الجزائر

موتٌ للضمائر وتبلدٌ للمشاعر



موتٌ للضمائر وتبلدٌ للمشاعر
الاعتياد على مشهدية العدوان الصهيوني:
موتٌ للضمائر وتبلدٌ للمشاعر

*  د. مصطفى يوسف اللداوي

ما يرتكبه العدو الإسرائيلي في قطاع غزة ليس أمراً اعتيادياً يُسكتُ عنه ولا يُعارض ولا مشاهد يومية لا تلفت الأنظار ولا تسترعي الانتباه ولا تثير الغضب ولا هي أنشطة طبيعية للجيش لا تثير الشك ولا الريبة ولا تخالف القوانين الدولية ولا أعراف الحروب ونُظمها ولا هي برامج يومية ومهام دورية اعتاد عليها العالم واعتبرها مهام قانونية وأفعالاً مشروعة تجيزها القوانين وتقبل بها الأمم ولا هي أفعالٌ يستطيع أن يقوم بها جيش الاحتلال بحرية دون مسائلة ووفق رغباته دون معارضة وكأنه لا يقتل بشراً ولا يدمر بلداً ولا يقضي على حياة شعب .
الحقيقة التي يجب أن يدركها العالم وتعلم بها الشعوب أن العدو الإسرائيلي يريد كي وعي الشعوب والأمم وتخدير أذهانهم وموت ضمائرهم وكبت أصواتهم وسلب إرادتهم ومنع حراكهم بل وخصي رجولتهم وتقييد حريتهم وإجبارهم على تجرع السم برضا والقبول به بابتسامة ورحابة صدر ليجعل من عدوانه على الشعب الفلسطيني أمراً طبيعياً وشيئاً عادياً متقبلاً وكأنه ليس جريمةً دولية ولا فعلاً شائناً ولا عملاً كريهاً فلا ينبغي استنكاره ولا التنديد به وكأن ما يقومون به لا يستفز المشاعر ولا يوخز الضمائر ولا يثير الأحرار ولا يفتت القلوب ولا يفجر الغضب ولا ينبغي أفعاله أن تحرك المشاعر الإنسانية لدى الشعوب أبداً وأن تخلق رأياً عاماً شعبياً معارضاً له وناقماً عليه.
لم تتوقف مختلف وسائل الإعلام العربية والدولية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة عن نقل الصورة وبث الأخبار وتسليط الأضواء وكشف الحقائق وفضح ممارسات العدو وبيان جرائمه من خلال الصور الموثقة والمشاهد المروعة التي يندى لها جبين الإنسانية ولا يخجل منها مدعو الحضارة والتمدن والديمقراطية.
إلا أن صمت العالم يزداد وعجزه يتفاقم وسلبيته تستمر وغير مبالاته تخزي فقد اعتادت عيونهم مشاهد القتل والدمار وصور المذابح والإبادة وتأقلمت آذانهم مع الصرخات والآهات والشكاوى والأنات وباتت عقولهم تتقبل ما يجري وتتفهم ما يقوم به جيش العدو وتراه عملاً طبيعياً لا ينبغي له أن يستفز المشاعر ويحزن النفوس وكأن الذين يقتلون ليسوا بشراً وليسوا شعباً يستحق الحياة وبعضهم أصبح يبرر له جرائمه ويفسر أمام الرأي العام عملياته ويدعو المجتمع الدولي لحمايته من ضحاياه والدفاع عنه أمام من يقتلهم ويدمر بيوتهم والوقوف معه ضد من يقتلعهم من أرضهم ويطردهم من مناطقهم.
لم تعد الأخبار تصدم المتابعين وتفاجئ المراقبين أو تغضبهم وتخرجهم عن طورهم فالصورة تتكرر والخبر لا يتغير والضحايا هم أنفسهم والعائلات هي ذاتها وبات خبر ارتكاب العدو عدداً من المجازر أمراً مألوفاً غير مريع ولا يلفت الأنظار ولا يعيره أحدٌ اهتمامه وخبر مقتل مئات الفلسطينيين أمراً عادياً طبيعياً يضاف عددهم إلى أعداد الشهداء السابقين وإذا نقص العدد يوماً بضع عشرات عن شهداء اليوم السابق فإن العالم يصفق لجيش الاحتلال ويتوجه قادة الدول الكبرى بالشكر إلى الحكومة الإسرائيلية ويشيدون بسياستها المسؤولة التي أدت إلى تقليص عدد الضحايا الفلسطينيين ويبالغون في شكرها وتمجيد رئيسها إذا سمح بعض الشاحنات التي تحمل ما لا يكفي أحداً من الطعام والشراب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
إنها جريمة تفوق الجريمة وظلمٌ يتجاوز الظلم وشراكةٌ في العدوان ولو بالصمت ومسؤوليةٌ في الجريمة ولو بالعجز إذا أصبح العالم يرى أن ما يجري في قطاع غزة أمراً يمكن احتماله أو من الممكن التعامل معه وقبوله فما يقوم به العدو الصهيوني يفوق الوصف ويتجاوز الخيال ولا يقبل به عاقل ولا يوافق عليه غير قاتل ولا يصمت عليه غير متآمر ولا يتأخر عن استنكاره إلا شريكه ولا يجبن عن صده إلا متخاذل ولا يعتاد عليه إلا جاهل ولا يبرر له إلا غِرٌ عاجزٌ.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)