الجزائر

مصطلحاتنا ومصالحهم..


مصطلحاتنا ومصالحهم..
ذات يوم من مطالع السبعينيات خلال القرن الماضي، كنا في قاعة التحرير بوكالة الأنباء الجزائرية، نتبادل الرأي حول كلمة ”الجهاد”. وكانت هذه الكلمة قد وردت في إحدى البرقيات، ولكننا لم نتفق حول نقلها إلى اللغة الفرنسية لأننا امتنعنا عن استخدام المقابل الفرنسي الشائع أيامذاك، وأعني به ”الحرب المقدسة” لما يتضمنه من جانب سلبي.وعندئذ، سألت أحدهم أن يسترشد بقاموس لاروس، فقال لي بالحرف الواحد: الفرنسيون يقفون حاملين الرشاشات دون دخول مثل هذه الكلمة إلى قاموسهم! ووقف الحديث بنا عند هذا الحد. ومضت مدة طويلة من الزمن، ودخلت مصطلحات جديدة عالم اللغة الفرنسية. وهي في مجملها ذات علاقة بالنصف الجنوبي من الكرة الأرضية، ومن الجانب الحضاري الذي ننتمي إليه. وأعني بتلك المصطلحات: الأفلان، منظمة التحرير الفلسطينية، جبهة تحرير مورو، الإخوان المسلمون، القاعدة، إلى غيرها من الكلمات التي صارت ذائعة الصيت في لغة فولتير. وتقبّلها الفرنسيون على مضض، واكتفوا في غالب الأحيان بنقل معانيها إلى لغتهم ولو بطريقة غير صائبة.ولاشك في أن نظرة الفرنسيين إلى تلك المصطلحات ظلت على حالها، أي، سلبية في معظم الأحيان لأنها تذكّرهم بالجانب الجغرافي والحضاري الذي ننتمي إليه، والذي تلقوا فيه ضرب غرائب الإبل. ونفس الشيء حدث عندما عمد المترجمون إلى نقل معاني القرآن الكريم، إلى اللغة الفرنسية في ترجمات جديدة بدء من منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. لقد حاول البعض منهم المقاربة والتصويب عن حسن نية، لكنهم وقفوا عاجزين دون بلوغ المعنى. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كلمة ”الرحمن” ما زالت تترجم بنفس المعنى، وكذلك كلمة ”الرحيم”، بالرغم من أن هاتين الكلمتين من أسماء الله الحسنى ومن أسماء الأعلام. وأسماء الأعلام، مثلما هو معروف في اللغة لا تترجم، بل ينبغي أن تظل على حالها، وأن تنتقل من اللغة العربية إلى الفرنسية وإلى اللغات الأخرى بنفس النطق. وأنا أعني بذلك أن القوة العجماء هي التي غيّرت مجرى التاريخ، وغيّرت في الوقت نفسه زاوية النظر إلى اللغة العربية. وهي التي دفعت بالغربيين في مجموعهم إلى استخدام مصطلحات القاعدة والإسلاموية وحماس وغيرها في لغاتهم، وإلى تقبّلها بالرغم من أنهم أضفوا عليها جوانب سلبية لا تتحمّلها ظلال المعاني الأولى على حد ما يقول به البلاغيون في اللغة الإنجليزية. فهل القوة هي التي تغيّر مجرى التاريخ؟ أم هو الفكر؟ هل كان في مقدورنا أن نفرض مثل تلك المصطلحات، بالرغم من طابعها السلبي في العديد من الأحيان، لو أننا عمدنا إلى التفكير المنطقي المنهجي في ديارنا هذه؟ وهل ينبغي اعتبار القوة عندنا عملا فكريا منهجيا بحكم أنه يصل بنا إلى نيل هذه النتيجة أو تلك؟ ما زلت أفكر في مثل هذا الموضوع كلما تواردت على ذهني خواطر ذات علاقة بتلك المصطلحات كلها، وما زلت – عن خطأ أو عن صواب – أؤمن بأن القوة هي التي مكنتنا من أن ندخل الساحة السياسية العالمية، ولو من أبوابها الضيقة. فهل تظهر مصطلحات جديدة في أفق اللغات الغربية وافدة عليها من عوالمنا نحن؟ ويظل مثل هذا التساؤل مطروحا طالما أننا ظللنا نتحرك بكامل قوانا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)