الجزائر

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في العهد المريني



بمجيء الحكم المريني، شهدت هذه المناسبة تطورا ملحوظا، لما كانت تلقاه من عناية خاصة، وكبير اهتمام، وأول من احتفل به من بني مرين يعقوب بن عبد الحق (656-685هـ/1258-1286م)، وظلت هذه الظاهرة حتى شملت جميع أقاليم المغرب الأقصى، في عهد السلطان يوسف بن يعقوب (685-706هـ/1286-1308م)، الذي لم يتوان في تعميمها والدعوة إلى تعظيمها. وأصدر بذلك مرسوما سلطانيا في آخر صفر سنة 691هـ/1292م، بجعل المولد من الأعياد الرسمية، عندما كان في قلعة صبرة من إقليم الريف المغربي(140)، بإشارة من الفقيه أبي طالب بن عبد الله بن القاسم الغزفي، وبالتالي أصبح اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، عيدا رسميا عاما بالمغرب الأقصى(141).
وفي عهد السلطان المريني أبي الحسن (731-749هـ/1331-1348م)، صارت الدولة تتحمل نفقات الاحتفال بهذه الليلة، ضمن المراسيم التي تقيمها الدولة، وقد أشار ابن مرزوق الخطيب بجهوده في هذا الجانب(142)، ولم تزل هذه السيرة مستمرة بحيث زاد في محاسنها أبو عنان (749-759هـ/1348-1358م)، وكساها أبو سالم حلة وجمالا، وأضفى عليها أبو فارس أبهة وعظمة(144)، ثم اقتدى بنو حفص، في الديار التونسية، بهذا الاحتفال في عهد أبي يحي بن أبي بكر (718-747هـ/1318-1347م)، حسب صاحب المرتبة العالية(145). غير أن هذا الاحتفال- فيما يبدو- لم ينتظم في تونس، بصفة رسمية، إلا في عهد أبي فارس عبد العزيز (796-837هـ/1394-1433م) في أول المائة الثامنة(146). صارت بذلك من السنن التي اعتاد عليها عامة الناس، يستعدون لها في كل سنة أحسن استعداد.
وقد ظهر هذا الاحتفال في الأندلس، على أيام السلطان، أبي الحجاج يوسف الأول (733-755هـ/1333-1354م)، وقد تلقى بهذه المناسبة قصيدة شعرية، نظمها لسان الدين بن الخطيب(147)، وطور ابنه محمد الخامس، الغني بالله، (755-760هـ/1354-1359م) الاحتفال بيوم المولد، اقتداء بملوك المغرب(148).
يتضح مما سبق، أن بني مرين كانوا يقيمون الاحتفال بالمولد النبوي، حتى في أيام غزواتهم وحروبهم، وأن يوسف بن يعقوب هو أول من احتفل باليوم السابع للمولد، وليس السلطان أبا سعيد الأول (710-131هـ/1310-1331م) وأبا الحسن (731-749هـ/1331-1348م)، كما ذهب إليه بعض الباحثين(155).
وكان السلطان أبو الحسن المريني، الذي لازمه بن مرزوق التلمساني ما بين سنتي (738-749هـ/1338-1348م)، يقيم الاحتفال سفرا، وحضرا ولا يشغله عن إقامته شاغل، لدرجة أنه كان يعاقب كل من يتخلف عن الاحتفال، في أي مكان كان به. وأنه احتل مدينة تلمسان مدة تزيد عن اثنتي عشر سنة، كان يقيم بها حينا، وبمنصورته التي أعاد بناءها من جديد أحيانا خى(156). ولا شك أن مدينة المنصورة، الجديدة التي ضارت مقر حكمه وحاشيته، قد عرفت ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، كما كانت في عهد السلطان يوسف بن يعقوب المريني، وبالتالي يكون أهل تلمسان قد عرفوا هذه الذكرى، إلا أنها لم تكن منتظمة في المجتمع التلمساني لسببين أساسيين في رأينا:
أولهما: لن يتبن سلاطين بني زيان هذه الظاهرة، ولم يجعلوا من ذكرى الاحتفال بالمولد عادة رسمية، ولاسيما الأوائل منهم، بل لم يهتموا بها، مثل اهتمام بني مرين وبني حفص.
ثانيهما: لعل العامل الأهم والأقوى، الذي جعل الاحتفال بالمولد يتأخر بمدينة تلمسان، عن مدينتي ''سبتة'' و ''فاس'' هو ذلك الاختلاف الذي نشب بين فقهاء السنة حول هذه الظاهرة، وحول جوازها، وهل هي بدعة مستحبة أم مستهجنة، فالذين يعملون برأي مالك رضي الله عنه، يعدون هذه الاحتفالات بدعة مذمومة(157). ومن المعلوم أن المذهب الغالب عند سكان مدينة تمسان هو المذهب المالكي، ولهذا لم يتجرأ الناس ولا الحكام على تبني هذه قبل عهد أبي حمو موسى الثاني، الذي عاش في الأندلس وفي مدينتي: ''فاس'' و ''تونس'' وشاهد الاحتفالات الشعبية والرسمية بهما في هذه المناسبة(158).


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)