الجزائر

هوامش نهايات ...



هوامش               نهايات ...
  يخيّل إليّ أننا عشنا في السنوات الأخيرة على وقع نهاية الكثير من الأشياء وموتها الرمزي، بشكل لم يكن في الحسبان، ولم يكن يخطر على بال، وليست أطروحة نهاية التاريخ التي قال بها فوكو ياما، منذ سنوات إلا بداية للحديث عن نهايات كثيرة لظواهر ظلّت في حكم المرجعيات التقليدية، والكلاسيكيات الكبرى التي لم يكن احد يتوقع أن تزول. تكمن أهمية حديث النهايات، كموت المؤلف، ونهاية العائلة.. وسواهما في حجم التساؤلات التي تطرحها حول مآلات الكثير من الأطروحات والظواهر التي غيرت مجرى التاريخ وأصبح ينظر إليها على أنها في حكم اليقينيات الملازمة للتاريخ، ولم يكن أحد يتخيّل النهايات التي وصلت إليها .. وعلى سبيل المثال، فقد شكّل اكتشاف الورق، ومن بعده اختراع الطباعة من قبل "قوتنبرغ" أمرا بالغ الأهمية لم يكن ممكنا معها أن نتصور بان الكتاب الورقي سيتحوّل إلى في يوم من الأيام إلى شيء متجاوز وبائد في طريقه إلى الانقرا ، تشبه نظرتنا إليه نظرتنا إلى المخطوطات القديمة.  نفس الأسئلة يمكن أن نطرحها عن مستقبل ومآل بعض الفنون والأشكال التعبيرية، التي يبدو أنها في طريقها إلى الزوال، نظرا للتحوّلات الجديدة التي تشهدها المنظومة الفكرية والجمالية في العالم ككل، وفي عالمنا العربي على الخصوص، وفي الجزائر تحديدا.. بكل بساطة؛ يمكننا أن نطرح الكثير من الأسئلة عن مآلات ونهايات بعض التقاليد الثقافية العربية التي كانت في حكم المقدّس، مثلا عمّا انتهى إليه الخط العربي من زوال واضمحلال بفعل التطورات الجديدة التي أدّت إلى أن يتحوّل إلى عمل "انفوغرافي" يمكن إنجازه بواسطة الحاسوب، ولم يعد للخطّ اليدوي بوسائله التقليدية من وجود إلا لدى قلّة من الخطّاطين، بعد أن كان أهمّ شكل تعبيري في تاريخ الأمة العربية وأنبلها، بفعل ارتباطه بالقرآن الكريم، وقد أنجزت به نفائس المخطوطات العربية التي شكّلت أزهى عصور التطور في الثقافة العربية وفنّ الكتاب.. فالمنجزات الخطية التي وقعها ابن مقلة وابن البوّاب وياقوت المستعصمي، ومن جاء بعدهم كهاشم البغدادي وحامد الآمدي أصبحت تنتمي للماضي ولا تصلح لغير رفوف المتاحف، حتى الحروفية العربية التي حاولت أن تستفيد من الخط العربي كعنصر من العناصر التشكيلية في اللوحة لم يكتب لها الاستمرار.. نفس الشيء يمكن أن نقوله عما انتهى إليه الشعر العربي اليوم، كحالة ثقافية معزولة لم تعد قائمة إلا في بطون المتون وعلى صفحات الكتب، يتضاءل مريدوه وينحسر الإقبال عليه يوما بعد آخر، ويصبح أشبه ما يكون بالعادة السرية لنخبة قليلة من الشعراء تعيش خارج التاريخ. ومن كان يصدّق أن ديوان العرب الذهبي سيكون هذا حاله، بعد أن كانت قصائد شعرائه تعلّق على أستار الكعبة، وستنفضّ أسواقه كعكاظ والمربد إلى غير رجعة .. ولله في خلقه شؤون، ولنا في حديث النهايات شجون ..  أحمد عبدالكريم  Hachimite5@yahoo.fr  


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)