الجزائر

محطات البنزين تمنحهم أجورا زهيدة و مزاج الزبون يعكر يومياتهم عمال يستنشقون البنزين أكثر من الأوكسجين


لا يمكن لصاحب سيارة أن يستغني عن تزويد مركبته ولو مرة في الأسبوع بالبنزين، فالمحطة تعد وجهة ملازمة لكل من يكسب سيارة أو شاحنة أو حافلة.. لكن هل فكر هؤلاء السائقون يوما في ما يعانيه عمال المحطات من مشاكل مع الزبائن ومزاجهم وكذا العواقب الصحية الناجمة عن الاستنشاق المستمر للبنزين؟ وتزداد معاناة هؤلاء مع بروز ندرة في الوقود، حيث يصطف أصحاب السيارات في طوابير طويلة وعريضة، تجبر العمال على الاستمرار في العمل إلى ما بعد توقيتهم المحدد.

 تحديث المحطات قد يحيلهم على البطالة
30 ألف عامل يحلمون بأجور محترمة وتقاعد مريح
 تشير الأرقام المستقاة من الاتحاد الوطني لمالكي محطات الوقود والخدمات، إلى أن أغلبية عمال المحطات يعملون عند الخواص، بحكم أنها تمثل الأغلبية من مجموع المحطات على المستوى الوطني والتي تقارب 2000 محطة موزعة عبر 48 ولاية. وحسب ذات المصدر، فإن 1400 محطة خاصة منخرطة اليوم في الاتحاد تشغل 20 ألف عامل، فيما تشرف مؤسسة نفطال على حوالي 600 محطة بتسيير مباشر وغير مباشر يشتغل بها حوالي 10 آلاف عامل.
وعلى الرغم من وجود هذا العدد المهم عبر المحطات، إلا أن العمال يواجهون الكثير من المشاكل والتحديات، انطلاقا من التجديد الذي طرأ على بعض المحطات وبالأخص التابعة منها إلى مؤسسة نفطال، كون العملية مكلفة، حيث تقلص بسبب هذا التجديد عدد موزعي البنزين وأصبحت مصلحة واحدة كفيلة بالعملية، ليكون للزبون مهمة ملء خزان سيارته بنفسه بعد دفعه مسبقا مبلغ الكمية الكافية لسيارته. وقد يتواصل نزيف التسريح إذا لجأت محطات الوقود الخاصة إلى عملية التجديد بعد حل مشكل هامش الربح الذي يقف في وجه العملية، وحتى خلال الوضعية الحالية التي تراها المحطات الخاصة ''متأزمة''، لجأ العديد منها إلى توقيف عدد مهم من العمال. ووسط هذه المستجدات يواجه العمال مصيرا مجهولا، مع العلم أن معظمهم أرباب أسر، ناهيك عن الأجور التي لم تعد تغطي مصاريف شهر كامل، لأن الأجر لا يزيد على 18 ألف دينار عبر معظم المحطات، والأمر أصبح يقتصر على '' شبه بحبوحة'' بالمحطات المتواجدة بالمدن الكبرى، فيما يعاني العمال بالمحطات المتواجدة بالمناطق المعزولة أو التي فقدت زبائنها بعد بعث مشروع الطريق السيار. وبعيدا عن الأجور الزهيدة، يتعرض عمال المحطات إلى أضرار صحية تكون عواقبها وخيمة، لأن استنشاقهم اليومي لكميات هائلة من رائحة البنزين تلحق بهم، حسب دراسات ميدانية، أضرارا متفاوتة تستهدف الرئتين والدم، بالإضافة إلى أن اللمس اليومي لمضخات التوزيع التي يتسرب منها البنزين يعرضهم لأمراض جلدية خاصة للذين لا يستعملون القفازات. وفي المقابل يجد العامل نفسه مضطرا للتعامل مع مزاج الزبائن، حيث يحدث أن يجد نفسه مغضوبا عليه من البعض، لأنه منع أحدهم من التدخين، لإمكانية إحداثه حريقا بالمكان أو حتى استعمال الهاتف النقال الذي تتسبب موجاته في أضرار بالمحطة أو المركبة نفسها، يضاف لكل هذا معاناة الكثير منهم عبر الحدود، حيث أصبحوا مصدر ابتزاز المهربين في غياب الأمن بالمناطق الحدودية.

