الجزائر

‏ من الشواهد التاريخية



لا تزال الدور التي شيدت في العهود الغابرة، شاهدة على دقة وجمالية التصميم المعماري للمباني التي كانت تشيد قديما، على غرار دار عزيزة و الدار الحمراء، وعلى الرغم من إطلاق البعض على هذه الدور تسميات مختلفة، على غرار ''القصر''، إلا أن الأستاذ والباحث عمر حاشي من جامعة بوزريعة '',''2 ينتقد هذه التسميات ويقول؛ ''إن لكل مبنى معماري تاريخي خصوصية من حيث الوصف والمكونات الداخلية للمبنى، لذا ينبغي عدم الخلط في التسميات، فالقصور تختلف عن الدور.
عندما نتحدث عن الدار الحمراء، يتبادر إلى أذهاننا للوهلة الأولى السؤال التالي: لم سميت الدار الحمراء؟ وهو أول سؤال أجابنا عنه الباحث عمر حاشي، حيث قال؛ ''يعتقد أن تسمية الدار الحمراء يعود إلى الطلاء الأحمر الذي كان يغطي جدران الدار، بينما يعتقد البعض الآخر أن اللون الأحمر يعود إلى العين الحمراء، وهي عين عمومية كانت متواجدة قبالة الدار تحت ''الصباط''، وبالمحاذاة مع مسجد التادلي.
تتكون الدار الحمراء -يقول محدثنا- على غرار مباني مدينة الجزائر القديمة؛ من سقيفة، وهي الصفة المشتركة تقريبا في كل الدور القديمة، أين كانت تحضى السقيفة باهتمام كبير، إلى جانب وسط الدار أو ما يسمى ب''السفلاني''، وهو المكان الذي يجتمع فيه ساكنو الدار، وطابق علوي كان يسمى'' فوقاني'' إلى جانب سطح به منزه، وكانت البيوت والغرف تتوزع على ثلاثة جوانب، أهم ما يميزها هي الأبواب المركزية والنوافذ الجانبية التي لا تزال متماسكة صلبة تؤدي دورها وكأنها حديثة.
الحديث عن الدار الحمراء يدفعنا إلى البحث عن تاريخها، وهو ما لخصه لنا الأستاذ حاشي في قوله؛ ''تقع الدار الحمراء في الحي الذي كان يضم الإقامات الخاصة برياس البحرية الجزائرية بمحاذاة المرسى خلال القرن السابع عشر، وتعود أقدم إشارة إلى وجود المبنى، حسب بعض المعلومات المستقاة من أحد العقود التي تخص المؤرخين، إلى سنة 1072 هجري الموافق
ل 1662 ميلادي، كما جاء ذكر الدار الحمراء بمخطوط حققه عبد الجليل التميمي الذي أفاد أن الدار الحمراء كانت ملكا للداي حسين سنة 1223 هجري الموافق ل1808 ميلادي، إذ يحتمل أن الداي أقام بالدار الحمراء من سنة 1808 إلى شهر مارس من سنة 1818 قبل توليه لمهام الحكم.
تذكر بعض المصادر التاريخية -يضيف محدثنا- أن الداي حسين أبقى الدار محتفظة بتسميتها، غير أنه أعاد تشييدها تحديدا في سنة ,1820 وقبل مغادرته إلى منفاه في إيطاليا، أقام بالدار من 5 إلى 10 جويلية، حيث استقبل بها الجنرال ''دوبورمون''. بينما تم إلحاق الدار بمصالح الهندسة العسكرية الفرنسية، حيث تحولت وقتها إلى إقامة خاصة بالدوق دومال، وتحديدا في سنة .1845
شهدت الدار الحمراء عديد المحاولات لهدمها من أجل إقامة بعض المشاريع، وإعادة تهيئة الحي خلال الحقبة الاستعمارية، وهو ما جعلها تفقد بعض أجزائها، على غرار ما وقع لها سنة ,1863 حيث هدم الصباط الذي كان يمر تحت الجناح الشمالي للدار الحمراء، كما هدم مسجد عين الحمراء الذي كان يقع قبالة الدار، بينما تحولت بعد الاستقلال، حسب الباحث عمر حاشي، إلى مقر للعديد من الإدارات والمؤسسات الحكومية، وهي اليوم، تعد مقرا للمركز الوطني للبحث في علم الآثار بمقتضى المرسوم الوزاري رقم 132 الصادر بتاريخ أفريل .2007
جاء على لسان محدثنا أن الدار الحمراء لم تتمكن من الحفاظ على شكلها الذي بنيت عليه، إذ طالتها العديد من التغيرات والإضافات التي غيرت من وجه الدار التاريخي، حيث بتر الجناح الشمالي من البناية على امتداد ثلاث مستويات، كما استحدثت المدافئ داخل البيوت والغرف، وفتحت بها نوافذ على الواجهة الشمالية، مع استحداث قاعة استقبال على مستوى الطابق العلوي، أين تم ضم الرواق الشرقي إلى الغرفة، بينما تم إزالة النافورة والعيون الجدارية التي كانت تعكس مدى حيوية الدار، من ناحية أخرى، طال نوع من التشويه بعض مرافقها الحيوية، على غرار الحمام، المطبخ والمغاسل، في حين تم تعطيل وظائف البئر. ولتظل الدار الحمراء شامخة تحكي تاريخ دولة عريقة، وشاهدة على أحداث وقعت بها ومن حولها، من المنتظر أن تستفيد من عملية إعادة التأهيل المسجلة على مستوى الوزارة الوصية، حيث تم إنجاز الدراسة، في انتظار الانطلاق القريب للأشغال.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)