الجزائر

مسار يبدأ برواتب زهيدة وينتهي بأمراض مزمنة



تتعاطى الحكومة مع قطاع الإعلام والصحافة بكثير من التردد والخوف بل والارتباك غير المبرر، ويتجلى هذا التشخيص من خلال تعدد المسؤولين المتعاقبين على القطاع منذ عشرين عاما عرفت الكثير من النكسات التي تركت المهنة تعاني الفوضى، وفي تداخل وظيفي داخلي وخارجي انعكس سلبا على أدائه على المستوى التنموي ونشر وترسيخ الثقافة الديمقراطية والقبول بالآخر.وعندما يسأل القائمون على القطاع، فإنهم يشيرون بلا تفكير إلى تعليمات “فخامة رئيس الجمهورية” التي تفيد ب”حماية مكتسبات ربع قرن من التضحيات” في السراء والضراء، ذلك أن الصحفيين كانوا في الصفوف الأولى في جهود محاربة الإرهاب ودفعوا فاتورة مرتفعة استفادت منها أقلية قليلة من العاملين بالقطاع على حساب شريحة واسعة ما تزال ترزح في الغبن الاجتماعي، “محبوسة” في فنادق إلى غاية اليوم. فرواتب أصحاب الأقلام زهيدة جدا مقارنة بالجهود التي يبذلونها والفئات التي يتعاملون معها من جهات حكومية أو خواص من ذوي الأعمال والمهن الحرة، فضلا عن أنهم يقفون مثل الشموع التي تضيء لغيرها في الظلام لكنها تحترق دون أن تجني ثناءهم.. أمام هذه الوضعية يغرق الصحفيون أنفسهم في مستنقع المشاكل الداخلية، فهم يواجهون هذه التحديات متفرقين وعلى جبهتين: الأولى تتصدرها فئة الناشرين الذين يرهنون تحسين أوضاع العاملين لديهم من الصحفيين بتحسن مداخيل الإشهار ومحو فاتورة الطباعة، وبلا تردد يحملون “الدولة” خنقهم وبالتالي هم يقفون على مفترق طريقين: المغادرة بالاستقالة أو البقاء تحت الذل والهوان.
أما الجبهة الثانية، فتتعلق بالمحيط المعادي للصحافة، والقصد بذلك السلطات العمومية التي ترى في الصحفيين العدو رقم واحد والمزعج الذي يتوجب التخلص منه، لما له من قدرة على التسلل إلى مناطق محظورة على غيرهم باستثناء أجهزة الأمن خلال التحقيقات والتحريات. وما يؤكد هذا الانزعاج، محاولات هؤلاء “المتضررين” من الصحافة اللجوء للإغراء المادي تارة أو إلى التهديد بالمساس بسلامة الصحفيين، تحت عناوين قانونية مختلفة، للأسف الشديد، يساء استعمالها لأغراض شخصية ولصون مصالح ضيقة لأشخاص مرتبطين بالسلطات العمومية أو قريبة من المتنفذين في الحكم.
وبين هاتين الجبهتين، يضطر المئات من الزملاء والزميلات إلى رمي المنشفة وتغيير الوجهة نحو مهن أخرى لتأمين لقمة العيش، بعدما لفظتهم “صاحبة الجلالة” بأيد فارغة بل وبعض الأحيان دون تغطية لدى الضمان الاجتماعي بعد رحلة مهنية دامت سنوات!! بسبب الغش والخداع الإداري من جانب أرباب بعض العناوين والقنوات المتعاملة دون عقود عمل قانونية.
ومن باب الإنصاف الاعتراف بأن الصحفيين الجزائريين ورغم حجم التضحيات التي بذلوها والتي سبقهم إليها أسلافهم، إلا أنهم سقطوا في فخ “الجبن” غير المبرر، ويفوتون الفرصة تلو الفرصة من أجل النهوض ونفض الغبار عن أنفسهم، وذلك من خلال الاستفادة من القانون الذي يوفر لهم الغطاء والحماية المطلوبة لافتكاك حقوقهم، ولعل أقصر الطرق إلى ذلك هو الحق في التنظيم النقابي المكفول دستوريا، وألا يرضخوا لتهديدات أرباب الصحف الذين تناسوا بأنهم لولا زملاءهم الصحفيين ما استطاعوا الاستمرار في المهنة التي جعلتهم يتحولون في ظل ظروف غير عادية تنعدم فيها الشفافية إلى أرباب أعمال بدل مناضلين من أجل الكلمة الحرة والدفاع عن حقوق المجتمع في الإعلام ومرافقة سياسات الحكومات المتعاقبة ب”الجرح والتعديل” يما يثريها خدمة للوطن والمواطن.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)