الجزائر

''متاريس''



قانون يضمن كوطة للنساء في قوائم انتخابية، هل هو إبداع أم هي بدعة؟
المربية والقاضية التي تنطق بأحكام باسم الشعب، والموثقة التي توقّع بختمها على عقود متنوعة المواضيع، والطبيبة التي تسلّم شهادات مرضية أو عجز، والوزيرة العضو في الحكومة، كلهن قاصرات في نظر القانون، بحيث لا يمكنهن استخراج، باسمهن، تصريح شرفي من مكتب بلدية من أجل تسجيل أبنائهن لممارسة الرياضة..
مبدئيا، تخصيص قانون من أجل ضمان نسبة محددة من النساء في قوائم انتخابية من قبل الأحزاب، هو اجتهاد يتعارض ومبادئ حرية الاختيار، وحرية الترشح، وحرية المبادرة، ويشجع على التمييز بين الجنسين. فهل تخصيص كمية عددية هو اعتراف كاف بدور المرأة، أم هو تقنين، لحصر دورها في مواد لم تأت لترقية هذا الدور؟
ليس من العدل، ولا من المنطق الحديث عن قانون  تمييزي، في مجتمع يعيش التمييز بين سلطة، لها حق الحياة في الحكم، ومعارضة عليها واجب الصمت في الشارع. ويفترض أن تهب نسمات العدل من دون تمييز بين هؤلاء أو أولئك. وما حملته الرسائل السماوية من معانٍ، وما أبدعه الانسان من تنظيم، يشير إلى أن عتبة الحريات لا تستثني جنسا أو عرقا، ولا تميّز بين الرجل والمرأة. ومتى دخلت الاستثناءات، تحولت المعاني و التنظيمات إلى مفاتيحَ زنزانات ذهنية.
هي إذن، خطوة أخرى من مسيرة الاجتهاد   في صنع متاريس على طريق التماسك الإجتماعي. والقوانين العادية أو تلك العضوية التي ستعرف مراجعة، هي دليل على وجود الخلل في الذهن ، وليس في النص الذي لم يُطبَّق ولم يحترم.
نعيش، حاليا، بمقاييس الستينيات، من حيث مستوى ودرجة حرية التعبير السياسي . آنذاك جهة واحدة هي من  تقرّر شكل القانون ووجهته الإيديولوجية. وهي الوحيدة من لها حق التفكير السياسي، والقرار السياسي، نيابة عن المؤسسات ونيابة عن الشعب. وحاليا، جهة واحدة هي من تقرّر شكل القانون ووجهته السياسية. وهي من تتكفل بأمور التفكير في المستقبل . لكن ما معنى المستقبل ؟ وهل له حدود زمنية؟، هل نتحدث عن مستقبل جيل، أي أقل من 30 عاما، أم عن مستقبل دولة؟ وهنا يفترض تحديد الأهداف، والمدة حتى نخرج من دوامة الحديث عن المستقبل الذي يهرب منا منذ الستينيات، بحجج دستورية، الهدف من ورائها، كان وما يزال البقاء في الحكم ، من دون ديمقراطية  تنافسية، ومن غير حرية اختيار..
لو توجّه رئيس الجمهورية بخطاب للأمة، لحمل خطابه رسالة جمع شمل اليسار واليمين، سلطة ومعارضة. لكن خطابه كان موجّها إلى أطراف السلطة. أما حظّنا منه كأمّة، أننا تتبّعنا رئيس الجمهورية وهو يقرأ نص الرسالة. وماذا يضيف تكليفه وزارة الداخلية بمهمة تحضير قوانين للانتخاب، وللأحزاب، وللمرأة، وللسيد عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة، مهمة إدارة مشاورات سياسية؟
ما حملته الرسالة، أنه طمأن أطراف السلطة على عدم المساس بالأسس التي يقوم عليها النظام السياسي الجزائري. وأول قاعدة، أن المبادرة لا تأتي من خارجه، بل تأتي من صلبه، هو من غير البقية. بما يعني عدم  الأخذ في الحسبان مواقف أحزاب متحالفة ، أو تلك الموجودة في البرلمان والمجالس المحلية. اللهم إلاّ إذا تقاطعت مواقفهم مع ما يريده الحكم. وبما أن التغيير ليس في مدونة الحكم، من المفيد التساؤل عن أهداف المساس بنصوص قانون لم يلق حظه ليطبّق فعلا؟
 لن أتفاجأ أن تصل جولة بن صالح، بين أحزاب البرلمان وشخصيات وطنية، إلى نقطة البداية التي تستبعد تلك التيارات عن المركز . ولا تخصص لها غير مجالات النشاط والتعبير على هوامش مهام إدارة الحكم وسن القوانين. وهذا ليس بتنبؤ.. هو ما حمله خطاب الرئيس. وستكون المرأة ديكورا بقانون، وسط زحمة المشاورات.
وقناعتي بعدم فعالية المشاورات وما سيصاحبها، كقناعتي بأننا محترفون في تضييع فرص إعادة  ترتيب الأولويات الوطنية. والاستمرار في إنتاج نصوص ستلغى قبل أن تطبّق (قانون الصفقات العمومية الأخير، قانون المحروقات..)
ومع ذلك يجب الاعتراف بشيء لـ العلبة السوداء التي تفكر وتخطط. فهي تُحدث في كل مرة ارتباكا كبيرا، لدرجة الفوضى التي توفر أسباب استمرار النظام، رغم الوهن الذي يصيب الدولة.
مسبقا هنيئا للسيد بن صالح على نجاح مهمته. وهنيئا لوزير الداخلية على إتمام مهمته.
المفاجأة المستحيلة، هي أن يتمّ تحضير نص يلزم الأحزاب والجمعيات على تخصيص المراتب الأولى في قوائم الترشيح للنساء. وإن حدث ما هو مستحيل، ربما سأغيّر رأيي حول مصداقية الحكم في ترشيد تسييره للأمانة المسجونة . hakimbelbati@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)