الجزائر

مؤسسات دينية تُسيَّر بتبرّعات المحسنين الزوايا بولاية تيزي وزو



مؤسسات دينية تُسيَّر بتبرّعات المحسنين                                    الزوايا بولاية تيزي وزو
سجلت الزوايا القرآنية بولاية تيزي وزو صفحة تاريخية، بمساهمتها في الحركة الوطنية واعتبارها أماكن لإعداد طلائع من مجاهدي الثورة التحريرية. وبعد الاستقلال عادت هذه المؤسسات الدينية لتحفيظ القرآن الكريم، ولا يزال أغلبها يسير بالنمط التقليدي.
كانت الزوايا بولاية تيزي وزو إحدى النقاط التي انشغل بها الاستعمار الفرنسي نتيجة الدور الوطني الذي كانت هذه المؤسسات تلعبه قبل وخلال الثورة التحريرية. فعلاوة على كونها تلقّن تعاليم الدّين الإسلامي للمحافظة على الهوية الوطنية، فإنّ أئمتها آنذاك كانوا حلقة مهمّة في الثورة بإعداد الطلبة لخدمة القضية الوطنية، حيث التحق العديد من طلبة الزوايا بصفوف المجاهدين. وأمام هذا الدور الكبير للزّوايا، لم يتردّد الاستعمار الفرنسي في تدمير أغلبيتها وغلق عدد آخر منها وتحويل عدد آخر إلى ثكنات للجيش الفرنسي، مثلما أذاق لمشايخها أقسى أنواع التّعذيب ووصل الأمر إلى إعدام بعضهم.
وبعد الاستقلال، عاد معظم هذه المؤسسات الدينية إلى النشاط، حيث صبّت اهتمامها على تحفيظ القرآن. وتُعدّ الزوايا المكان الوحيد الذي يهتم بتعليم القرآن الكريم ويجعلها مهمّته الأساسية، إذ أنّها تعتبر الممر الإجباري للأئمة قبل التكوين.
وتحتفظ الزوايا بولاية تيزي وزو والبالغ عددها 18، بنمط تسييرها التقليدي. فعلاوة على اشتراك الطلبة في تسيير الشؤون اليومية لهذه المؤسسات، تبقى هذه الأخيرة تنشط وتحيا بتبرّعات المحسنين واستغلال ممتلكاتها العقارية. فنظام تسيير الزّوايا بالمنطقة، يقتضي أن يتولّى الطلبة مهام إعداد الوجبات الغذائية والمتمثلة، في أغلب أيّام الأسبوع، في الكسكسي، مثلما يتولّون مهمّة تنظيف المؤسسة وغسل ملابسهم وذلك بصفة دورية. ولا يزال التّعليم في الزوايا أو على الأقل في أغلبها، يتم عن طريق الكتابة على الألواح الخشبية وجلوس الطلبة على حصائر في شكل حلقات يتوسّطها معلّم القرآن. ويقضي النّمط المعمول به، أن يغسل الطالب لوحته لمسح السورة بعد حفظها.
ولعلّ ما يبقى يميّز هذه المؤسسات الدينية إلى اليوم، هو اعتمادها على تبرّعات المحسنين سواء من الأموال أو من المواد الغذائية وغيرها من التبرعات. وكانت تقاليد المنطقة، إلى وقت قريب، تقضي بأن تتبرّع كلّ قرية بكمية من المواد الغذائية مرّة في السنة، وهي المواد التي يكون المواطنون قد تحصّلوا عليها من محاصيلهم الزراعية كالقمح والتين وزيت الزيتون. ولكون الكميات التي تدخل الزوايا من هذه المواد معتبرة تتجاوز الحاجيات الحقيقية للطلبة، فإن مسؤولي الزوايا يقومون ببيع كميات منها تفاديًا لفسادها من جهة، وكذا للحصول على مبالغ مالية لاستعمالها في أشغال التّرميم أو اقتناء مواد أخرى.
وزيادة على تبرّعات المحسنين. تعمد الزوايا إلى استغلال أملاكها العقارية التي تحصّلت عليها عن طريق التبرّع أيضًا، حيث كان قدماء المنطقة يتبرّعون بقطع أرضية تدخل ضمن الأملاك الوقفية بعد ذلك وتظلّ تابعة للزاوية التي تقوم باستغلالها في المجال الزراعي.
وفي هذا الصدد يروي كبار السن أنّ هذه العقارات كانت تستغل قديمًا من طرف الزوايا، حيث يقوم الطلبة بأنفسهم بحملات إعداد الأرض والزرع والحصد وجمع الغلّة، قبل أن يتغيّر النّمط إلى قيام فلاحين خواص بكراء الأملاك العقارية للزوايا مقابل مبالغ مالية أو كميات من المحاصيل الزراعية يتم الاتفاق عليها مسبقًا.
ويبقى الدور الاجتماعي للزوايا قائمًا إلى اليوم، حيث تعتبر أماكن لحل قضايا ونزاعات مستعصية بين المواطنين والعائلات، بعضها استعصى حتّى على المحاكم ليجد حلاّ له في الزاوية التي تبقى قداستها وسط مواطني المنطقة غير قابلة للنقاش.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)