الجزائر

.. ملحمة الحبّ والحرب



« كازا» .. ملحمة روائية مضافة لرصيد الكاتبة الروائية أحلام الأحمدي بعد صدور روايتها " قلب جاسوس " ..كازا .. الرمز الوطني وبطل الرواية التي صدرت مؤخرا عن دار خيال للنشر ، ملحمة الحبّ والحرب وبطولات رجال الظلّ التي اتسمت بالمتداخل الغزير من ألوان الفن الروائي والدرامي وكثافة إشاراتها ومزيجها الوجداني بين الكفاح والتضحية والتعلق بالجذور الأرض والأم .. واستشعار الألم والحلم الكبير المتجرد عن الذاتية ..التوق للحرية ..رواية تناغمت بامتزاج الميتافيزيقية الروائية ، وتاريخ السِيَر فأنتجت سيرة موثقة لشخصية ندر نظيرها في التاريخ العربي المعاصر ، سبر أغوار البطل المخفيّ في الظل .. تاريخ بلد جسّد أروع صورة البطولة وأرقاها حضارة حتى تجسدت الحضارة في دم رجالاته الأفذاذ ..
وظّفت الكاتبة أسلوبها الأدبي الرصين المتقن توظيفا دقيقا صياغةً وتركيبا لغوياً من خلال حنكتها الروائية في السرد وتنوع الانتقالات المشهدية والتصويرية لأحداث الرواية .. جاء في تقدمة الرواية : ( السطور التي تخلق صورا لابد انها تملك روحاً .. والأحداث المدججة بالحقيقة التي لن يستطيع تقليد بطلها أحد لابد أنها أسطورة ونبوءة محققة ..
ما التاريخ سوى وطن سماويّ ، سكانه الراحلون أحياء ، ووقائعه الماضية محكومة أن تسكننا مجددا ، فالبشر يسطرون التاريخ ، والتاريخ يؤرخ العظماء… )
الأسطورة أو الميثولوجيا تتضح معالمها من خلال ما جاء في هذه التقدمة وكأنها تنبأنا بشخصية البطل الأسطورية ..(التاريخ يؤرخ العظماء ) ثم الانتقالة السوسيولوجية حين تقول : ( لم تكن تلك الرحلة للمريخ ، ولا القمر ، بل كانت رحلة لأبعاد من بقايا الزمان والمكان ..) وفي حقيقة الأمر يتبين التزام الكاتبة بدور الراوية والحاكي السردي كعنصر أساس مضاف لشخوص الرواية ويظهر مدى تأثر الكاتبة بهذه الشخصية الفريدة من نوعها ..
أما الطابع السايكودرامي والذي تتبين ملامحه في نتاجها الروائي فقد تمثل في دقة التعبير المفرداتي والتركيبي اللغوي السردي بأسلوب أنيق متقن في قولها : ( الجوع عند كازا هو السكون في ارضٍ واحدة ، والجلوس لانتظار الفرص أو القدر… هراء ..!! الفرص نصنعها نحن ، لتصنعنا هي ..) ص20 ..
ثم تردف : ( الزمان ماء منسكب ، لن نمسكه ، ولن نطوله ما دام يتحرك هاربا من بين أساريرنا بل تتحول كل ثوانيه لتجاعيد على هذه الوجوه والقسمات ، فنشيخ ونهرم ، ومهما فعلنا ، ومهما دفعنا ، فانه راحل ولا يعود ..)
جدلية الوجود ، الكفاح ، التشبث بالأرض ، بالجذور .. تحاكي البطل بكل خلجاته التي لم يفصح عنها ، الألم ، والأمل ، العزيمة والإصرار ونشوة التمرد واستنشاق نسائم الحرية وان كان ثمنها المقابل ، الموت .. تتوازى الرواية من حيث أبعادها الشخصية ( البطل ) وأبعادها التاريخية والوطنية برواية الكاتب العالمي الأميركي الإفريقي الأصل اليكس هايلي في روايته العالمية ( الجذور ) ROOTS صراع بين الوجود واللاوجود ..
الرؤى السوسيولوجية والسيكولوجية للشخصية (كازا ) تتضح من خلال التوصيف العميق للكاتبة لإبعاد هذه الشخصية وإبراز معالمها الإنسانية والفكرية والفلسفية كما جاء في وصفها : ( فلسفته ، مواجهة كل شيء ، لانّ كلّ شيء في نظره سيكون قويا إن لم نلمس كياناته المخيفة ..).
في الفصول الأولى تتبين الخطوط العريضة بين السطور في تصويرها الروائي المشهدي متمثلة بالنقاط الرئيسة التالية ..
حجم المعاناة الإنسانية التي تعتلج الإنسان العظيم فكرا ومنهجا والقوة الفوق الطبيعية للتحمل والصبر .
الثبات والإصرار والتحدي .
الرؤية الفلسفية للمتضادات الواقعية ، الحياة والموت ، الحرية والعبودية ، القوة والضعف ، الخوف والشجاعة .....
لتبدأ الكاتبة وبحرفية وحنكة باستخدام عنصر العقدة في الرواية بعد الفصول الأولى وهنا تبرز الحركة الانتقالية للرواية ، للبطل لظهور شخوص مؤثرة ، بكل أبعادها الإنسانية والوجدانية .. حبل متين آخر من حبال التجذر عميقا ،، دليلة ، العقدة والحبكة ، البعد المخفي في الصدر ونقطة الضعف والمحور الآخر الذي يقود إلى بداية النهاية ..
لتصور لنا أروع الصور الوجدانية والإنسانية وذلك الترابط العميق وفي ذات الوقت ، نقطة الصراع الفكري بين الأجيال…
جدلية حيّة لا عيب فيها ، لكنها تخلق بوناً شاسعا بين الأطراف ليبدأ الصراع الدرامي بكل عمقه وأبعاده بأسلوب روائي ماتع وبنكهة تراجيدية مؤثرة ..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)