الجزائر

هجرة الشباب.. وبيع العتاد!



عندما نقرأ إيجابيا رغبة الشباب في الهجرة نَجدها تتعلق بالقدرة والطموح والكفاءة وحب العمل والمغامرة، أكثر مما تتعلق بالضعف ومحدودية الأفق والخوف من المجهول، أي عكس ما نتداوله بيننا في معظم الأحيان.شبابنا يَعرف أنه عندما يهاجر سيُعوِّل على كفاءته وقدرته وإبداعه لأنه لن يجد في الخارج محاباة أو محسوبية أو مجاملة. وهذا يعني أنه يمتلك كل ما يؤهِّله لكي ينافس على الصعيد العالمي، فقط هي السياسات العامة الخاطئة التي مَنعته من أن يقوم بذلك في بلده، هي التي جعلت منه كسولا يبحث عن الربح السريع ويرفض المبادرة وينتظر ما تَهبه له الدولة من مساعدات! هذه السياسات العامة هي التي ينبغي أن تتغيّر، وليس الشباب الذي كان ضحيَّتها بالأساس.
لم يولد أبناؤنا وهم يكرهون العمل أو الدراسة أو حبّ التفوق.. برامجنا وقراراتنا وأساليب التسيير لدينا هي التي جعلت منهم كذلك.. ورغم صعوبة مقاومة سطوتها وآثارها، غالبيتهم يتمردون عليها في شكل تطلع إلى الهجرة حيث توجد قيمة للعمل، وقيمة للجهد، وتنافسية لا تتخللها الأساليب الملتوية في الحصول على المناصب أو تحمّل المسؤوليات أو تقييم الجهد المبذول…
يبدو لي أن هذه هي القراءة الإيجابية الأسلم لواقع شبابنا بعيدا عن ذلك التفسير اليائس الذي يجعل منهم غير ما هم عليه في الواقع.
لقد تقدّم شاب إلى زميله المُكِدّ المُجدّ بالعرض التالي: مادُمتَ تعمل وتكدح وتَنجح، انتظرني قليلا وسأبيعك سيارتي النفعية التي حصلتُ عليها بلا جهد عن طريق وكالة دعم تشغيل الشباب، وماذا ستفعل بأموالها؟ سأل الثاني: إنها ستكفيني للعيش مدة، وبعدها سأهاجر.
بعدها سيعود إلى البحث عن القيم الحقيقية التي ما كان لَنا أن نُحطِّمها فيه: البحث عن العمل الشريف ودخول مجال المنافسة بالكد والجد.
وكم مِن أمثال هذا المُجِد، وذاك الذي في آخر المطاف وصل إلى قناعة أنه لا خير في الهِبات "المسمومة" إلا في بيعها والعودة إلى الطريق الأسلم الذي يضمن النَّجاح.
مشكلة شبابنا تكمن في هذه السياسات الخاطئة الموجَّهة لما يُعرَف بتشغيل الشباب، كان يُفتَرض أن يُوَّجه الدعم لذلك الذي بادر ونَجح، لينجح أكثر وليكون مثالا وقدوة للآخرين، وليس لذلك الذي لم يبدأ، وتمّ وضعُه على طريقٍ لم يُعبِّدها لنفسه، أو لا يعرفها، وأحيانا دُفع إلى ذلك دفعا، ليجد نفسه في آخر المطاف يُريد العودة من حيث بدأ والانطلاق من نقطة الصفر أو الفرار إلى الخارج.
لا تلوموا شبابنا إنْ وَصَلَ إلى بَيعِ متاعه، بل لوموا مَن دفعه إلى ذلك وأخذ منه أجمل سنوات العمر.
(سبق نشره)


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)