الجزائر

هوامش ما وراء التاريخ



هوامش              ما وراء التاريخ
ولدت في السادس عشر من شهر أوت عام 1965.. بعد شهرين تقريبا من تاريخ "التصحيح الثوري"، ولست أدري حقا إن كان والدي رحمه الله، قد فكّر في الرئيس المخلوع آنذاك أحمد بن بلّة، وهو يطلق على اسم "احمد".. كنوع من ولاء بسطاء المواطنين لرؤساء دولهم. لم يكن والدي مجاهدا مرسما، ولم يترك لي إرث العائلة الثورية المادي والمعنوي، أو شرف الانتماء إليها، لذلك فقد كنت أعيش مثل كثيرين مثلي عقدة تجاه التاريخ، لدرجة إحساسي في لحظات ما أنني منقوص المواطنة لأنني لم أكن أمتُّ للأسرة الثورية بنسب الدم.ومع إيماني العميق بعظمة الثورة، كحدث تاريخي جماعي بطله الوحيد هو الشعب الجزائري، إلا أن هذا الاحتكار للتاريخ من قبل فئة معينة لم يكن يروق لي، وبالنتيجة أدّى إلى أن لا أكون من المهتمين بالتاريخ الرسمي إلاّ ما كان مفروضا علي في المقررات الدراسية..الأكيد أن من قاموا بالثورة التحريرية لم يكونوا ملائكة، والثورة التحريرية ككلّ فعل بشري كانت لها تناقضاتها التي لا تقلّل من قيمتها، لكن هذا لم يكن مسموحا به في وقت من الأوقات ، بل كان في حكم الطابو المحرّم.. فمن كان يجرؤ على ذكر اسم مصالي أوشعباني أو زبيري أو.. في زمن بومدين. أتذكر جيّدا في بداية الثمانينيات أن أحد المحاضرين ردّ بعنف على أحد الطلبة عندما سأله ببراءة أن يعدد له إيجابيات الثورة التحريرية وسلبياتها، قائلا: "لن نفرغ إلى الأبد من تعداد إيجابيات الثورة فكيف تريدني أن أذكر لك سلبياتها؟".. لكن اليوم، ونحن على مقربة من الاحتفال بمرور 50 سنة على استقلال الجزائر، لا يمرّ يوم إلا ويصدر كتاب جديد أو تظهر حقائق جديدة كانت خفيّة إلى عهد قريب، تعطينا صورة مختلفة عما ترسّخ في أذهاننا عن قادة الثورة وزعمائها.. سواء قبل الاستقلال أو بعده، حتّى صار الحديث عن الجوانب الخفية وثغراتها أمرا في حكم"الموضة" حتى خشينا أن يأتي يوم يفرغ فيه تاريخ الجزائر من كل جوانبه العبقرية..لقد أتاح لي كتاب العقيد الطاهر زبيري "نصف قرن من الكفاح: مذكرات قائد أركان جزائري" أن أروي ظمئي بقراءة شهادته عن الكثير من الحوادث التي عاصرتها ولكنها كانت غائبة عني بفعل التعتيم، لأنها كانت تحدث من وراء الستار، وفي كواليس السياسة، ما كان مسكوتا عنه بالنسبة لي كواحد أبناء جيل الاستقلال. لا أذكر أنني قرأت كتابا بنفس السرعة التي قرأت بها كتاب العقيد الطاهر زبيري "نصف قرن من الكفاح: مذكرات قائد أركان جزائري"، وقد أتيت على صفحاته التي تجاوزت الأربعمائة في أقل من يوم واحد..صحيح أن الضجّة الإعلامية التي رافقت صدور الكتاب كانت العامل الرئيس في اقتنائي له بـ 1200دج من مكتبة بباب الوادي، لكنني ومن الصفحات الأولى  للكتاب وجدتني مشدودا إليه بسبب التشويق والإثارة والحقائق المذهلة، والأسرار الغامضة التي نسيت معها أنّني أمام كتاب تاريخي يحكي أحداثا وقعت بالفعل، لكنها بدت لي مثل رواية بوليسية متخيّلة تحكي عالما فنتازيا..لقد وقفت مذهولا أمام تلك التفاصيل التي أطّلع عليها لأول مرة، غير مصدّق أن الصراع على السلطة هو السمة الأساسية لتاريخ جزائر ما بعد الاستقلال.يغطّي الكتاب فترة التاريخ السياسي لجزائر ما بعد الاستقلال، وإذا كنت قد ولدت عام "التصحيح الثوري"، فذلك يعنيني على نحو خاص لأنه يؤرخ لنصف قرن من عمري السياسي أو الفترة التي عشت بيولوجيا على هامشها، كيف لا وهو يروي كل الأحداث الكبرى للجزائر منذ الاستقلال، بدءا من الانقلاب على بن بلّة إلى تمرّد العقيد شعباني، إلى حركة 14 ديسمبر 1967، إلى أحداث 8 أكتوبر، وأسرار مطاردة المعارضة والتصفيات والاغتيالات السياسية.. مما صار واجبا أن تعرفه الأجيال، وأن لا يبقى في طيّ الكتمان، لأن التاريخ ملك الأمة.  أحمد عبدالكريم Hachimite5@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)