بلكيحل محمد 27 سنة في محطات البنزين
''نغطي عجزنا المالي بالإكراميات''
 يُعتبر بلكيحل محمد، 56 سنة، العامل بمحطة بنزين تابعة لأحد الخواص بوهران، واحدا من الذين يمتلكون خبرة كبيرة في مهنة شحن خزانات المركبات بالوقود، حيث قضى 27 سنة يتجول ما بين المحطات، وهو يرى أن فئته الأكثـر تضررا من الناحية الاجتماعية رغم المتاعب والأخطار التي يواجهونها.
وبرأي هذا العامل البسيط، فإن نظراءه العاملين بمحطات البنزين التابعة للقطاع العام، أحسن من الذين يشتغلون عند الخواص من الجانب المادي، حيث إن أجورهم تفوق تلك التي يتقاضونها بكثير، لأن الراتب الشهري للمداومين عند الخواص لا يتعدى 15 ألف دينار وهي القيمة المالية التي سيكون لها تأثير سلبي أكثـر حين يحالون على التقاعد.
  وفي سياق حديثه عن الراتب الشهري الزهيد، لم ينف بلكيحل محمد أنه يغطي عجزه المالي بفضل الإكراميات التي يقبضها من زبائن المحطة التي يشتغل فيها، على غرار زملائه بمحطات أخرى عبر الوطن، لكن ما تجود به الأيادي السخية لن يستمر بعد التقاعد والعجز عن العمل، كما أنه لا يضاف إلى منحة التقاعد.
وعن المتاعب التي واجهها محدثنا في حياته المهنية، أوضح بأن مهنة عامل محطة بنزين مرهقة جدا، لأنه يقضي ساعات واقفا خاصة بالمحطة التي يتردد عليها كثير من المركبات بسبب موقعها الاستراتيجي، وأحيانا ما يضاف إلى التعب سلوكات بعض المواطنين تجاه العمال عند القيام بمهامهم، لدرجة أن هناك من يسبهم ويهددهم بالضرب، ولو أن بلكيحل لم يتعرض لمثل هذه المظاهر بسبب رجاحة عقله وسعة صبره وكذا حسن تصرفه مع من يتعامل معهم من أصحاب السيارات، وهو ما أكسبه علاقات ودية مع كثير من الناس بمختلف شرائحهم.  وأشار المتحدث نفسه إلى قضية تدخل في إطار المتاعب المهنية وهي تعرض البعض للإصابات كالحروق، خاصة بالنسبة لمن يسيرون مضخة ''السيرغاز'' والتي يعالجونها بإمكاناتهم الخاصة، حتى أننا لاحظنا آثار حروق في إحدى يديه.  وما يطالب به بلكيحل هو توفير الحماية الاجتماعية اللائقة لهم من قبل السلطات المعنية، مع وضع قانون خاص بهم يضمن لهم حياة أفضل خاصة بالنسبة للعاملين عند الخواص.

بورتريه

  رشيدة عابد عاملة محطة بنزين بتيبازة
''عقدان من العمل أكسباني احترام الناس''
 بعد مضي 20 عاما من النشاط كعاملة محطة بنزين بوحدة نفطال بتيبازة، لا تزال الآنسة عابد رشيدة متمسكة بالمهنة التي أحبتها ووهبتها وقتها رغم المتاعب والضغط. وترى رشيدة أن المهنة لا تعيب المرأة، بقدر ما تتطلب منها الصبر على المحن.
تقول رشيدة ذات الـ45 عاما إن نشاطها طيلة عشرين سنة في محطة البنزين، أكسبها الكثير من الاحترام لدى الناس، رغم أن نظرة الاستغراب التي كانت تبدو على وجوههم في البداية لرؤية امرأة وهي تقوم بتعبئة البنزين لسيارات الزبائن، لكن هذه النظرة سرعان ما تغيرت وبات المجتمع متفهما وبات الزبائن من نسوة ورجال معجبين بذلك. وتضيف رشيدة ''المرأة تعاني وتكابد وتضحي من أجل أن تحقق ذاتها داخل مجتمع لا يعترف بمجهوداتها إلا نادرا''. وترى أنها لم تخش يوما نظرة العائلة إلى مهنتها، ''فالوالدان متفهان لمهنتي وتقبلوها بكل ارتياح''. ورغم أن المهنة هي مهنة رجال، حسب رشيدة، إلا أن ذلك لم يمنعها من ارتداء لباس عامل محطة البنزين واقتحام عالم محطة البنزين، حيث عملت لسنتين في تعبئة خزانات السيارات بالوقود يدويا، قبل أن يتم تزويد المحطة بآلات الضخ الأوتوماتيكية وتتحول إلى قابضة توجه الزبائن إلى الآلات.
وتقول المتحدثة إن المهنة متعبة وشاقة ولا يضاهي الأجر المتقاضى المجهودات المبذولة، لكن حبها للمهنة جعلها تتقبلها بكل ضغوطها، خاصة عند حالات وجود أزمة في الوقود أو تعطل الآلات، ''فأنا أعمل على إقناع الزبائن بالصبر والتزام الدو وعملت حتى في توزيع قارورات غاز البوتان أثناء الأزمة. فهذه هي المهنة.. شيء من المشاكل وقليل من الضحك وتمر الأيام''. نظرة التحدي التي كسبتها رشيدة مع مرور السنوات، جعلت من توقيت العمل المضني عاديا، فالعمل من الساعة السادسة صباحا إلى الواحدة زوالا لمدة ثلاثة أيام ومن الواحدة زوالا إلى السادسة مساءا لمدة ثلاثة أيام أخرى ثم ثلاثة أيام أخرى للفترة الصباحية وسط ضغط المحطة، جعل من عزيمتها عزيمة رجال.

