا الشراكة''، ويتحدث عبد العزيز رحابي عن الاهتمام المفرط من اليمين بالتجارة الخارجية قائلا ''لقد نجح ساركوزي بالمقابل في ضمان عقد طويل المدى لبلاده مع الجزائر للتمويل بالغاز، وحقق استثمارات إستراتيجية لشركة توتال الفرنسية، وتمكن من حلحلة الخلاف مع شركة لافارج الفرنسية، ومكن بنوك بلاده من وضع جيد في الجزائر، وكذلك وكلاء العلامات الفرنسية للسيارات''.
ويعدد السيد رحابي ''مساوئ'' ساركوزي على السياسة الخارجية الجزائرية، في ''عدم تراجعه عن قانون تمجيد الاستعمار ولم يقدم استثناء للجزائريين في سياساته حول المهاجرين، وخطابه لم يكن مقبولا تماما حول ملف الحركى والأقدام السوداء''، ثم ''ساءت العلاقات أكثر لما دخل ساركوزي حدود الجزائر (يقصد الجوار) ودوره في ليبيا، وقد اختار ضرب بنغازي في ال19 مارس 2011 للتغطية نوعا ما على ذاكرة اتفاقية إيفيان''، ولا يستبعد رحابي أن يكون ساركوزي وراء ''الهرج'' في منطقة الساحل الإفريقي ''لأنه يؤمن بأن الجزائر تلعب دورا أمريكيا في المنطقة، فقام بإضعاف دول صغيرة في الساحل، وعمل على تقوية المغرب ليكون لها دور أكبر، وأحرج الجزائر في كثير من الملفات''.
الجزائر: عاطف قدادرة
الباحث في تاريخ العلاقات الجزائرية-الفرنسية محمد القورصو ل''الخبر''
''قبل التصفيق على هولاند ينبغي استحضار صفحة الاشتراكيين السوداء بالجزائر''
يدعو محمد القورصو الباحث في تاريخ العلاقات الجزائرية-الفرنسية، إلى ''الحذر واليقظة'' في التعامل مع فرنسا اليسارية ''حتى لا ننسى بأن الاشتراكيين وقفوا ضد المسيرة التاريخية للجزائر، وبأن المقصلة اشتغلت ضد رقاب الجزائريين بشكل مكثف في عهد وزير العدل الاشتراكي فرانسوا ميتيران''.
سألت ''الخبر'' القورصو إن كان الانسداد الذي عرفه ملف الذاكرة، سيزول بانتقال السلطة من اليمين إلى اليسار في فرنسا، فقال ''لا شك في أن وصول رئيس اشتراكي إلى الحكم في فرنسا صفحة جديدة في تاريخ العلاقات مع الجزائر، لكن المطلوب هو الحذر وليس التصفيق على السيد هولاند. والعودة إلى التاريخ في مثل هذه الظروف مفيدة، فهو يبيّن لنا أن الحزب الاشتراكي كان مسؤولا عن المآسي التي عاشتها الجزائر.. كان طرفا مسؤولا عن مجازر ماي وجوان .''1945
وأوضح القورصو أن الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران ''هو الذي صرح غداة اندلاع ثورة نوفمبر بأن الحوار والنقاش غير ممكن مع مفجري الثورة، وأن الحوار الذي يفهمه هؤلاء هو القوة. ينبغي أن نستحضر دائما بأن ميتران رفض طلبات محامين العفو عن محكوم عليهم بالإعدام، لما كان وزيرا للعدل.. ينبغي أن نستحضر أيضا بأن المقصلة اشتغلت كثيرا في عهده ضد الجزائريين''. ودعا القورصو الحزب الاشتراكي -أيضا- إلى ''قراءة تلك الصفحة السوداء التي دوّنها ميتران لما كان وزيرا للداخلية ثم وزيرا للعدل، إذا أرادوا تحسين علاقة فرنسا مع الجزائر''. أما الرئيس الجديد فرانسوا هولاند، فمطلوب منه -حسب القورصو- الذهاب أبعد من مجرد التنديد بالاستعمار، وأن يعترف بأن فرنسا ارتكبت أشياء بشعة في الجزائر.
