الجزائر

هل تصبح الجزائر دولة مستوردة للأفكار والمعرفة العلمية؟


في الوقت الذي عرفت فيه الجامعات العالمية، ومنذ سنوات طويلة، تحوّلا نوعيا في وظيفة الجامعة من مجرد عملية نقل المعرفة إلى صنعها، ومن تدريس العلم إلى إنتاجه. وبهذا أصبحت أرقى الجامعات جزءا متكاملا من النسيج الاجتماعي والإنتاجي أخذا وعطاء. وتعززت روابط التجاذب والتقارب والتكامل أكثر فأكثر بين منظومة الإنتاج ومنظومة التعليم والتكوين.
الجامعات الجزائرية باتت تشذ عن هذه القاعدة، وأصبحت عاجزة عن إنتاج العلم والمعرفة، وانحسر دورها في تقديم الشهادات فقط، وتعيش مرض تدني المستوى العلمي لمخرجاتها، كما أصبحت معزولة عن واقعها الصناعي والمجتمعي. وأخطر ما نخشاه أن تصبح الجزائر، بعد فترة قصيرة من الزمن، دولة مستوردة للأفكار والخبرات والمعرفة العلمية، بعدما أظهرت التصنيفات الأخيرة لأفضل الجامعات مدى تأخر الجامعات الجزائرية حتى عن الجامعات الإفريقية. ولتفسير هذا التراجع، هناك العديد من العوامل والمؤشرات تبرر هذا الاتجاه الذي لا يصب في مصلحة مستقبل الجزائر، ولا الجامعة الجزائرية:
1عجز كبير في معايير تقييم البحث العلمي، فهناك فراغ كبير وعجز واضح في مجال معايير تقييم البحث العلمي. وانعكس ذلك على نوعية الأعمال والأبحاث المقدمة من طرف الباحثين من مقالات ومنشورات ومقالات، وحتى مذكرات الماجستير ورسائل الدكتوراه وقضايا إعادة التأهيل الجامعي والترقية العلمية. حتى أن وزارة التعليم العالي، ولسنوات طويلة، لم تستطع أن تضبط هذا المجال بمعايير تتماشى مع ما هو موجود في أرقى الجامعات الدولية.
2غياب الأبحاث المتميزة والمقالات المحكمة والمنشورة في مجلات دولية راقية ومصنفة. واقتصرت شريحة كبيرة من الباحثين على نشر أبحاثهم، ومعظمهما نظرية، في مجلات أقل ما يقال عنها إنها تفتقد إلى المصداقية العلمية والتحكيم الشريف والنزيه، وتحكمها معايير الصداقة، إلى المستوى الذي أصبح الباحث الجزائري أو الطالب الذي ناقش مذكرة الدكتوراه أو الماجستير يخشى من توطين عمله في المواقع الإلكترونية، لأن العديد منها لا يستوفي الشروط الضرورية، وخاصة الأمانة العلمية، لأن الدافع إلى هذه الأعمال هو فقط تسوية وضعيات إدارية، ما حوّل عملية البحث إلى مناسبات مالية.
3عدم تصنيف الجامعات الجزائرية، ولسنوات طويلة، يدفعنا إلى طرح العديد من علامات الاستفهام حول جوانب الخلل. ولقد تأخرت الجزائر في هذه التصنيفات حتى عن الجامعات في بعض الدول العربية والإفريقية، رغم الإمكانيات المادية الهائلة التي وفّرتها السلطات العمومية للجامعات والمراكز الجامعية ومراكز البحث، التي يقل نظيرها في العديد من الدول وحتى الصناعية.
4عجز المنظومة التشريعية وبرامج تشجيع البحث العلمي، في ظل مخططات كثيرة وبرامج متنوعة ومتعددة المصادر، وغلب عليها طابع التراكم والتقييم الإداري البحت، والاتفاقيات الدولية على تكوين نخبة من الباحثين ومنظومة بحثية قادرة على طرح أفكار وحل مشاكل الصناعة والمجتمع.
5عدم قدرة طلبة الدراسات العليا على الإبداع والتفكير وتقديم أفكار جديدة تخدم المجتمع، ومعظم الأبحاث التي يقومون بها هي استنساخ لما يوجد في المواقع الإلكترونية، وفي حالات كثيرة دون تعديل أو حتى مراجعة لا في السنوات ولا في البيانات، ويغلب على معظمها الطابع النظري، ولا تحتوي على أي معالم للإبداع أو التفكير أو التحليل. ومن يطّلع على أبحاث الطلبة (الماستر، الماجستير والدكتوراه) فإنه يجد أن نسبة كبيرة منها لا تصلح كأبحاث ولا تقدم أي قيمة مضافة، ويغلب عليها طابع الاستنساخ والنقل والطابع النظري. كما إن المقالات المنشورة في العديد من المجلات الجامعية، في أغلبها، لا تتوفر فيها أدنى المعايير المعروفة دوليا، ومعظم هذه المجلات التي تستعمل المال العام فهي أولا لا تخضع للتحكيم العلمي، ومن جهة أخرى فهي توظف من بعض الأطراف من أجل تحقيق مصالح شخصية كالترقية أو غيرها، ونسبة كبيرة منها ليس لها مواقع على الأنترنت، كما هو معروف بالنسبة للمجلات الدولية المرموقة.
مع الأسف الشديد، هناك حقول كبيرة تعبر عن مجالات واسعة للبحث، في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصناعية، وهنا يظهر دور الجامعة في تسخير إمكانياتها لخدمة أغراض التنمية، ولكن لم تعد الجامعات مواطن للعلم والمعرفة، فلقد توسعت الفجوة بينها وبين المجتمع والاقتصاد، وأصبحت مساهمتها محدودة ومقتصرة على تقديم الشهادات، وعجز الباحثون عن توظيف كفاءاتهم، وتدنى مستوى الطلبة وهيمنت سلطة المدرجات. ونعود لنتساءل، كما بدأنا في البداية، هل تصبح الجزائر دولة مستوردة للأفكار والأبحاث وحتى المعرفة العلمية.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)