الجزائر

من سينتصر في معركة غزة؟



من سينتصر في معركة غزة؟
من التبسيط للمعقد والتسطيح للعميق، أن يجري اختزال الحكم بالانتصار في المعركة الدائرة في غزة بين حماس وإسرائيل في عدد الإصابات من قتلى وجرحى وتدمير البيوت والمقار الحكومية في الجانب الفلسطيني وقدرة ”القبة الحديدية” الإسرائيلية على إعطاب صواريخ كتائب القسام، هذه بلا شك مؤلمة للجانب الفلسطيني وتسجل نقاطا في المعركة لصالح إسرائيل، لكنها لا يمكن أن تعتبر مؤشرا حاسما للحرب ولا الفيصل في الحكم بانتصار استراتيجي لإسرائيل. يقول ”كلاسويتز” الخبير السياسي والعسكري: ”إن الحرب هي استمرار للسياسة لكن بطرق أخرى، فالحروب تُخاض لإعادة تنظيم السياسة ليستفيد المنتصر ويتضرر المهزوم”، وبهذا التعريف نخلص إلى أن حديث الساسة الإسرائيليين عن ”انتصار” لا يعدو أن يكون ”بروباغندا” للتسويق الداخلي، فعين الساسة هناك دوما على الانتخابات.سيكون انتصارا إسرائيليا مدويا لو أن الحرب بين حماس وإسرائيل أثمرت تقويض البنية التحتية لحماس بجناحيها السياسي والعسكري، وهذا ما لم تستطع الآلة العسكرية الرهيبة تحقيقه في كل الحروب الإسرائيلية السابقة ضد غزة (أمطار الصيف، سحب الخريف، الشتاء الحار، الرصاص المسكوب، الصدى الراجع، ركن الدفاع)، فلا يتوقع أن تحقق معركتها الحالية (الجرف الواقي) أي جديد، بل على العكس استطاعت حماس بعد كل هذه المعارك الرهيبة أن تنهض من جديد وتطور قدراتها القتالية وأن تكشف عن أسلحة مطورة على الرغم من تدمير الأنفاق وإغلاق المعابر.كما أن من حق إسرائيل أن تدعي انتصارا استراتيجيا مهما ضد عدوتها اللدود (حماس) لو أن شعب القطاع انتفض ضد الحركة، فقد كانت إسرائيل، (وغير إسرائيل)، تأمل في إنهاء حكم حماس للقطاع، ولم تفرز كل المعارك الإسرائيلية أي أثر لانتفاضة أو تململ، مع أن الجراح غائرة والشهداء كثر والأضرار المادية بالغة، بل على العكس فقد كسبت حماس بسبب مواجهتها غير المتكافئة مع إسرائيل، وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم، شعبية متزايدة، بل إن الفلسطينيين الغزاويين أبدوا إصرارا لافتا وعنادا قويا ضد الغطرسة الإسرائيلية لسبب بسيط وهو إيمانهم العميق أن حماس، ولو لم يحبها بعضهم، تخوض حربا ضد محتل همجي أهان الشعب الفلسطيني بجناحيه السلطة الفلسطينية وحماس، أما السلطة فرغم تنازلاتها المُرة فقد رفضت إسرائيل الحد الأدنى من مبادرات السلام معها وأهانتها بالمماطلة والإهمال، وأما حماس فمن خلال محاولات تركيعها عسكريا، فلا يضير بعد ذلك، في نظر الغزيين أن ”تنغص” حركة مقاومة فلسطينية على الإسرائيليين معيشتهم ما دام فيها شيء من استرداد الكرامة، هذا ناهيك عن الحصار القاتل والمضني الذي تفرضه إسرائيل بجبروت ووحشية متناهية، فأحالت الحياة في القطاع إلى جحيم تتساوى فيه الحياة والموت. يخطئ من يظن أن الانتصار الحقيقي لحماس في معركتها مع إسرائيل هو في إحداث أكبر قدر من الخسائر بشرية ومادية، وإن كانت تتمناهما، فالقبة الحديدية وإن فلتت منها صواريخ قليلة فإن الأغلبية تتصدى لها القبة الحديدية، ويبقى الانتصار الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية هو في تدمير شعور إسرائيل بأنها باتت واحة سلام في منطقة مضطربة، فانقطاع الملاحة الجوية عنها وانطلاق صفارات الإنذار في العمق الإسرائيلي وقتل عدد كبير ”نسبيا” من الجنود الإسرائيليين واختطاف بعضهم والتعاطف العالمي الذي جلبته جرائمهم البشعة واضطراب ساستها في اتخاذ قرار الاجتياح من عدمه جعل إسرائيل وشعبها في وضع مربك، هذا ناهيك عن أن صور المجازر الإسرائيلية والقصص البطولية للمقاومة تلهم الأجيال الجديدة في السعي لتحرير مناطقهم المحتلة.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)