الجزائر

ندوة الخبر حول السياسة السينماتوغرافية في الجزائر استراتيجية عقيمة والفن السابع تحت رحمة المناسباتية


اتفق المخرجون الذين نزلوا ضيوفا على ندوة الخبر التي سلطت الضوء على السياسة السينماتوغرافية في الجزائر ، على أن الاستراتيجية العقيمة التي تنتهجها الجهات الوصية، منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، أسفرت عن شلل شبه كلي للقطاع. وأجمعوا على أن غياب الإرادة السياسية، وانعدام قنوات الحوار والاتصال ما بين السلطات العليا في البلاد وأهل المهنة الحقيقيين، وراء كافة المشاكل التي تتخبط فيها السينما الجزائرية، مشدّدين على ضرورة تحلي الجميع بروح المسؤولية، باعتبارها السبيل الأمثـل لإيجاد حلول ناجعة وفعالة، للنهوض بالفن السابع من كبوته، وإخراجه من نفقه المظلم.  

 أكد على غياب استراتيجية واضحة المعالم
درايس: أزمة التمويل وراء عقم السينما الجزائرية

يرى المخرج والمنتج بشير درايس، أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء حالة العقم التي تعيشها السينما الجزائرية، مرده سياسة التقشف التي تمارسها الجهات الوصية خلال عملية التمويل. وأوضح أنه من الصعب على المخرجين والمنتجين التحدث عن سياسة سينماتوغرافية في الجزائر، ومسألة التمويل لا تزال مطروحة بقوة، بالشكل الذي يعيق تحريك عجلة الإنتاج والتوزيع.
أبرز بشير درايس أن غالبية الأعمال السينمائية التي يتم إنتاجها، ضمن التظاهرات الثـقافية والفنية التي تنظمها الجزائر بين الفينة والأخرى، كتظاهرة سنة الجزائر بفرنسا (2003)، و الجزائر عاصمة الثـقافة العربية (2007)، وكذا المهرجان الثـقافي الإفريقي الثـاني بالجزائر (2009)، لا ترقى إلى المستوى المطلوب. كما أن بعضا منها لم يتمكن حتى من رؤية النور، باستثـناء القلة القليلة التي حققت نجاحا معتبرا، سرعان ما فقد بريقه بزوال المناسبة ذاتها .
وأرجع المتحدث الأسباب الكامنة وراء المشكل إلى غياب استراتيجية واضحة تحتكم إلى أسس وقواعد علمية، ترمي أساسا إلى ترسيخ تقاليد سينمائية بصفة دائمة ومستمرة، بعيدا عن منطقي الظرفية والمناسباتية، ومن ثـمة تكريس مبدأ الثـقافة والصناعة السينمائية، الذي لا تزال الجزائر متأخرة كثـيرا لتصنيفها ضمن خانة ما بلغته بقية الدول العربية والغربية في هذا الشأن . وأضاف بشير درايس أنه وموازاة مع مطلب الرفع من قيمة الأغلفة المالية المخصصة لتمويل المشاريع السينمائية، فإنه ثـمة مطالب أخرى في غاية الأهمية، منها ضرورة استرجاع كافة قاعات العرض، وتكليف البلديات بتسييرها وفق أطر قانونية شفافة ناهيك عن فتح أبواب هذه القاعات للخواص، قصد تحسين نوعية الخدمات المقدّمة على مستواها، وكذا إعادة الجمهور إليها وتحبيبه مجدّدا في السينما، بعد القطيعة التي شهدها القطاع منذ سنوات عديدة . وتابع المخرج: دون أن نغفل طبعا إلزامية وضع حد لظاهرة القرصنة، التي أضحت تهدّد راهن ومستقبل الفن السابع في بلادنا، نظرا لوجود لوبي يخطط ويروّج لها بشكل دقيق ومحكم .
وعن الأعمال السينمائية المزمع إنتاجها خلال تظاهرة تلمسان عاصمة الثـقافة الإسلامية 2011، قال درايس: صحيح أن مثـل هذه المواعيد تساهم بشكل أو بآخر في تحريك عجلة الإنتاج وتفعيل المشهد السينمائي، ولكن علينا أن ننتبه إلى نقطة هامة، مفادها ضرورة ترجيح منطق الكيف على الكم .
وتساءل المتحدث عن جدوى إنتاج عدة أعمال، إذا كان معظمها لا يستوفي المقاييس المعمول بها عالميا. معقبا: في حالة عدم بث هذه الأعمال عبر التلفزيون، وعدم استغلالها بالطريقة التي يتسنى للجميع مشاهدتها، فهنا، أجزم أن الأموال التي ترصد لها مجرد تبديد وهدر للمال العام .

