الجزائر

لا يمكن لصحفي يسكن “براكة” أن يعطي كل ما لديه في الإعلام



الصحفي تحول من خاضع لسلطة الرقيب الخارجي إلى خاضع لسلطة الرقيب النفسي-الصحفيون هم الفئة الوحيدة التي أقصيت من ثورة الأجور في الجزائر
حاورته: سامية حميش
ودعت السّاحة الإعلامية أمس الصحفي اللامع محمد شرّاق، رئيس القسم السياسي بجريدة “الخبر”، بعد مرض عضال لازمه بضعة أشهر، حيث أصيب بقصور في القلب ونقل للعلاج في فرنسا قبل أن يعود خلال الأيام الماضية إلى مستشفى عين نعجة، حيث وافته المنية صبيحة يوم أمس.
وأبت “الحوار” إثر هذه الفاجعة الأليمة، إلا أن تنقل لكم آخر حوار أجرته مع فقيد الإعلام محمد شراق، والذي قال فيه بأن الصحافة قد تراجعت في الجزائر بصفة ملحوظة جدا، لأسباب تتعلق بتعامل الحكومات المتعاقبة معها وطبيعة النظام السائد من جهة ثانية والعلل الموجودة لدى رجال الإعلام أنفسهم، مضيفا بأن الصحفيين هم الفئة الوحيدة في الجزائر التي أقصيت من “ثورة” الأجور بداية من عام 2008، والتي مست كل القطاعات بدون استثناء.
-تنقلت بين عدة مؤسسات إعلامية في مهنة المتاعب.. كيف تقيم تجربتك اليوم؟
أولا تجارب الصحفيين بالجزائر من جيلي لا تختلف كثيرا، لأنهم يعيشون تقريبا ظروفا متشابهة، مهنيا واجتماعيا، وإن تباينت بحسب تباين الشخصية الإعلامية، لكل واحد، أما عن تجربتي فقد كنت محظوظا أنني سايرت فترة إعلامية لم يكن فيها للشبكة المعلوماتية وجود، هذا يعني أن كل صحفي من نهاية التسعينات إلى بداية الألفية الثانية، كان يراهن على مجهوده الخاص، وكانت الصحف تختلف في مضامينها بشكل عام لعدم وجود رابط مباشر بين الصحفيين، وهذا الرابط حاليا هو الإنترنت، التي صارت تستعمل بشكل سلبي جدا، في مجال الإعلام، وقد تنقلت بين خمس صحف يومية، قبل استقراري بجريدة “الخبر” بداية من شهر أوت 2004، حيث كانت لي فرصة الالتحاق بطاقم الجريدة، التي من خلالها أصبحت أومن بشخصيتي الإعلامية أكثر بحكم موقع الجريدة من حيث المقروئية والانتشار، وبالتالي ممارسة الرقابة الذاتية أكثر، ليس من حيث التقييد النفسي علاقة بمساحة الحرية، ولكن من حيث الحرص على تقديم الأفضل.
-تحصلت في 2009 على جائزة “التقدير والعرفان” الأوروبية.. ماذا يعني لك مثل هذا التكريم، وماذا غير في ممارستك الصحفية؟
شخصيا لم أكن بحاجة إلى تكريمات حتى أتشجع للعمل أكثر، رغم أن تلك الجائزة كانت قيمة جدا من حيث صيتها دوليا، وتعطى كل سنة لشخصية إعلامية معينة، ولم أكن حينما منحت لي عام 2009 مقتنعا بها، وقلت ربما مجرد تكريم، وذلك بسبب وجود شخصيات إعلامية جديرة جدا وأفضل عطاء مني ولم تمنح لها، إلا أني لما تابعت لمن تمنح بعد السنوات التي تلت تكريمي آمنت بها، خاصة بعدما منحت لصحفيين اثنين من قناة “الجزيرة” وواحد من قناة “العربية”، كما منحت لسفراء دول عربية بعد تقييم أدائهم من حيث التكفل بالجاليات العربية في أوروبا.
-بعد 25 سنة من ميلاد التعددية الإعلامية.. هل أصبحت الصحافة الجزائرية ضمن مضمار الاحتراف، أم أن هناك تراجع في الأداء وتخلف في المهنية؟
الصحافة الجزائرية حاليا، خاضعة لتصنيف فرضه المناخ السياسي السائد وغير المتغير منذ سنوات، وهذا المناخ موسوم بالتغير في الظاهر، وتميل احترافية الصحافة تبعا لهذا التغير، لكن في العموم، أرى أن الصحافة في الجزائر تراجعت بصفة ملحوظة جدا، لأسباب تتعلق بتعامل الحكومات المتعاقبة معها وطبيعة النظام السائد من جهة ثانية، والعلل الموجودة لدى رجال الإعلام أنفسهم من جهة ثالثة، وعجز الإعلاميين بالجزائر على تنظيم أنفسهم وخضوعهم لجماعات مصالح ارتبطوا بها بدرجة جعلت الاحترافية لديهم، في آخر ترتيب اهتماماتهم. ونقيض ذلك، حلّت المصلحة الشخصية محل المهنية، مع التأكيد أن هذا الواقع لا ينطبق على قلة قليلة مازالت تحرص على الاحترافية والمهنية، لكن في العموم يبدو أن المشهد الإعلامي سلم بوجود منطق ريعي، وقد سايره من خلال توجهات إعلاميين من جهة وأناس دخلاء على المهنة، وظفوا المال في القطاع لتحقيق الربح عبر بوابة الإشهار.
