الجزائر

هذا الأسبوع العصا هي ''فايس بوك'' السلطة



 بدلا من رؤية الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين يضبطون انشغالاتهم واهتماماتهم حول الحريات في الجزائر، كان النصيب أن نشهد صراعا حول شرعية المؤذن الذي نادى إلى المسيرة وحول طبيعته، وأهدافه. وكأن المشككين يطالبون، بالاضافة إلى التصريح القانوني، بقسم مكتوب وبتصريح شرفي، يؤكد حسن نوايا المشاركين في المسيرة وباعتراف مكتوب أيضا، يشير إلى أنهم وطنيون، مخلصون لبلدهم وللشهداء.
إنه العبث..
في مسيرة 12 فيفري التي تحولت إلى وقفة، شدت انتباهي جملة كان يرددها مراهق بساحة التجمع، لا يتجاوز عمره 15 عاما. كان يقول ساخرا اللي قراو ما يديرو والو . والرسالة التي فهمتها أن دعاة السلم والتفاهم والحوار، هم الفئة الأضعف في المجتمع. فاحتجاجات التغيير، تأتي أياما بعد أحداث 5 جانفي الماضي والتي تميزت بعنف كبير أجبر السلطة على التراجع عن قرارات واتخاذ أخرى لم تكن منتظرة (إلغاء رسوم..) وأيضا عودة تجارة الأرصفة والتجارة عن طريق العربات من كل نوع. ولا يتردد الشباب، ولا أولئك الذين يستولون على مساكن شاغرة، في الاعتراف بأن قوة الأمر الواقع هي مكمن السر، والأمر يبلغ درجة من الخطورة عندما يتحول الأمر الواقع إلى معادلة وطنية. ففي الأصل كانت مطالب السياسيين غداة الاستقلال، هي القضاء على ثقافة فرض الأمر الواقع الذي تفرضه السلطة على المجتمع وعلى معارضيها بشكل خاص. وإذا بالحصيلة اليوم، تؤكد عن عيب في التكوين. فالمجموعة التي يفترض أن تؤدي دور المناعة لتحافظ على استقرار التوازن الذي يلقى رضى المجتمع، تقوم بالمهمة، لكن لصالح الطرف الأقوى الذي بين يديه أدوات فرض الأمر الواقع . وهو ليس قادرا فحسب على شراء عدم اهتمام مثقف، عن طريق راتب منتظم هنا بالدينار أو هناك باليورو، وإنما جعل الكثيرين يجتهدون ويجاهدون في سبيله. وإن كان صمت المثقف المعبر عنه بحجة الانشغال بأمور أخرى يعد موقفا، فإن تفشي قابلية عجن مواقف قيادات حزبية، يعبر عن استقالة. قد تكسب السلطة نقاطا وتربح جولات، لكنها في نهاية المطاف تزيدنا قناعة بضرورة عدم جدوى القديم، ولا أقصد بالقديم المساس بمشاعر المسنين. فرجل بحجم السيد علي يحيى عبدالنور لا يستحق منا إلا التقدير والاحترام، وهو يستعد للاحتفال بعامه التسعين، يحمل من الأفكار ما يجعله ابن جيل المستقبل. ومثله السيد عبدالحميد مهري.. وغيرهما كثير، كان يفترض ببلد مثل الجزائر أن تحترمهم وتقدرهم وترفع مقامهم (مقامهم مرفوع ومحفوظ) بأن تستمع إلى نصائحهم.
كان أولى الأخذ بنصائح عقلاء، وعدم توسيع منافذ التأثير القادمة من البنك أو الصندوق الدوليين، حتى أصبحت الحكومات تتفاخر بشهادات حسن السيرة التي يقدمها الصندوق الدولي سنويا، للدول التي تحترم تعليماته وتحقق نتائج مرضية في التوازن المالي الكلي.
كان الأجدر بالجزائر، والوقت لم يفت بعد، لتفتح المجال أمام هؤلاء الحكماء ليساهموا في تشكيل أسس الدولة المدنية. فالاقتباس من قوانين مجتمعات أخرى ونقل مواد من قوانينهم لم تجعل منا مثلهم .
والجزائر ليست حالة استثنائية، فقد تخلفت الأحزاب عن أداء دورها في دول عربية عديدة وقصّر المثقفون في عمليات تأطير رغبات مجتمعاتهم.
واليوم المعارضة المؤثرة، موجودة في الشارع. تلك المعارضة التي تتحرك بشكل عفوي وعنيف لفرض أمرها. أما المعارضة السلمية، فلم تصل بعد إلى انتزاع احترامها من السلطة التي لا تخشى المثقفين ولا تخشى العلماء. إن لها من القدرة ومن الإمكانات، ما يمكنها من انتداب مجموعات منهم، حسب الحاجة في مهمات الداعية وتتعامل معهم وكأنهم سماسرة أو وكلاء حزبيون يمارسون السياسة من أجل الربح.
ولهذا أعتبر فشل الحلول السلمية وفشل مبادرات المثقفين ومناضلي الحريات بمثابة النكسة. فهي منبه عن وجود أخطار ووجود تشققات أو كسور في البناء، يلزم جبرها.
ويمكن إدراج قرار السلطة برفع حالة الطوارئ قبل نهاية الشهر والعودة إلى الحالة القانونية الدستورية، وهو ما اعترف به، أخيرا، وزير الخارجية مراد مدلسي في حوار له مع إذاعة فرنسية، بالخطوة في الاتجاه الصحيح، شريطة ألا يتم خنق هذا التقدم بإجراءات قسرية، كـ تحريم المسيرات ومنع التظاهرات أو تحديدها حسب رغبات السلطة. فإلى اليوم ترفض السلطة أن تعترف أو أن تعتمد أحزابا جديدة أو نقابات جديدة أو صحفا أو قنوات سمعية بصرية. وينبع رفضها من مزاج ، لأنه لا يوجد نص قانوني أو مادة ولو من مرسوم الطوارئ يعطيها هذا الحق. وتساندها في ذلك، بعض الأحزاب التي تمتلك إطارات، والكثير من أحزاب الذل التي رضيت بأن تكون بين أيدي رجال الظل . فحصر المعادلة كما هي عليه الصورة اليوم، يجعل من تجديد الأفكار وتغيير الأساليب أمرا بعيد المنال. فتلك المعارضة، قريبة من النظام وتخدمه..
من العبث أن تستمر دراسة طلب اعتماد حزب سنوات.
والعبث، أن يتم حصر ممارسة السياسة على أطراف غرفها الطموح المادي.
ومن العبث، أن يتم اختزال هيبة الدولة في جانب من الصورة التي تتكئ فيها على العصا .
هو العبث، عندما نطمع في طامع.. 


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)