تأسف للذهنية العقيمة التي تنتهجها اليتيمة
هلال: نهوض السينما مرهون بإرادة سياسية قوية

 أعرب المخرج عبد الرزاق هلال عن أسفه الشديد حيال الأزمة الحقيقية التي يتخبط فيها قطاع الثـقافة منذ أعوام، جراء جملة من المشاكل المعروفة لدى العام والخاص، والتي أثـرت سلبا على مختلف الميادين والمجالات المنضوية تحت عباءتها، بما فيها تلك التي أودت بالسينما إلى الهاوية ، في إشارة منه إلى غياب إرادة سياسية قوية، وانعدام استراتيجية واضحة المعالم والرؤى، من أجل النهوض بالفن السابع في بلادنا . وقال هلال: إن العراقيل والعقبات التي لا تزال تقف حجر عثـرة أمام السينما الجزائرية، مرهونة بتعزيز أواصر الحوار والاتصال ما بين السلطات العليا في البلاد وذوي الاختصاص . وأضاف أنه في حال ما إذا كانت هناك إرادة سياسية قوية، فإن الطرفين سيخرجان حتما بحلول تخدم مصلحة هذا المجال الذي يكاد يكون منعدما .
وأردف المتحدث: موازاة مع كل هذه الثـغرات التي دفعت بعديد المخرجين والمنتجين إلى اليأس والفشل، فإن أزمة البطاقة المهنية بدورها، تبقى من بين أهم النقاط التي تستوجب على الجهات الوصية إعادة النظر فيها، لاسيما إذا ما علمنا أنه بواسطة هذه البطاقة يتم فرز أهل المهنة وتخليصها من الدخلاء والطفيليين، الذين تكاثـروا بسرعة في الآونة الأخيرة . وأوضح المخرج أنه لا يقصد من خلال حديثـه عن أهل المهنة الحقيقيين، قدامى المخرجين والمنتجين السينمائيين بل أعي جيدا أن هناك طاقات شابة، تتوفر إنتاجاتها على قدر عال من الاحترافية. وعليه، فإن المعيار الحقيقي الذي تقاس به درجة الاحترافية يكمن في نوعية العمل وليس السن .
وأعاب محدثـنا سياسة البريكولاج التي تنتهجها اليتيمة ، ونعتها بـ العقيمة و الطريق المسدود . مواصلا: إن أبواب التلفزيون شبة موصدة طيلة أيام السنة جراء أسباب مجهولة وغامضة، فأنا لم أفهم بعد ماذا ينتظر هذا الجهاز الثـقيل لتغيير سياسته؟ إنه يشتغل وفق دفتر شروط غامض، أدى إلى فرض منطق المحاباة والمحسوبية، فضلا عن تشجيع مختلف صور الرداءة، وكأن المشاهد الجزائري لا يحق له مشاهدة أعمال ترقى إلى مستوى آماله وطموحاته. وخير دليل على ذلك المستوى المتردي الذي تظهر عليه الشبكة البرامجية الرمضانية كل سنة .

شدد علي غياب سياسة سينماتوغرافية في الجزائر
بلحاج: فتح قطاع السمعي ـ البصري هو خلاصنا الوحيد

 صبّ المنتج والمخرج بشير بلحاج جامّ غضبه على لجنة القراءة المكلفة باختيار الأعمال السينمائية، التي يتم إنتاجها خلال التظاهرات الثـقافية والفنية التي تحتضنها الجزائر من حين لآخر. ولمّح إلى أن معظم أعضائها عديمو الكفاءة والنزاهة، ما يجعل قراراتها ظالمة ومجحفة .
وقال بلحاج: لا أعتقد أن هذه اللجان تتمتع بالموضوعية والمصداقية، التي ينبغي أن تحتكم إليها أثـناء قبول أو رفض المشاريع المودعة لديها . مضيفا: مشاريعي مثـلا دوما مرفوضة، ولحد الساعة لم أفهم لِمَ؟ . وأضاف المتحدث: ردود لجنة القراءة غير مقنعة، ولا تخضع لأية مقاييس أو معايير علمية، فحتى ملاحظاتها سطحية، ما يجعلني أجزم بوجود تلاعبات تمارسها تحت الطاولة. وإلاّ، فلِمَ يتم انتقاء أسماء معينة دون غيرها في كل مناسبة .
وعلى صعيد آخر، أكد بشير بلحاج غياب سياسة سينماتوغرافية في الجزائر، وأشار إلى أنه ضد الإنتاج المناسباتي: فالإنتاج الحقيقي لا ينبغي أن يقتصر على المناسبات فحسب، بل أن يتعداها إلى سائر أيام السنة . مستطردا: صحيح أن هذه التظاهرات تعد فرصة لإنعاش المشهد السينمائي في الجزائر، ولكن بالمقابل، لا يجب أن نتخذ من الكم معيارا نحكم من خلاله على نجاحها، والدليل على ذلك أن ما تم إنتاجه، مؤخرا، من أعمال سينمائية ذهب أدراج الرياح، حتى أن بعضا منها لم يشق طريقه إلى الشاشة العملاقة، فقد تعثـر في أولى خطواته دونما رقيب أو حسيب . ومن منظور آخر، أشاد محدثـنا بالأعمال السينمائية المنجزة من قبل مخرجين مغتربين كونها تتمتع بقدر عال من الاحترافية، ما يؤدي حتما إلى رواجها داخل وخارج الوطن . متابعا: أعطوني الإمكانات ذاتها وسأريكم ما بإمكاني فعله، فنحن أقرب من واقعنا وحظوظنا ستكون أكبر من غيرنا لو حظينا بتلك الأموال المقدمة لهم . كما نوّه بشير بلحاج، في سياق متصل بأن فتح قطاع السمعي ـ البصري أضحى أكثـر من ضرورة في وقتنا الراهن، فهو خلاصنا الوحيد إذا ما أردنا تأسيس سياسة سينماتوغرافية في الجزائر .

