الجزائر

هذا الأسبوع ''سي عبد الحميد''


رحل سي عبد الحميد في هدوء، لملم ما استطاع حمله من أعمال وذهب تاركا لنا ذكريات عن رجل عظيم، عاش وعلى صدره نياشين الزهد والعفة والتواضع والصدق. تحرقنا لوعة فقدان شخصية أصيلة، ذات مواقف، وفي نفس الوقت، نفرح له ولمساره، كونه ذهب ولم ينسحب، ولأنه لم يعط ظهره لواقع يغرق سنة بعد أخرى في مستنقع التراجع، بل حاول وشارك في عمليات الإنقاذ. هو من الذين قرروا أن يقفوا المواقف حسب قناعاتهم. لم يكن من التابعين ولا من الخانعين، ولم يكن معاديا لأحد، ولم تسكنه أطماع زائلة، عاش مسالما، مؤمنا بقوة الفكرة وبخلودها. كان رجلا بمواقفه وإنسانيا بها. كان مسلما ولم يكن دجالا. كان وطنيا ولم يكن سمسارا. عاش سي عبد الحميد و هو يردد بأنه  لا يعادي أحدا ولا يخاصم أو يكره أحدا. كان يكره الظلم، لأنه من طينة الرجال والرجال لا يظلمون ولا  يعرفون كيف يحتقرون الآخر. لكنه كان يزعج أكثـر من طرف لا يريد أن يجد في طريقه رجلا نظيفا زاهدا قوته من قوة ذهنه وفي عمق التفكير والصدق في التعبير. نفتقد رجلا فحلا، عزاؤنا فيه أنه ترك لنا سيرة كتبها بمواقفه عن تعايش الأفكار المتناقضة. كاشفا كيف يتسع الصدر حين يكون العقل متفتحا متنورا. لم تكن الخلافات في الرأي لتزعجه أو تقلقه. لقد تنفس الخلافات كما نتنفس في كل لحظة الأوكسجين وما يحمله الهواء من سموم. رحل سي عبد الحميد تاركا مدرسة أبوابها مفتوحة لكل طالب يقبل التنوع ويحترم الاختلاف. هل نقول أنه فشل؟أو بأن الراحل عنا قصّر في تبليغ الأمانة؟ الذين التقوا به في رواق مركز ثقافي أو قاعة محاضرات، داخلا أو خارجا من ندوة أو ملتقى،  مشاركا أو منشطا أو حاضرا فقط، لاحظوا كيف يستقبله  الحضور وكيف يحتضنه الشباب وكيف يقتربون منه بتحية، طالبين منه التقاط صورة تذكارية معه تخلّد لقاءهم مع الشيخ الحكيم . لا أعتقد بوجود ما هو أفضل وأبلغ تعبيرا عن مظاهر الاحترام الصادق، كالذي يكنّه هؤلاء لرجل لم يكن يملك منصبا و لا سلطانا. لقد ملك القلوب بمواقفه وبمسيرته وبخصاله. سي عبد الحميد هو اسم علم كان حامله معلما من معالم الجزائر.  إنه يرقد اليوم على أمتار من عظيم آخر، المرحوم بن يوسف بن خدة، الذي خلّد اسمه بمواقفه وبتسامحه وأيضا بتواضعه. مهري وبن خدة ويزيد ودحلب وعبان وبن مهيدي وبن بولعيد وديدوش وخيضر وبوضياف. ومن الأحياء، آيت أحمد وعلي يحيى.. هم نجوم سطعت في سماء الجزائر بالمواقف. لا أعتقد أنهم ينتظرون شكرا، غير أننا نعمل من أجل جزائر السلم والطمأنينة. جزائر  حيث يتجاوز فيها الطموح مجرد الحصول على بطاقة الناخب ، الى القدرة على التمييز والفرز بين ما هو حقيقي وصادق وبين ما يقوم به الدجالين باسم الدين أو باسم الجمهورية أو الوطنية أو باسم الديمقراطية.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)