وبرأي المتخصص في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، بإمكان هولاند إثبات شجاعة في ملف الذاكرة، كأن يلغي قانون 23 فيفري 2005 إذا حصل حزبه على الأغلبية في انتخابات البرلمان. وقال القورصو في نفس السياق ''عندما أدان ساركوزي الاستعمار خلال زيارته نهاية 2007، كان ذلك من باب التسويق ولم يكن متبوعا بإجراءات شجاعة. لذلك أمام السيد هولاند فرصة كبيرة لتبديد الغمامة التي شكّلها الاستفزاز المعتمد من طرف ساركوزي تجاه الجزائر. كان الاستفزاز عند ساركوزي بمثابة منهج سياسي''. وأضاف القورصو ''لو توفرت لهولاند العزيمة السياسية لكي يخطو خطوة شجاعة في موضوع الذاكرة، يمكن بعدها أن يدرس مع الجزائر أشكال الاعتراف بالجرائم وكل القضايا ذات الصلة بالتاريخ''.
وقرأ القورصو إيفاد هولاند بعثة سياسية عالية المستوى من الحزب الاشتراكي إلى الجزائر عشية الانتخابات في فرنسا، بأنها دليل على وجود نية في فتح صفحة جديدة مع الجزائر. أما ما مدى استعداده لفتح ملف الذاكرة الثقيل، فيتوقف -حسب الباحث في التاريخ- على شجاعته وقدرته على إقناع أعضاء حزبه ومناضليه بأن إقامة علاقة عادية مع الجزائر تتوقف على حسم هذا الملف بشكل صحيح.
الجزائر: حميد يس
أستاذ الدراسات العربية في جامعة ستراسبورغ مالك بن عبد الرحمن ل''الخبر''
''معرفة هولاند بطبيعة الحياة السياسية الجزائرية قد يساهم في تحسين العلاقات''
عرب ومسلمو فرنسا ينتظرون مقابل دعمهم لهولاند
يؤكد الدكتور مالك بن عبد الرحمن، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة ستراسبورغ، أن الفرنسيين من أصول عربية ومسلمة دعموا مرشح الحزب الاشتراكي لبلوغ سدة الحكم، مشيرا إلى أن هذا الاختيار جاء للانتقام مما اعتبروه عنصرية واضحة من طرف الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وطاقمه الحكومي.
عرفت العلاقة بين فرنسا والجزائر نوعا من الركود والتوتر في السنوات الماضية، هل تعتقدون بأن تولي اليسار للحكم سيدفع بهذه العلاقات نحو الأمام؟
- قبل ذلك لا بد من التذكير بأن هناك من القضايا العالقة بين البلدين في العديد من المجالات ولا يمكن الاستمرار في التغاضي عنها، وفي اعتقادي يمكن للرئيس الجديد فرانسوا هولاند أن يحرز شيئا من التقدم بالنظر إلى كونه من العارفين بالشأن الجزائري عن قرب، إذ له من العلاقات مع سياسيين جزائريين، كما أن زيارته للجزائر وابتعاد اليسار عن الحكم لأكثر من عقد من الزمن جعله يطور أفكار بعيدة عن طرح اليمين الحاكم آنذاك، في اعتقادي أن كل هذه النقاط من شأنها تسهيل عملية التواصل بين الرئيس الفرنسي الجديد والسلطات في الجزائر، ثم هناك نقطة أخرى قد تلعب في صالح تحسين العلاقة وهي معرفة فرانسوا هولاند بطبيعة السياسة الداخلية للجزائر، حيث كان قد قضى فترة تربص في السفارة الفرنسية بالجزائر خلال دراسته سمحت له بالاطلاع على خصوصيات الجزائريين، وهي معرفة قد تساعده في التعامل مع الملفات العالقة، كما أنه محاط بعدد من الشخصيات الفرنسية من أصول جزائرية قد يكون لها الدور الحاسم كذلك.
