الجزائر

“معـركة “تيانت”الأربعاء 18 أبريل 1956 ضدّ الجبروت الضابط “لابارب”



“معـركة “تيانت”الأربعاء 18 أبريل 1956 ضدّ الجبروت الضابط “لابارب”
يعـود تاريخ معركة تيانت إلى عام 1956، هذه القرية الصغيرة الواقعة على بعد سبعة كيلومترات جنوبا على مدينة الغزوات ولاية تلمسان والتي تضمّ مجموعة من المنازل المتواضعة و المحفوفة بالبساتين والمزارع الغنية والمتنوعة بالخضروات، وقبل الدخول في عرض وقائع المعركة وأسبابها وتفاصيلها، يجـدر بنا أن نشير إلى أنّ هذه القرية كانت تابعة حسب التقسيم الإداري لجبهة التحرير الوطني إلى المنطقة الثانية الولاية الخامسة، وهي ولاية ذات استراتيجية كبيرة لكونها تقع على الحدود مما يسهل حركة العبور والاتصال بالخارج وتعتبر هذه الولاية أكبر ولاية عسكرية من حيث المساحة، تعرّضت في تلك الآونة لعمليات تفتيشية متتالية قام بها العـدو قصد القضاء على الثورة في إطار العمليات الكبرى المعروفة وذلك بهدف الحد من نشاط وتحركات فصائل وكتائب جيش التحرير، بمحاصرة المنطقة وعـزل الشعب عن الثوّار، ولهذا عمدت السلطات الاستعمارية وعلى رأسها الجيش الفرنسي إلى القيام بحملات إتلاف المزارع والممتلكات والاستيلاء على المواشي وهتك الأعراض وهي خطّـة لمحاربة الثورة أسّس على إثرها الاستعمار فرق إدارية عسكرية متخصّصة يشرف عليها ضباط تلقوا تكوينا خاصا في هذا المجال، ومن بين هؤلاء الضباط المدعو “لا بارب” والذي كان متواجدا بالمنطقة حيث اشتهر بالتهتك والاعتداء على الأعراض والحرمات ومضايقة الأهالي بجبروته وعـتوّه أنه ظالم متعجرف ضنّ أنه الأقوى، ولهذا ضجّ الأهالي ضدّه بالشكوى إلى جيش التحرير الوطني من جراء أعماله الوحشية وتصرفاته اللاإنسانيةوذلك بقرية جامع الصخرة المجاورة لقرية تيانت، فـنصب له أفراد جيش التحرير كمين بين مدينة الغزوات وقرية جامع الصخرة، وأعـدّ الكمين إعدادا جيّدا بحيث كلف كل فوج بالتراصف على جانب من الطريق، وأعطي الأمر بعدم التسرع في إطلاق النارعلى السيارة العسكرية من نوع “تجيب” التي كان يركبها الضابط “لابارب” برفقة سائقه قبل تجاوزها مكان تمركز المجاهدين، ولمّا بلغت السيارة مكان الكمين وأصبحت تحت مرمى مدفع الرشاش، اغتنم المجاهدون الفرصة بإطلاق النيران عليها، وقتل سائق السيارة في الحين على اثر إصابته بوابل من الرصاص وألقي القبض على الضابط لا “بارب” المصاب بجروح طفيفة والذي حلّ به الرعب والهلع عندما أبصر إلى سائقه وهو متساقط على مقود السيارة، فلم يبق أمامه إلاّ الاستسلام لأمر الواقع، وسيق موثوق اليدين خلف ظهره إلى قرية تيانت بسرعة كلمح البصر وذلك في يوم 17 أبريل 1956 على الساعة الرابعة مساء.

