تعود السيدة منيرة الحسني الجزائري، في الحلقة الثانية من حوارها مع "الشروق"، إلى تفاصيل نقل جثمان الأمير عبد القادر الجزائري إلى الجزائر، سنة 1966، واستقبالهم بحفاوة من قبل الرئيس هواري بومدين، ودخولها مع عائلتها ووالدها بشكل نهائي بعدما قضت طفولتها وصباها في المنفى بسوريا.وتكشف المتحدثة عن تصرّف السلطات تجاه العائلة والأمير سعيد، بمجرد استلام السيف والجفت الخاصين بالأمير، حيث انقطعت العلاقة بشكل نهائي وغابت كل الزيارات التي اعتادوا عليها من قبل مسؤولين ساميين في الدولة. كيف تعامل الأمير سعيد مع موقف الرئيس بن بلّة منه؟- لم يرقهُ الأمر، لكنه مع ذلك غادر دون أن يثير ضجة. ألم ييأس والدك من زيارة الجزائر بعد تلك الحادثة؟- لقد كانت لوالدي رغبة جامحة في العودة إلى الجزائر. وبعد سنتين، أي في سنة 1964، كان أحمد بن بلّة لا يزال رئيسا، جاءنا هواري بومدين وزير الدفاع آنذاك في زيارة إلى البيت، وقال لأبي: "سنلتقي قريبا في الجزائر.."، ولم تمر سنة واحدة حتى قام بومدين بانقلاب على بن بلّة واستولى على الحكم، ثم رتب كل الإجراءات لنقل رفات الأمير عبد القادر إلى الجزائر. هل التقيتَ بومدين؟لا لم التقِه، لأن زيارة بومدين إلى سوريا رتبت في إطار خاص بالجيش، بحكم أن أكاديمية سوريا كانت لها علاقة مع الجزائر، وقد قام بومدين بتلك الزيارة التي تخص تنظيم الجيش الوطني الشعبي من منطلق منصبه وزيرا للدفاع. معناه أن زيارته لم تكن خاصة للعائلة؟بل كانت زيارة رسمية في إطار تدرّب الضباط هناك، وقد التقى بالأمير سعيد، على هامش الزيارة، وقال له تلك العبارة "سنلتقي قريبا في الجزائر"، والتي تترجم عدم رضاه عن موقف الرئيس بن بلّة وما قام به تجاه أحفاد الأمير عبد القادر.وقبل مغادرة هواري بومدين سوريا ذهب أخي للقائه في المطار، ونقل له هدايا من أبي وشكره على موقفه. وحصل الانقلاب وأوفى بومدين بتعهداته؟لقد أرسل لنا وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة، والذي عرض على أبي وعلى الأحفاد بعد جمعهم جميعاً نقل رفات الأمير عبد القادر إلى الجزائر، غير أن الأمير كاظم والأمير حسن رفضَا الفكرة، ووافق عليها أبي فقط، وقال له: "أنا موافق"، وقام بالإجراءات مع بوتفليقة وما يتعلق بعملية حفر القبر واستخراج الرفات، وقد وقع احتفال كبير حينها، في حكم "نور الدين أتاسي" رئيس الجمهورية السورية. هل التقى بوتفليقة مع الأمير سعيد في البيت؟ نعم، اللقاء تم مع كامل الأحفاد وطلب منا جميعا حضور احتفالات عيد الاستقلال التي كانت ستُقام تزامناً مع رجوع رفات الأمير عبد القادر، سنة 1966، وقال بوتفليقة: "أنا مبعوث من قبل الرئيس بومدين لتمرير هذه الرسالة". من كان في أول زيارة ضمن الوفد؟ وماذا حصل بالضبط؟- جاء أربعة مسؤولين جزائريين لإقناع والدي وعلى رأسهم هواري بومدين وزير الدفاع، وطلبوا من الأمير سعيد نقل الرفات، فقال: "أمنحوني مهلة".وكان مع بومدين مولود قاسم نايت بلقاسم، وزير الشؤون الدينية والتعليم الأصلي، وأحمد خميستي الذي اغتيل بشارع ديدوش مراد وهو وزير الخارجية، سنة 1964، وأحد الزعماء الخمسة الذي قتل بمدريد محمد خيضر، التقوا في بيت الأمير سعيد بعدنان المالكي، سنة 1964.وزار الوفد الرباعي مع أخي محمد الفاتح قبر الأمير عبد القادر ووقف عنده بومدين، وقال: "نم في مرقدك الأخير يا أمير عبد القادر هانئ البال قرير العين، لقد تحققت أمنيتك التي حاربت من أجلها 17 عاما، عن طريق أحفادك أبطال جيش التحرير". ويضيف أخي محمد الفاتح عن لحظات الوقوف عند القبر أن بومدين بعد مقولته تلك قرأ الفاتحة وبكى، ثم ربض على كتفه وقال له: "أنتم أهل مُعسكر أحفاد الأمير"، فرد عليه الفاتح: "أنتم الرجال الذين حررتم البلاد". هل كان مضمون اللقاء من أجل ترتيبات نقل الرفات فقط؟ لا، بل كان هناك اجتماع رسمي كما قلت لك سابقا، وليس ضمن البرنامج الرسمي للزيارة أصلا، والدليل أن أخي قد طلب منه شخص اسمه المقدم صبيح القلعي مرافق لبومدين، إعطاءه الهدايا التي اشتراها خصيصا لبومدين، وقال له أخي: "أسلمها بيدي"، فأخذ بومدين الهدايا منه، وقال لأخي: "سلّم على الوالد ونراكم قريبا في الجزائر". كيف أقنع الأمير سعيد الأحفاد وشيوخ سوريا بنبش القبر من الناحية الشرعية؟ الأمير سعيد ذهب إلى الشيوخ وطلب منهم الحكم الشرعي في كلمة قالها الأمير: "سأعود إلى الجزائر حاملا أو محمولا"، يقصد حاملا السيف أو محمولا في النعش، وهي العبارة التي سمحت من منطلق ديني للشيوخ بقبول الفكرة وتدارسوا بينهم استخراج فتوى خاصة لنقل الرفات. ألم يجد الأمير سعيد صعوبة في إقناع بقية الأحفاد؟ هو عميد العائلة وبعدما تمكّن من إقناع الشيوخ، لم يعد للأحفاد سبب لمعارضة ذلك المطلب، رغم أنهم لم يكونوا مقتنعين بالفكرة. هل تعتقدين أن بن بلة لم يكن على علم بلقاء بومدين مع الأمير سعيد؟ لا أظن أن بن بلّة كان على علم بذلك، لأنه سبق وأن طلب من والدي مغادرة الجزائر سنة 1962 . ومن جاء لترتيب الزيارة؟جاء عبد العزيز بوتفليقة استعدادا لنقل الرفات مع الوفد المرافق له. متى تمت زيارته؟ أياما فقط، استعجالا للاحتفالات المسطرة، حيث كانت الترتيبات سريعة، واعتقد أنها قضية أيام لا تزيد عن أسابيع قليلة لحضور مراسيم احتفال الخامس من جويلية 1966. ماذا عن تفاصيل تنقل الوفد مع الرفات؟لقد فتح القبر خمسة أشخاص، ومنهم: محمد الفاتح، وميلود قاسم نايت بلقاسم وزير الشؤون الدينية والتعليم الأصلي، ووزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة، وحفار القبور الذي أغمي عليه لأنه وجد لحية الأمير عبد القادر لا تزال كما هي عليه في الأصل، أي وجهه على حاله، وأقسموا أنهم اشتموا رائحة مسك وعنبر ووجهه ما يزال عليه اللحم، ولكن القفص الصدري تهاوت عظامه للأسفل حينما لامس الهواء الرفات، ونقلت الطائرة الأولى العسكرية الرفات، يوم 4 جويلية 1966.وفي سوريا يوم مغادرة مطار دمشق، خرج الجيش السوري كله ووجهاء البلد والسياسيون ورئيس الجمهورية نور الدين أتاسي لاحقا، وتنقل الأمير سعيد مع الوفد الرسمي، يوم 5 جويلية، وودّعه أهل الشام كلهم، وهم منزعجون من نقل جثمان الأمير.وتنقلنا مع والدي مباشرة صوب الاحتفالات الرسمية بالجزائر العاصمة، وكانت تقلنا طائرة مدنية خاصة تابعة للرئاسة من حجم كبير وبها: منيرة _المتحدثة- وأختي زينب وأبي ووالدتي _ مجدّة- وعبد العزيز بوتفليقة، مولود قاسم نايت بلقاسم وعلي الزهار الذي كان مستشاراً بالرئاسة والطيبي العربي وبوعلام بن حمودة الذي كان يرمقنا بنظرات غريبة طول السفر لست أدري السبب في ذلك.نزلنا في المطار، واستقبلنا كل الشعب الجزائري، عند باب الطائرة، من ولاية معسكر وكامل ولايات الوطن والحكومة وعلى رأسهم رئيس الجمهورية هواري بومدين، واستغربنا لشكله الجميل ببشرة بيضاء وشعر أحمر، لأن صوره التي كانت تأتينا تظهره نحيف الشكل سنوات الثورة، وهو أسمر البشرة خلال تواجده في وجدة حينما كان رئيسا للأركان. وسلمنا على باقي أعضاء الحكومة، وقالوا: "مرحبا بكم في بلدكم"، دخلنا القاعة الشرفية وشربنا قهوة وبعض الشاي، وحضرنا مباشرة الاحتفالات التي كانت عظيمة، والشعب كله فرحان.وبعد الاحتفالات، تم دفن الرفات في العالية في مراسيم رسمية. أين كانت وجهتكم بعد الاحتفالات ومراسيم دفن الرفات؟أخذونا إلى فندق "لاليتي" السفير حاليا، بقينا لمدة 21 يوما، قاموا بالواجب كما ينبغي، في تلك الأثناء، وبعدها نقلونا إلى البيت في منطقة محمد الخامس فيلا "بركة" ب 8 شارع المسبّلين ولا يزال بيت العائلة حاليا. من كان يزوركم؟ أحدهم اسمه جمال والآخر ميهوبي من الرئاسة، ولمّا أخذوا السيف توقفوا عن الزيارات، وحتى بوتفليقة كان يزورنا ليس في الفندق لكن في البيت، ولما سلمنا السيف والجفت انتهت زياراته. من غيرهم من زاركم في البيت؟ منهم العقيد بن شريف قائد الدرك الوطني وتعرفنا إليه لاحقا، وكذا أحمد طالب الإبراهيمي، ومدير قصر الشعب كان يزورنا دائما اسمه لا أتذكره كثيرا، ورئيس بلدية الجزائر هو الآخر زارنا لا أتذكر اسمه.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/04/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشروق اليومي
المصدر : www.horizons-dz.com