عبّر الفرنسيون من أصول عربية ومسلمة عن فرحهم برحيل ساركوزي ووصول هولاند إلى الحكم، هل تعتقدون بأن هذا الرضا له ما يبرره؟
- في الواقع فرانسوا هولاند في آخر أيام حملته الانتخابية شدد على جملة من المواضيع تمس بشكل مباشر الفرنسيين من أصول عربية ومسلمة، وقد لاحظ الجميع أن موقفه لم يكن يختلف كثيرا عن غريمه آنذاك ساركوزي، فقد أكد مثلا على إبقائه على قانون حظر النقاب والحد من الهجرة وغيرها، إلى درجة أنه قيل في تلك الفترة إن هولاند يسعى لمغازلة أصوات اليمين المتطرف، لكن مع ذلك ظل هولاند يحظى بقبول كبير لدى الفرنسيين العرب والمسلمين، وذلك انتقاما من التطرف الذي أبداه الرئيس نيكولا ساركوزي طيلة خمس سنوات، فقد عبّر صراحة عن موقفه الرافض لوجود الإسلام في فرنسا.. بالنظر إلى كل هذه الأسباب، أعتقد بأن اختيار مسلمي وعرب فرنسا لفرنسوا هولاند جاء انتقاما من ساركوزي وأملا في تعميم مبادئ اليسار الاشتراكي المتعاطفة مع المهاجرين والأقليات.
هل هذا يعني أن الرئيس الفرنسي الجديد مطالب برد الجميل لهذه الفئة من الفرنسيين التي تعرضت للتهميش خلال السنوات الخمسة الماضية؟
- أعتقد بأنه مثل كل الديمقراطيات.. الناخبون ينتظرون من الرئيس الذي اختاروه أن ينفذ وعوده، وفي اعتقادي لا يمكن فصل مطالب عرب ومسلمي فرنسا عن مطالب بقية الفرنسيين الذين عانوا من تأثيرات الأزمة الاقتصادية، ففي نهاية الأمر نحن نتحدث عن مواطنين حاملين للجنسية الفرنسية، أما على صعيد الخصوصية الدينية، ففي اعتقادي أن الفرنسيين العرب والمسلمين يسعون للتخلص من شبه العنف والإرهاب الذي أُلصق بهم في الفترة الأخيرة. في اعتقادي أن اليسار الفرنسي والرئيس هولاند مطالبون بتغيير النظرة النمطية عن عرب ومسلمي فرنسا، والابتعاد عن صورة عنف الضواحي والشباب البطال والإرهاب والتطرف الديني والبحث عن أسباب هذه الظواهر للتخلص منها مع إبراز البعد الخلاق لأبناء العرب والمسلمون من الفرنسيين.
حاروته/ سامية بلقاضي
قضية محمد مراح لا تزال عالقة في أذهانهم
الجالية المغاربية في تولوز تبتهج لفوز هولاند
غمرت أجواء الفرحة أول أمس مدينة تولوز الواقعة جنوب غرب فرنسا فور الإعلان عن فوز الاشتراكي فرانسوا هولاند في الانتخابات الرئاسية أمام خصمه نيكولا ساركوزي.
وجاءت أصوات منبهات السيارات وصرخات الفرحة المتصاعدة من الصفوف اللامتناهية لسيارات مناصري فرانسوا هولاند لتكسر الصمت الذي يخيم عادة في نهاية الأسبوع على مدينة فرنسية كتولوز.
وعبر المئات من سكان تولوز المتجمعون بساحة الكابيتول في مركز المدينة عن فرحتهم لاعتلاء مترشحهم سدة الحكم.
وأشار هشام، وهو شاب من أصل جزائري يقول ''إنني فرح لفوز هولاند. ولقد حان الوقت كي تتغير الأمور قليلا في بلدنا (فرنسا) بالنسبة إلى الفرنسيين والرعايا الأجانب على السواء''. وأكد محسن، وهو شاب من أصل مغاربي، أن ''فوز اليسار سيبعث نفسا جديدا في الحياة الفرنسية''، معربا عن أمله في أن يفي فرانسوا هولاند ''بوعوده التي اتخذها خلال الحملة الانتخابية''. وأردف يقول إنه ''يجب أن يتذكر هولاند أن أصوات المهاجرين والرعايا الأجانب هي التي مكنته من الفوز برئاسيات 2012''.
ويشار إلى أن مدينة تولوز كانت قد تصدرت المشهد الإعلامي في فرنسا وفي العالم بسبب قضية محمد مراح الذي قتل على يد الأمن الفرنسي بعد اتهامه بالوقوف وراء مقتل 4 يهود وثلاثة جنود فرنسيين. وذهب العديد من المتتبعين إلى أن ساركوزي حاول استغلال القضية لأغراض انتخابية بهدف استمالة أصوات اليمين، وكشف عبر القضية من جديد معاداته للمسلمين والمهاجرين خاصة ذوي الأصول المغاربية.