وفي اليوم الموالي قامت القوات الفرنسية المحتلّة بحملة تفتيش واسعة النطاق بحثا عن الضابط المختطف، بمساعدة أحد الخونة المتعاونين مع السلطات الفرنسية، هو الذي أرشدهم نحـو الطريق الذي سلكه المجاهدون، وأخذ العدو الفرنسي بعد تعرفه على مكان تواجد الضابط “لابارب” بالتوجّه إلى عين المكان بقرية تيانت حيث شدّد الحصار على القرية وطوقت المنطقة كلها بعساكر جيش الاحتلال، وأخبر في تلك الآونة بعض سكان القريةرجال الحراسةالمجاهدين بنبأ اكتشافهم من طرف العدو الفرنسي، وأخـذ العـدو يضاعف من تركيز قواته على المنطقة مستخدما عدد كبير من العساكر تركّزوا حول مختلف نقاط قرية تيانت وعلى طول محيطها بحيث لم يتركوا أي منفذ يستطيع أن يتسلّل منه المجاهدون الذين كانوا داخل القرية وفي وضعية سيئة وحصار شديد، بينما استفاد العـدو الفرنسي من استراتيجية القرية وذلك بسبب وشاية أحد الخونة، وفي هذه الحالة السيئة والحصار الشديد توجّه المجاهدون نحو أحد المنازل برفقة الضابط المختطف أين نزع هذا الأخير من يده سوارا من ذهب منقوشا عليه اسمه وطرحه على الأرض عسى أن يعثر عليه جنود الاحتلال، وفي هذه اللحظة أخذت قوات الاحتلال تطلق النار من كلّ اتجاه ممّا دفع جنود جيش التحرير أن يستعدّوا لرد الفعل والدفاع ما أمكنهم، وهنا اندلعت المعركة على أشجّها واشتدّ لهيبها وأسرع المجاهدون بالقضاء على الضابط “لا بارب” بالسلاح الأبيض قبل العثور عليه حيّا، لأن قوات الاحتلال كانت متجمعة عند مدخل القرية متقدّمة نحـو المساكن قريبة من هدفها، واستمر تبادل إطلاق النيران بين الطرفين لمدّة ساعتين ساخنتين وبدون انقطاعوبصورة رهيبة وسرعان ما انتشر في أنحاء القرية نتيجة الخطة التي استعملها جنود جيش التحرير، استمر الحال على ذلك، قتال متواصل ومنقطع أحيانا إلى أن استطاع جنود جيش التحرير أن يحدثوا فجوة ويتسلّلوا منها منسحبين من المعركة، وكان انسحابهم من وسط الحصار بصورة متفرّقة على أن يلتقي الجميع في مكان بعيد خارج المنطقة المحصورة، وقد خلّفت المعركة استشهاد 43 شخصا منهم 24 جنديا من جيش التحرير الوطني والباقي كلهم مدنيين عزّل من سكان قرية تيانت لا علاقة لهم بالحرب ومساوئها، كما أصيب قائد كتيبة جيش التحرير الوطني عياطي عبد النبي المدعو ثوريا سي يوسف بجروح خفيفة، وقتل نحو 17 عسكريا من جنود الاحتلال والضابط المتجبّر “لا بارب” المقتول بالسلاح الأبيض، وفي اليوم الموالي جاءت قوات الاحتلال إلى قرية تيانت وأتلفت كلّ ما فيها انتقاما لم حدث، وخربت المنازل وأحرقت لوازمها وقتلت المواشي وساقت معها ما يزيد عن 40 رأسا من البقر والكثير من رؤوس الغنم، وتوالت عمليات التخريب أسبوعا كاملا، ومما يلفت الانتباه أنّهم أعدموا فتاة قاصرة لا يتجاوز سنها 12 عاما، وهكذا عمدت السلطات الاستعمارية في شنّ حملات إرهابية أخرى جنّدت لها قوات من بقيّة المناطق المجاورة وقامت بعمليات تمشيط شملت جميع مناطق الجهة، ومضت أيام عديدة ذاق فيها المدنيون الأبرياء سكان المداشر والقرى المتواجدة في المنطقة ألوانا شتى من أصناف التعذيب والتنكيل والتقتيل، والتي جعلته يشدّد الحصار على المجاهدين ويتركز في المناطق الهامّة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)