الجزائر

نظرة حادة أدوات النصب والاحتيال


  لا أدري كيف غاب على النحاة وأهل الإعراب إيجاد فعل أو حرف أو أداة في اللغة بدل أن تنصب أو ترفع أو تجر تقوم بفعل احتيال على ما يأتي بعدها. من هذه الناحية يبدو أن النظام الجزائري وفيه بعض النحاة العباقرة في الاحتيال، جاء متقدما جدا على أولئك النحاة، وإلا كانوا سيتعلمون منه كيف يعربون مثلا ''حتى'' كأداة احتيال على إرادة الشعب. و''حتى'' هذه كما هو معروف في أدبيات ظلت تنصب وترفع وتجر حتى مات سيبويه وفي قلبه شيء منها نظرا لقدرتها على الاحتيال على ما يأتي بعدها.
لنأخذ مثلا بعض الأمثلة المفيدة على طريقة تمارين على الإعراب، كأن نقول مثلا: حتى يصدر قانون إعلام يستجيب لمتطلبات العصر لا بد من ضمان مصدرين أساسيين لتطوره هما.. تحرير مصدر المعلومات وتحرير الإشهار من أنياب السلطة الحاكمة.
لقد قلت دائما أن سجن الصحفي ليس مشكلة في حد ذاتها، ذلك أن توفير مناخ ممارسة مهنية سليمة، ومنها حق الوصل إلى مصادر المعلومات الموثوقة، وهو حق دستوري كفيل بتحصين الصحفي أمام العدالة ولا داعي للتشهير به على أنه مواطن فوق القانون.
لكن أداة حتى لا تقوم سوى بالاحتيال على ذو العقول الخفيفة، لأن مثل هذا المناخ لا يخدم أصحاب القرار في هذا البلد وإلا لن يصبح لهم محلا من الإعراب.
وكأن نقول مثلا حتى يتخلص نظام الحكم من سياسة ''الكوطا'' لابد من تحرير بعض رجال النظام من تقاسم ثروات الأمة حسب سياسة ''الكوطا'' وأن كوطات استيراد القمح والسكر والاسمنت والحديد... ليس لها نفس محل الإعراب مثل ''كوطا'' المرأة في البرلمان، ذلك أن تشجيع المرأة على دخول معترك السياسة ليس مجرد ''كوطا'' نجمع لها وجوه الجميلات لتزيين قاعة الحفل وإنما كفاءة، وأمام الكفاءة يتساوى الرجل والمرأة ويعود الفعل على ما نسميه في سياق الحديث المستقبل الأفضل.
وحتى نوفر ما يكفي من النزاهة في الانتخابات (وحتى هنا مجرد حرف تمني مثلها مثل لو...) ونعطي للشعب حقه الدستوري في التعبير عن رأيه في من يحكمه، علينا أن نغيّر سياسة النسبية في توزيع مقاعد البرلمان لأنها أصبحت شبه جملة فارغة لا محل لها من الإعراب. ذلك أن العمل بهذه النسبية يتيح مثلا لوزارة الداخلية أن تعطي مقاعد لحزب مستعمل كأداة نصب واحتيال على إرادة الشعب على حساب حزب له من الأهداف والكفاءات ما يوفر لهذا الشعب مستقبلا أفضل.
ولأن أداة حتى هذه تستدعي بدورها تداعيات أخرى، فحتى يكون لمن انتخبهم الشعب مصداقية وشرعية، على السلطات المخولة قانونا أن تمنع ذوي السوابق الجنائية مثلا من الترشح حتى تضمن عدم وصول المجرمين لتمثيل الشعب. وحتى تكون لهذه السلطات المشرفة على (الإعراب) في الاستحقاقات القادمة مصداقية عليها أن تمنع من الترشح كل من أخرج السلاح على المواطنين لأنه يشكل خطرا على الأمن العام، وكل من ابتزه الوالي بقطعة أرض أو سكن بغير وجه حق، وكل نائب أخذ رشوة لقضاء حاجة الناس.. حتى يستعيد البرلمان محله من الإعراب في قلوب الناس.
وحتى يكون العدل أساس الحكم، وهذه الجملة تفيد المستقبل وليس الحاضر، على هذه الأحزاب التي تدعي أنها كبيرة، أن تنزل إلى مناضليها في القاعدة، دون أن تستعمل إمكانيات الدولة، ولا أن تحشد القاعات بقرويين وجدوا فرصة لزيارة المدينة مجانا (مع ضمان كسكروط مجانا أيضا؟) ولا يهمهم من يخطب عليهم ولا ماذا يقول؟
ولأن دخول حتى على كلمة العدل هو دخول قسري، فلا بد من الاكتفاء بإعرابه على أنه كلمة مدغمة وعلامة إدغامه الكسرة الظاهرة على وجوده.
... وحتى ذلك الحين نترككم في رعاية الله وحفظه، وليس في رعاية أدوات النصب والاحتيال.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)