الجزائر

مواعين قديمة



 شرعت لجنة بن صالح -كما أصبحت تسمى- في مشاوراتها هذا الأسبوع، وتم الترويج لها بحماس مثلما تم الترويج للجان الإصلاح الشهيرة، إصلاح العدالة، الإدارة، المنظومة التربوية، والتي لم ير أحد ماذا أصلحت.
وهكذا انتهت آمال الجزائريين في التغيير السلمي إلى سلم بدون تغيير. واستطاع النظام الذي أخاف الناس من الخروج إلى الشارع، وصورَه لهم عنفا وتكسيرا ودماء، أن يرتاح في وضعه القوي مؤقتا، ويلتف بدهاء على طموحات الجزائريين في أن يتخلصوا من ماضيهم الأليم.
أخذ فخامة الرئيس بقفاز من حرير كل عناصر اللعبة السياسية في يده، وأوكل الإصلاح وليس التغيير، إلى شخصيات من نوع بن صالح، والجنرال السابق وربما اللاحق محمد تواتي، وبعض زعماء المعارضة المصطنعة، وبعض الشخصيات المغلوبة على أمرها، وآخرين من هذه الطينة وهذه الشيخوخة لتقديم فتاوى في إصلاح حياتنا المعطوبة، وتقرير مصير ملايين الشباب الجزائريين الذين لا يعرفون لمثل هؤلاء الأشخاص أمجادا تذكر ولا فكرا قابلا للتغيير.
لا بد أن المعادلة انقلبت على رأسها، ومن يعرف قلب المعادلات مثل فخامته، وإلا كيف يتم الالتفاف على كل مطالب التغيير، والتركيز فقط على تغيير الدستور، والنظام الرئاسي، وكلاهما لا يوفران للجزائريين حياة أفضل من الحياة التي يعيشونها، بينما يهدد وزير الداخلية الحريات السياسية والإعلامية.. هل لأن الدستور المعدل في ثلاثة أرباع الساعة لم يعد الرئيس بحاجة إلى عهداته المفتوحة؟ أم أن النظام الرئاسي أفضل من البرلماني الذي سيضع حدا لفساد رجال النظام، وينزع من بين أيديهم ''رئيسا'' يديرونه حيثما اتجهت ريح المصالح...؟
مشكلة الجزائريين في مكان آخر من المستقبل أيها السادة، وهي ليست في الدستور ولا في النظام الرئاسي.. إنها ببساطة في حياة آمنة فيها كرامة وعدالة وحريات عامة، وفرص متساوية، وثـروات مقسمة بالقسطاس، وحق الاجتهاد والمبادرة، والحق في ممارسة واجب المواطنة... وبكلمة واحدة حياة كفيلة بجعل الجزائري يرفع فيها رأسه فخورا...
دعونا نواجه الواقع بعيون مفتوحة: أغلب الجزائريين لا يسكنون بيوتا لائقة ولا يجدون مقابر نظيفة حين يموتون.. وأغلب الجزائريين لا يتلقون رواتب حسب جهدهم، وإنما حسب ضغطهم على الحكومة.. وأغلب الجزائريين لا يأكلون بشكل جيد ولا يشربون ماء صحيا.. وأغلب الجزائريين غير مرتاحين لمستوى صحتهم المريض، ومستوى عدالتهم المتواطئة، ومستوى التربية المنحرف.. وأغلب الجزائريين قلقون من المستوى الخطير الذي بلغه الفساد، ومن رداءة الإدارة، ومن غياب الدولة والفكر والأمن في شوارعهم، ناهيك عن طرقاتهم المحفورة، ومدنهم الصومالية، والخدمات غير الخدومة التي يتلقونها يوميا كالعصا على رؤوسهم.
ها هو ما يبدو اليوم في غير مكانه ولا زمانه، فكيف نوكل تغيير حياة الجزائريين للذين ساهموا بفعالية طيلة العقود الماضية في تردّيها وانحطاطها.. من أين سيأتون بأفكار جديدة وهم قدماء قدم تاريخهم. هل يا ترى من الممكن ترميم البيت المهدم بنفس مواد البناء القديمة؟ وهل يبقى الجزائريون يطبخون في نفس المواعين التي ورثوها منذ استقلال بلادهم؟
كان الأولى بالرئيس أن يتحلى ببعض الشجاعة السياسية ويرمي التغيير إلى الشارع ليحتضنه الشعب كما احتضن ثورة تحريره في السابق.


aghermoul@hotmail.com


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)