الجزائر: ر. شنوف/وأج
أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورود سيدريك فانييه ل''الخبر''
''لا يمكن الحديث عن التعاون الاقتصادي ما لم يسو ملف الذاكرة''
يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورود بفرنسا، سيدريك فانييه إلى أن الرئيس الفرنسي الجديد أمام رهان على الصعيدين الداخلي والخارجي، مؤكدا أن إعادة العلاقة بين الجزائر وفرنسا من بين هذه الرهانات.
واعتبر سيدريك فانييه في اتصال مع ''الخبر'' أن الرئيس فرانسوا هولاند مطالب بتسوية الملفات العالقة بين البلدين، للتمكن من تجاوز الخلافات والتوترات التي طبعت العلاقة الجزائرية-الفرنسية خلال عهدة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
وأشار المتحدث إلى أن الرئيس الفرنسي الجديد أبدى خلال حملته الانتخابية اهتماما بالعلاقة مع الجزائر، حيث أوفد مقربين منه لشرح وجهة نظر الحزب الاشتراكي، ولاستعراض فرص التعاون في حال وصوله إلى الحكم، ما جعله يؤكد أن العلاقة بين البلدين ستشهد تطورا ''في اعتقادي، فرانسوا هولاند أمام رهان على الصعيد الداخلي والخارجي، فأغلبية من صوت لصالحه ينتظرون منه تنفيذ وعوده فيما يتعلق بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كما أن رهان الفوز بالتشريعيات من أهم الرهانات، حيث إن الحزب الاشتراكي مطالب بالفوز بالأغلبية حتى تكون له كامل الصلاحيات لتطبيق البرنامج الذي دعا له خلال الحملة الانتخابية، وإلا سيجد نفسه مقيدا بأغلبية المعارضة المسيطرة على البرلمان. أما فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، ففي اعتقادي أن الأولوية في الوقت الحالي تكمن في بعث الثنائي الأوروبي ألمانيا وفرنسا، مع العلم أنه ليس من السهل إعادة هذا الثنائي إلى ما كان عليه من انسجام خلال عهدة نيكولا ساركوزي، مع العلم أن التعاون الألماني-الفرنسي حتمية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم والاتحاد الأوروبي، في المقام الثاني هناك تعهد فرانسوا هولاند بسحب الجنود الفرنسيين من أفغانستان، وهي كلها قضايا على الصعيد الدولي مهمة''.
أما فيما يخص العلاقة بين فرنسا والجزائر فإن الأستاذ الجامعي الفرنسي يشير إلى أنها لا تقل أهمية ''خاصة في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية ومنطقة الساحل، والحال أن الحكومة الفرنسية السابقة كانت تنازع الجزائر حول السيطرة على منطقة الساحل، متغاضين عن حتمية التعاون''، ويضيف ''في اعتقادي أن الحزب الاشتراكي قادر على تصحيح هذا الوضع''. من جانب آخر هناك ملف التعاون الاقتصادي والملف التاريخي العالق، والذي يعتبر أكثر تعقيدا من غيره، إذ كان السبب وراء توتر العلاقة بين البلدين، وهناك من المعارضين في فرنسا لتصفية الذاكرة الجماعية بين فرنسا والجزائر، وعلى الرئيس الحالي أن يتعامل مع هؤلاء المعارضين والتوصل إلى حل يرضي الجزائر ويلقى القبول لدى الفرنسيين، وهي معادلة صعبة لكنها ليست مستحيلة، بالنظر إلى العلاقات الطيبة التي يتمتع بها هولاند مع سياسيين جزائريين''.
وفي هذا السياق يقول الأكاديمي الفرنسي ''لا يمكن الحديث عن التعاون الاقتصادي ما لم تتم تسوية ملفات التوتر، بما فيها ملف اتفاقية الامتياز 1968 المتعلقة بالمهاجرين الجزائريين إلى فرنسا، والتي طالب الرئيس السابق بتعديلها، خاصة وأن الرئيس هولاند أكد أنه مع طرح خفض عدد المهاجرين، مع يعني أنه مطالب بتحديد ما إذا كان هذا الخفض يشمل الجزائريين وبالتالي التمسك بتعديل الاتفاق أم التوصل إلى حل يرضي الجزائريين؟''.
الجزائر: سامية بلقاضي


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)