الجزائر

نظرة حادة حان وقت القطاف



كثف وزير الداخلية هذه الأيام من تصريحاته للصحافة، بعض تلك التصريحات صائب، وبعضها يحتاج إلى تصويب... لكن على العموم، يستحق التهنئة على انتصاره في معركته على أحزاب الائتلاف، التي برهنت قيادتها تفضيل المصالح الحزبية والشخصية على المصلحة الوطنية.
غير أن معالي الوزير المعروف بقلة الكلام وكثـرة الخطأ إذا تكلم، لم يستثن الأحزاب المصطفة أمام ديوانه، في انتظار تراخيص النشاط العلني، من نقده اللاذع. وكان تصريحه المتشائم أمام البرلمان، نهاية الأسبوع، دليلا على خيبته مرة أخرى من برامج لا زالت تراوح في مبادئ أول نوفمبر، ومشاريع سياسية محشوة بالكلام وليس بالحلول... وأن الجزائر لا تتسع لأكثـر من خمس عشرة حزبا... إلخ.
ما يحتاج هنا إلى تصويب أن معالي الوزير، وبما أنه رجل دولة ويحتكم إلى القانون، لا يستطيع أن يمنع خمسة وعشرون مواطنا راشدا من إنشاء حزب والتعبير عن قناعاتهم السياسية، والتقدم أمام المواطنين، والكتلة الناخبة، ليتأكدوا من مصداقية أطروحاتهم ورضا الشعب عن برنامجهم السياسي... وبالتالي، يعتبر تصريح الوزير خرقا للدستور وقانون الأحزاب القديم والجديد.
ثانيا، هل يعقل يا معالي الوزير أن يتجرأ مواطن جزائري من جيل الاستقلال، مثقف وثوري، أن يصرح أمامكم أن مبادئ أول نوفمبر التي أصبح البعض يربطها بقداسة القرآن والسنة، انتهت صلاحيتها حين حققت أهدافها، أي يوم 5 جويلية .1962 وأن حتى إطلاق كلمة مبادئ عليها لم تعد مستساغة ولا دقيقة، لأنها في الحقيقة مجرّد برنامج عمل لمرحلة معينة من تاريخ الجزائر، الذي أصبح في نظر جيل الاستقلال قديما.
كيف كنتم ستتعاملون مع هذا المواطن، أنتم حراس تلك الثورة وعرابي برنامج العمل ذاك؟ ألا تعتبرون ذلك تنكرا صريحا للتضحيات الجسام للشهداء الأبرار، وتزويرا للتاريخ الوطني المجيد، وربما ستتهمونه بالخيانة العظمى، والنفي إلى هامش جمهوريتكم الذي عاش فيه آلاف المثقفين من جيل الاستقلال الذين يحملون قناعات لا تروقكم.
صحيح أن الكثير من متزعمي تلك الأحزاب مجرد ببغاوات يكررون ما يسمعون، وبعضهم نقل حرفيا برنامج الأفالان أو النهضة، ولكن فيهم أيضا جيل جديد، يتطلع إلى استقلال بلاده وفق مبادئ وأفكار جديدة، وتحرير هذا الشعب من تلك المقولات القديمة، غير أنه لا يستطيع الإفصاح عن نواياه مادام ''إكليروس'' المجاهدين ينصب بنادقه وفخاخه في طريق كل من يشك (خطأ) في أنه سيمس بمصالحهم وامتيازاتهم.
ماذا تنتظرون أن يفرز واقع معقد ومحاط بالخوف والرهبة؟ نعتقد أن الأحزاب الجديدة هي مجرد مرآة تعكس الخيبة والرداءة التي يعوم فيها الواقع السياسي في الجزائر. وما تلك البرامج المحشوة باللغة المنتفخة الأوداج، سوى انعكاس للفكر (أو اللافكر) السائد. وعليه، ماذا تنتظرون أن تقطفوا أنتم الذين زرعتم اليقطن والحصرم؟.. ليس الورد على كل حال.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)