 دعا للابتعاد عن سياسة المناسباتية
حداد: لا يجب أن يقتصر دعم الدولة على المناسبات فقط

أوضح المخرج موسى حداد أن الحديث عن قطاع السينما وإصلاحه، ووضع أطر قانونية له استمر منذ الاستقلال، ولم نتوصل إلى اليوم لتحديد رؤية صحيحة لذلك .  
واعتبر حداد أن الإنتاج السينمائي في الجزائر يخضع لرؤية بعيدة عن الواقع الحقيقي للمجتمع. وقال إنه: إذا أردنا أن ننتج أفلاما يشاهدها الجمهور، أو ما يعرف بأفلام الشباك، علينا أن نعالج مشاكل المجتمع في قصص خفيفة، تتماشى مع الشباب الجزائري . مذكّرا بفيلمه الذي انطلق تصويره مؤخرا، والذي يعالج ظاهرة الحرفة ، مع وجود قصة حب هامشية في الموضوع.
وأشار موسى حداد إلى أن دعم الدولة ضروري للنهوض بقطاع السينما لكن، لا يجب أن يقتصر على المناسبات، بل يجب أن تصبح سياسة دائمة تسمح بقيام سوق حقيقية للسينما . مضيفا: إن الأموال التي تقدم لدعم إنتاج الأفلام حاليا غير كافية . مبرزا أهمية قرار صندوق دعم الإنتاج السينمائي (فداتيك)، بمنح المنتج 3 ملايير سنتيم عند بداية الإنتاج.  وأبرز موسى حداد إذا أردنا أن ننتج أفلاما كبيرة، يجب أن نقدم ميزانيات أكبر ، لأن السينما، حسب حداد صناعة تتطلب ضخ أموال ضخمة . ومن هذا الجانب، يواصل قوله: فإن دعم الدولة يصبح ضروريا. لكن، لا يجب أن نتوقف عند ذلك. فإذا أردنا أن ننهض بالسينما، على القطاع الخاص أن يلتفت إلى هذه الصناعة التي تحرك رؤوس أموال كبيرة .  كما تطرق موسى حداد إلى مشكل انعدام قاعات السينما، وقال: يجب أن يعاد النظر في ملكية هذه القاعات وأن توظف في مجالها، فلا يعقل أن تضم الجزائر في سنة 2011 بعض القاعات الصالحة للعرض السينمائي، والتي تعدّ على الأصابع . وهنا، تطرق إلى الإشكال الواقع بين وزارة الثـقافة والجماعات المحلية، وقال: على الوزارة أن تستعيد هذه القاعات، لأنها جزء مهم من الحلول التي ستقدم للقطاع .
وقد أثـنى حداد على قرار ضرورة تقديم ترخيص من وزارة الثـقافة، في حال إنشاء شركة إنتاج سينمائي. وقال إن هذا الإجراء سيحفظ القطاع من الطفيليين، وينشئ طبقة من المنتجين الحقيقيين الذي يخدمون السينما كفعل ثـقافي بالدرجة الأولى، وليس تجاريا فقط. وعلى صعيد آخر، ثـمّن موسى حداد الإنتاج المشترك، وقال إن الكثـير من المخرجين الجزائريين استفادوا منه في السابق، ولا يضر ذلك بانتماء الفيلم للجزائر، مذكّرا بفيلم خارجون عن القانون الوحيد الذي تلقى دعما ماليا قويا، والنتيجة أنه أحدث ضجة إعلامية عالمية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)