الجزائر

منزلقات الفتنة!



منزلقات الفتنة!
كلما تعسرت فرص إنضاج الحلول السياسية، اتجهت السلطات المصرية إلى المزيد من "عسكرة" المجتمع وتصعيد العنف الأمني لفرض المنطق الانقلابي.. فقبل أيام قليلة أشادت وسائل الإعلام المصرية بنجاح قوات الأمن في ما أسمته "تحرير" مدينة كرداسة، (وهي من أكبر قرى محافظة الجيزة المشهورة بأهراماتها)، ووصفت جريدة "المصري اليوم" الموالية للنظام الانقلابي اقتحام مدينة كرداسة بأنه تم بواسطة "40 تشكيلا من قطاع الأمن المركزي ومجموعات قتالية تابعة للجيش والشرطة مدعومة بمجموعة 777 (التي تمثل قوة النخبة العسكرية) والآليات العسكرية والسيارات المدرعة وسيارات فض الشغب، وقوات الأمن وقطاع الأمن العام ومديرية أمن الجيزة و4 مروحيات ومعدات عسكرية أخرى.. كل هذه الترسانة العسكرية التي وظفت في هذه المعركة الضارية أسفرت، حسب مساعد وزير الداخلية، عن "ضبط 68 مطلوبا لجهات التحقيق ومعهم عدد من الأسلحة الآلية والخرطوش". وعقب انتهاء هذه العملية، التي وصفها خبير أمني بأنها: "معجزة في عالم العمليات الأمنية"، عادت المظاهرات المعارضة للانقلاب لتؤكد أن إرادة الشعب لا تنكسر تحت ضغط الحملات الأمنية، تماما كما حدث في قرية دلجا بمحافظة المنيا بصعيد مصر، إذ لو كانت الحلول الأمنية ناجعة في تغيير قناعات الناس، لحدث ذلك سنة 1965، حين بعث الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر حملة أمنية لتأديب أهالي مدينة كرداسة الذين دافعوا عن شرف سيدة من سكان القرية أهانها ضابطان من الشرطة في زي مدني، فتم اقتحام القرية وإلقاء القبض على النساء والرجال وضربهم والتنكيل بهم.. ولكن الموت أدرك الرئيس جمال عبد الناصر كما هو مصير بني آدم، ومرّت قرابة نصف القرن على حادثة الاقتحام وظل سكان كرداسة راسخين في أصالتهم، محافظين على قيمهم. من المؤسف حقا أن يتدهور وضع مصر بعد الانقلاب العسكري في 3 جويلية الماضي إلى هذا الوضع البائس المتسم بانهيار اقتصادي، وانفلات أمني، وانشطار اجتماعي وصل إلى درجة أن أصبحت تكتب الأشعار وتلحن الأغاني التي تمجد انقسام مصر إلى شعبين، على شاكلة أغنية: "إحنا شعب، وانتو شعب". كما بشر أحد "الخبراء الإستراتيجيون" بأن احتفالات 6 أكتوبر لهذه السنة "ستكون احتفالات وطنية للجيش والشعب بمناسبة تحرير الأراضي المصرية من الإرهابيين.. وأن الإخوان الآن يرقصون رقصة الموت". لقد أصبحت تهمة الإرهاب والمساس بالأمن في مصر تطلق حتى على الطيور والبط، حيث أوردت وسائل الإعلام المصرية في نهاية شهر أوت المنصرم قصة البطة التي اعتبرت "عميلا سريا" وألقي عليها القبض بتهمة التجسس، قبل أن يتحقق رجال الأمن من أن الجهاز الذي كانت تحمله حول عنقها هو جهاز لتتبع الطيور المهاجرة وليس جهاز تجسس وتنصت على الأمن المصري. ولم يسلم حتى الرئيس الأمريكي باراك أوباما والسيناتور الجمهوري جون ماكين من تهمة العمالة للإخوان المسلمين وكونهما عضوين في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وأكدت النائبة السابقة لرئيس المجلس الدستوري في مصر بكل اطمئنان بأن أخ الرئيس باراك أوباما المدعو مالك حسين أوباما هو المسؤول عن توظيف استثمارات الإخوان المسلمين في إفريقيا. لقد أصبحت إشادات الإعلام المصري تتهاطل على الجيش المصري البطل الذي استطاع أن ينتصر في معاركه المظفرة على جماعة الإخوان المسلمين. وهذه الانتصارات الخارقة للجيش المصري في معاركه الوطنية ضد "الاحتلال الإخواني"، جعلت مستشار رئيس الجمهورية المؤقت يشبه قائد الانقلاب العسكري الجنرال عبد الفتاح السيسي بالجنرال ايزنهاور قائد قوات الحلفاء الذي انتصر على الجيوش النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية! ووصل الأمر برئيس الحكومة المؤقتة إلى تشبيه ما تقوم به السلطات الأمنية ضد المحتجين المصريين بما قامت به قوات الغزو الأمريكي ضد المقاومين الفيتناميين. ورغم كل ذلك ما فتئت خريطة الغضب الشعبي تتوسع وتتصاعد ضد ممارسات الانقلاب، فتلجأ السلطات المصرية إلى تجريد المزيد من الحملات الأمنية والدفع بالآليات الحربية والمدرعات العسكرية لاقتحام القرى والمدن الرافضة للانقلاب بدل البحث عن الحلول السياسية ومد جسور المصالحة الوطنية لإطفاء لهيب الفتنة، ويتم ذلك وسط صمت غريب من الجمعيات المدنية والمنظمات الحقوقية التي تدعي الدفاع عن حريات المواطن وحقوقه، وفي جو من التعتيم الإعلامي وسيطرة الرقيب العسكري، وفي ذلك كتب أحد الصحفيين المصريين: "عادي جدا أن تفتح هذه الأيام تلفزيون الدولة الرسمي في قناته الأولى فتجد ضيف البرنامج هو سيادة الخبير العسكري فلان الفلاني، فإذا ضغطت على الريموت كونترول لتذهب إلى القناة الثانية فستجد الحوار مع سعادة الخبير الأمني فلان الفلاني، فإذا ذهبت إلى الفضائية المصرية فستجد البرنامج في حوار ساخن مع الخبير الاستراتيجي اللواء أركان حرب فلان الفلاني، والأمر لا يقتصر على التلفزيون الرسمي، فغالب القنوات الفضائية الخاصة المملوكة لرجال أعمال عصر مبارك يهيمن عليها بالكامل تقريبا السادة الجنرالات". في ظل هذا الوضع الاستثنائي المتوتر صدر حكم قضائي من محكمة استعجالية بحل جماعة الإخوان المسلمين، بعد دعوى قضائية رفعها ضدها حزب سياسي معادي للجماعة سبق له أن خسر كل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها ضدها، ولعل هذا الحكم القضائي سيؤدي إلى غلق باب العمل السلمي والعلني أمام جماعة فازت قبل سنة فقط بأغلبية مقاعد البرلمان وبالانتخابات الرئاسية، وهذا الإقصاء السافر لتيار فكري عريق ومتجذر في المجتمع يفاقم مخاطر السقوط في وحل الأزمة وتقسيم المجتمع.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)