الجزائر

ما حكم إخفاء إسلام المرأة درءاً للفتنة الطائفية؟


** هل يجوز للمرأة التي أسلمت أن تُخفي إسلامَها خوفاً من حدوث فتنة طائفية في البلد الذي تعيش فيه؟ وما الواجب على هذه المرأة؟ ومتى تعلن إسلامها؟ وما دليل جواز إخفاء دينها إن كان يجوز لها ذلك؟ بارك الله فيكم.* يجيب الدكتور مسعود صبري الباحث في المركز العالمي للوسطية:
يجوز للمرأة التي أسلمت أن تخفي إسلامها إلى حين درءا للضرر والفتنة، لكن بشرط أن تخبر من تثق به من المسلمين بإسلامها، حتى إذا توفيت قبل معرفة إسلامها دُفنت في مقابر المسلمين، ولو كتبت ذلك بخط يدها لكان أولى، رفعا للنزاع والخلاف بين المسلمين وأهلها من المسيحيين بعد الوفاة إن لم تستطع إظهار إسلامها قبل الوفاة.
كما يشترط أيضا أن يكون هناك تخوف حقيقي، أو يغلب على الظن حدوث مشكلات، فإن كانت المرأة ترى أن إعلان إسلامها في حالتها لن يترتب عليه مشكلات وجب عليها إشهار إسلامها.
ودليل القول بالجواز المؤقت ما يلي:
قوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فالقول بجواز النطق بالكفر مع حال الإكراه دل على أن الإيمان محله القلب، وقد اجتمع مع القلب النطق باللسان والعمل بالجوارح قدر الاستطاعة، وإنما قيل بإظهار الإسلام لمن عنده قدرة حتى يستطيع ممارسة شعائر الإسلام في المجتمع المسلم، وحتى يأخذ أحكام المسلمين بعد الوفاة من الدفن والميراث وغير ذلك من الأحكام.
أن الله تعالى لا يكلف إلا بما هو مقدور، فإن كانت لا تقدر إعلان إسلامها؛ جاز لها إخفاؤُه حتى تتهيأ لها الظروف المناسبة لإعلان إسلامها على الملأ، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ). وقد قرر الفقهاء في قواعدهم: أنه لا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة.
كما أن القول بجواز إخفاء الإسلام مؤقتاً مبني على قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، فإذا كان إسلام بعض الفتيات يغري نصارى مصر لإحداث الفتنة، فتحمل أقل الضررين وهو إخفاء الإسلام مقدم على الضرر الأكبر، وهو إدخال البلاد في دوامة (الفتنة الطائفية)، مما يعكر صفو البلاد ويدخلها في فتن داخلية مما يعود ضرره على مصر في هذه المرحلة الحساسة، والتي نحن في أمس الحاجة فيها إلى الاستقرار، بما نراه من بوادر حكم رشيد، فيتحمل الضرر الأخف مقابل الضرر الأكبر.
ومن باب الموازنة أيضا أن الحفاظ على النفس مُقدَّم على إشهار الإسلام، وذلك لأن إخفاء الإسلام لا يضرُّ المرأة المسلمة الجديدة؛ لأنها مطالبة بممارسة شعائرها قدر استطاعتها، فتكون جمعت بين ممارسة الشعائر خِفية – ولو إلى حين- وبين درء مفسدة الفتنة الطائفية.
لكن هذا الإخفاء لا تنوي به الدوام، بل لابد من إظهار إسلامها في المجتمع حين تحين الفرصة لذلك.
كما أنه يتوجب على الدولة إيجاد حلول قانونية لهذه المشكلة، بناءً على ما نص عليه الدستور من كفالة الحرية الدينية لكل فرد في المجتمع المصري.
ومما هو جديرٌ بالذكر أن ذهاب المرأة المسلمة إلى لجنة إشهار الإسلام بالأزهر الشريف غير لازم، فيجوز للمرأة أن ترفع دعوى قضائية يحكم لها فيها بصحة الإسلام، وهناك بعض الحالات التي حكم بها القضاء المصري بذلك.
ومما يتوجب شرعاً إعادة هيبة الدولة، وأن يكون كل من فيها ملتزما بالقانون والدستور، وألا يستقوي أي طرف مهما كان بأي نوع من الاستقواء، سواء أكانوا من المسلمين أم من المسيحيين، ففرض هيبة الدولة واجب شرعي مما يجيز للدولة أن تتخذ الوسائل التي تعين على تحقق هذا في إطار العدل في الأحكام مع عدم الاعتداء على الحريات الخاصة.
ومما نستند إليه في الفتوى ما أفتى به الشيخ محمد بن أبي جمعة الوهراني المشتهر ب(شقرون) المتوفى سنة (920ه) لأهل الأندلس بإخفاء الإسلام والتظاهر بالنصرانية حين تقلب عليهم النصارى، كما هو مذكور في كتاب ( تاريخ الجزائر الثقافي).
وقد سُئل الدكتور أحمد الحجي الكردي خبير الموسوعة الفقهية بالكويت عن امرأة أسلمت وخافت إشهار إسلامها، فأجاب: "فإذا استطاعت الزواج من شاب مسلم متدين قادر على حمايتها من شر وضرر أهلها بها بموافقة قاض شرعي فهو أوفق الحلول، ولا عبرة بمخالفة أهلها في هذه الحال شرعا وقانونا.. ولا بأس مبدئيا بأن تخفي إسلامها إلى أن يتم تخلصها منهم.
أقول: فإذا استقرت أوضاعُ المرأة المسلمة الجديدة بعد ذلك، فيجب عليها إظهار إسلامها ساعتها، خاصة إن حصلت على حكم قضائي، أو اتخذت الإجراءات المتعارف عليها في إسلامها، مما يعني أن الأولى – في مثل هذه الحالة- ألا تظهر إسلامَها حتى تتم جميع الإجراءات العرفية أو القانونية، ولا يعني هذا توقف إسلامها، بل تم إسلامها بمجرد النطق بالشهادتين.
والله أعلم.
* يجوز للمرأة التي أسلمت أن تخفي إسلامها إلى حين درءا للضرر والفتنة، لكن بشرط أن تخبر من تثق به من المسلمين بإسلامها، حتى إذا توفيت قبل معرفة إسلامها دُفنت في مقابر المسلمين، ولو كتبت ذلك بخط يدها لكان أولى، رفعا للنزاع والخلاف بين المسلمين وأهلها من المسيحيين بعد الوفاة إن لم تستطع إظهار إسلامها قبل الوفاة.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)