شاهدمن أهلها

  نائب رئيس الاتحاد الوطني لمالكي محطات الوقود لـ''الخبر''
''الدولة همشت عمال المحطات''
يكشف نائب رئيس الاتحاد الوطني لمالكي محطات الوقود، سمير لعريبي، في هذا الحوار، عن عينة من المشاكل التي يتعرض لها عمال المحطات وكذا المصير الذي يواجهونه بسبب التفرقة بين المحطات الخاصة والتابعة لنفطال.
القطاع الخاص يشرف على أكثـر من 1400 محطة، فما هو الفرق بين وضعية عمالكم ونظرائهم التابعين لمؤسسة نفطال؟
 أكيد أن هناك فرقا شاسعا بين القطاعين، فعمال نفطال وضعيتهم المهنية والمادية مريحة أكثر، بحكم حصولهم على نفس الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها كل عمال المؤسسة، عكس مستخدمي المحطات الخاصة، فوضعيتهم المادية تختلف من محطة إلى أخرى. ورغم أن الحد الأدنى للأجر هو 18 ألف دينار، إلا أن ارتفاعه أصبح مرهونا بمداخيل كل محطة خاصة وفق المشاكل التي لاتزال تتخبط فيها المحطات والتي يمكن أن تدفع بها نحو توقيف النشاط.
وكيف سيكون مصير 20 ألف عامل؟
إحالتهم على البطالة لا محالة وهذا الأمر أصبح خارج إرادتنا، لأن عدم استجابة الوصاية لمطلب المحطات برفع هامش الربح المجمد منذ 2005 معناه إجبار أصحابها على تصفية أعمالهم ومن ثمة توقيف العمال عن ممارسة النشاط.
هل ستتغير وضعية العمال إذا تمت تسوية الوضعية العالقة التي تتحدثون عنها؟
سيتغير كل شيء، على الأقل تتحسن وضعية العامل أكثر ويصبح لصاحب المحطة الميزانية الكافية لتسطير برامج تكوينية لصالح هذه الفئة، لأنه، للأسف، مستواهم التعليمي محدود جدا.
ما هو نوع التكوين الذي يحتاجه هؤلاء؟
 هم يحتاجون إلى تربص في كل جوانب العمل داخل المحطات، انطلاقا من المعاملة الحسنة مع الزبائن ووصولا إلى النصائح التي يمكن أن يقدمها موزع البنزين لقاصدي المحطات، ككيفية الانتباه إلى أي خلل قد يصيب المركبات، وتحذيرهم من العواقب الوخيمة لاستعمال بعض الوسائل داخل المحطات كالسيجارة والهاتف النقال، بالإضافة إلى تقديم نصائح حول الطريق بتنبيههم إلى مطبات بهذا الأخير.
رغم خطورة العمل داخل المحطة إلا أن وسائل العمل محدودة، لماذا في رأيكم؟
 المحطات تزوّد العمال بكل الوسائل بما في ذلك البدلة الرسمية للعمل، واحدة لفصل الشتاء وأخرى للصيف، بالإضافة إلى القفازات لحمايتهم من أضرار تسرب البنزين على أيديهم أو الإمساك اليومي بمضخات البنزين،  ما يعرضهم للإصابة بأمراض جلدية، إلا أن الكثير منهم يرفض ارتداءها ونحن لا نجبرهم على ذلك، وهذا يعيدنا من جديد إلى ضرورة بعث التكوين الذي يتعثر بالوضعية المالية لكل محطة، وهنا ينبغي للدولة أن تفكر جديا في تحسين هذا القطاع الذي همشته خلال السنوات الماضية وعليها أن تتدارك اليوم أخطاءها بتحسين وضعية المحطات.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)