الجزائر

هوامش الشّعرا.. في الإدارة ..



هوامش               الشّعرا.. في الإدارة ..
  يجمع عنوان الإدارة الثقافية بين كلمتين تكادان لا تلتقيان من الناحية العملية، وللوهلة الأولى يبدو لنا أن الإدارة بما هي التأطير والتنظيم لا يمكنها أن تنسجم مع الثقافة بوصفها فعلا يقوم على التفكير والحريّة، وما لا يمكن تأطيره .. لكن هذا الطرح يبدو اليوم متجاوزا في ظل المفاهيم الجديدة للعمل الثقافي، الذي صار ممارسات يمكن أن تقع تحت طائلة "المناجمنت الثقافي" مثلها مثل كل الممارسات الأخرى التي تحتكم إلى قواعد وأعراف تكاد تكون عالمية، ترتبط أكثر بفن الإدارة والتسيير.  نستطيع أن نستفيض في الحديث عن النظريات الجديدة في إدارة المؤسسات الثقافية والموارد البشرية وفق آخر المستجدّات ..لكنني أعلم أن كل ذلك لا يُرضي فضول القارئ الباحث دوما عن "التقرعيج" ومحاولة معرفة أسرار وكواليس الإدارة الثقافية، باعتبارها مصدر تردّي الوضع الثقافي، وما يشهده من اختلالات، فهي بالنهاية المسؤولة عن كل ما هو ثقافة.  لكن يعنينا هنا أن نتساءل عن مدى أهمية ارتباط إدارة شؤون الثقافة بالمثقفين أنفسهم، وهل من الضروري إسناد إدارة المؤسسات الثقافية، لا سيما الاستراتيجية منها إلى مثقفين؟ أم أن الأمر لا يقتضي ذلك بالضرورة،        بمعنى أن أي إداري ناجح يستطيع القيام بذلك .. وهل حقا يمكننا أن نصدّق ذلك "الكليشي" الشائع بأن المثقفين إذا تولّوا إدارة أفسدوها وأفسدتهم؟.. في الواقع العملي ليس هناك "مدير ستندار" يصلح لكل القطاعات والحقول، وعادة ما يكون الارتباط وثيقا بين التخصص والاهتمام وبين إسناد المسؤوليات. ولو استقام الأمر لأمكننا إسناد أمر وكالة "ناسا" إلى شاعر حالم، يستطيع أن يكون سفيرنا في كوكب مارس دون عناء، ودون أن يبرح مكانه في المقهى. ولأمكننا أيضا أن نضع على رأس صندوق النقد الدولي ناقدا من دكاترة الجامعة الذين يحسنون الحديث في السرديات أو السيميائيات..  بالمختصر المفيد، في بلادنا، تم إسناد الكثير من المسؤوليات الثقافية ومؤسساتها لأبناء الثقافة، سواء بالنسب أو بالتبني، فقد نجد هناك وزراء للثقافة من المثقفين أو من ذويهم، كما أن مؤسسات كبيرة يتولى إدارتها كتّاب ومثقفون، مثل المركز الثقافي الجزائري في فرنسا، والمسرح الوطني، والمكتبة الوطنية، فضلا عمّن يتولى مديريات الثقافة من الكتّاب أو من المحسوبين على الثقافة .. إلى هنا فالأمر طبيعي ومقبول، ولو كان غير ذلك لبدا غير طبيعي، فالأولى بتقلُّد المناصب الحسّاسة هم أهل "الكار"، لكنني لا أجد تفسيرا لإصراري على كلمة "إسناد". وكأن الأمر يتعلّق هنا "بمنح مؤقت" مشفوع "بمزيّة" بناء على معايير لا تعلمها إلا   الجهات المانحة، أغلب الظنّ أنها تعتمد على العلاقات والولاءات والانتماءات، وليس بناء على الكفاءة والاستحقاق .. مثقفونا منقسمون في نظرتهم للإدارة الثقافية وتقييم أدائها، بين راض عنها رهَبًا أو رغََبًا، يطلب ودّها طمعا في مكاسبها، بينهم متهافتون على طلب المناصب، بتقديم شتى الولاءات والخدمات، وبين ناقم ساخط عليها، لأنه لم ينل منها حظا، ولم يصب منها مغنما أو درهما .. وفيهم متبجّحون بأنها عرضت عليهم ولم يقبلوها، يقولون بأن طلب المسؤولية خيانة، وقبولها خيانة أعظم منها، معادون تخوينيون لكل من تولّى زمام المسؤولية، حتى وإن كان أهلا لها... لا يستطيعون تقبّل فكرة أن يصبح الشاعر وزيرا أو سفيرا أو مديرا.. هذا الوضع يذكّرني، بحالة عادل إمام في فيلم "السفارة في العمارة"، وهو يتخبّط في مشكلته بين حقّه الطبيعي في البقاء في شقّته، وبين تخوين أصدقائه له بسبب الجوار الإسرائيلي، وكذلك شأن المثقف عندنا مع الإدارة ..لدرجة يستحسن معها التفكير في مشروع فيلم "الشُّعرا في الإدارة".  أحمد عبدالكريم  Hachimite5@yahoo.fr  


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)