-هناك من يتحدث عن عدم وجود إرادة سياسية لتنظيم قطاع الإعلام وتركه في الفوضى.. هل توافق هذا الرأي ؟
لو كانت هناك إرادة سياسية لتنظيم القطاع، لما تحدثنا اليوم عن الرداءة الإعلامية، فقطاع الإعلام يعد القطاع الوحيد في الجزائر الذي لم يخضع لإصلاحات، حتى وإن كانت الإصلاحات بالقطاعات الأخرى عرجاء، لكن مهما يكن، كانت هناك إرادة للإصلاح، وأعتقد أن تنظيم قطاع الإعلام، في ظل الواقع السياسي والاقتصادي الذي مرت به البلاد وما زالت تمر به، لا يشجع على تنظيم القطاع، لأن تنظيمه سيفضي إلى ترتيب عملية فرز إعلامي، يهدد أطرافا وجهات عدة تغتنم من الفوضى السائدة في القطاع، ولأن تنظيم القطاع يقتضي الذهاب إلى الاحترافية الاحترافية لا يقوى عليها إلا من وضع أسس أولى لها، من عدد محصور من الصحف، تتداول الرأي والرأي الآخر، وهو ما ترفضه هذه الجهات جملة وتفصيلا، لذلك فإن هناك خلطا مقصودا بين الاحترافية والمعارضة، لأن في الصحافة لا يوجد شيء اسمه معارضة أو موالاة، لعدم وجود صحافة حزبية (سوى حالة واحدة فقط)، بل يوجد صحف محترفة وصحف غير محترفة.
-يواجه الصحفيون في الجزائر التضييق والضغوط.. ماذا تقول في ذلك بحكم تجربتك؟
هناك تضييق وضغوط على الصحفيين، لكن هذا أمر عادي له علاقة بالنظام السياسي السائد منذ سنوات، إذ يراد للجميع مجاراة ما تراه الحكومة “وثبة” أو إقلاعا تنمويا، تكفر من يجحده، وتجعل من لا يؤمن به يصطف إلى طابور المغضوب عليهم، لكن اللافت والأخطر في مسألة التضييق هو تحول الصحفي من خاضع إلى سلطة الرقيب الخارجي إلى خاضع لسلطة الرقيب النفسي، فصار يمارس الرقابة الذاتية أكثر من ممارسة غير الرقابة على كتاباته، وتتداخل هنا الأمور المهنية مع الأمور الشخصية أو ما يحيط بالصحفي من جماعات المصالح، وخارج هذا المعطى الذي يكاد يكون عاما، فإن التضييق بمعنى قمع حرية التعبير، فحالات ذلك معروفة بالنسبة لصحفيين تعرضوا للتضييق وأحيلوا على القضاء، على غرار مراسل الشرق الأوسط حميد غمراسة وصحفي الجمهورية بوهران محمد شرقي، علاوة على قضية عبد السميع عبد الحي بتبسة.
-بعد ميلاد القنوات الخاصة.. ألا ترى أن الضعف في التكوين السمعي البصري يطبع أغلب القنوات الجزائرية؟
تجربة القنوات الجزائرية ما زالت فتية، وهي قابلة للتطور، وإن كانت بداياتها الأولى لم تحظ بوصف قنوات سمعية بصرية، بل كانت عبارة عن “فضائيات ورقية”، تستعير نفس نمط العمل المعمول به في الجرائد، لأنها اعتمدت على صحفيين من الصحف المكتوبة، كما أن أغلب القنوات أصحابها ملاك صحف، عملوا على ترقية الجريدة إلى قناة دون مراعاة أبجديات السمعي البصري، لكن هناك تطورا ملحوظا لبعض القنوات من خلال تطبيقات معايير السمعي البصري وإن كانت في بدايتها فقط.
-البعض يرى أن ظهور القنوات الخاصة زاد من تجاوزات أخلاقيات المهنة؟
هناك تجاوزات عديدة في القنوات، لم تعهد بالنسبة للصحف، أمام ظاهرة منح المنابر للحدث لكل من هب ودب وفي كل المجالات، في ظل غياب ضابط أخلاقي، يعمل على التوجيه وليس العقاب، وذلك مراعاة للتجربة الجديدة لهذا القطاع في الجزائر.
-هل تؤثر الظروف الاجتماعية للصحفيين على أدائهم المهني، ولماذا صعب على الصحفيين تنظيم أنفسهم للدفاع عن المهنة؟
طبعا تؤثر، إذ لا يمكن لصحفي يسكن “براكة” أن ننتظر منه عطاء أفضل ودائم، والصحفيون هم الفئة الوحيدة في الجزائر التي أقصيت من “ثورة” الأجور بداية من عام 2008، والتي مست كل القطاعات دون استثناء، أعتقد أنه صعب على الصحفيين تنظيم أنفسهم لأسباب عدة، أهمها تباين الإيديولوجيا أولا، تناطح طموحاتهم الإعلامية وتحولهم إلى أداة تناطح بين الجهات المتصارعة، وهناك أيضا أسباب شخصية ونفسية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)