الجزائر

لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي مقاطع من آخر قصائد محمود درويش



لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي               مقاطع من آخر قصائد محمود درويش
يقولُ لها، وهما ينظران إلى وردةٍ تجرحُ الحائطَ: اقتربَ الموتُ منِّي قليلاً فقلتُ له: كان ليلي طويلاً فلا تحجب الشمسَ عنّي!وأهديتُهُ وردةً مثل تلك...فأدَّى تحِّيَته العسكرية للغيبِ،ثم استدارَ وقالَ:إذا ما أردتك يوماً وجدُتكفاذهبْ!ذهبتُ...انا قادمٌ من هناكسمعتُ هسيسَ القيامةَِ، لكننيلم أكن جاهزاً لطقوس التناسخ بعد،فقد يُنشد الذئب أغنيتي شامخاًوانا واقفٌ، قرب نفسي، على أربعٍهل يصدقني أحد إن صرختُ هناك:أنا لا أناوأنا لا هُو؟لم تلدني الذئابُ ولا الخيل...إني خُلقتُ على صورةِ اللهثمّ مُسختُ إلى كائنٍ لُغويّوسمّيت آلهتيواحداًواحداً،هل يصدِّقني أحد إن صرختُ هناك:أنا ابن أبي، وابن أمي... ونفسيوقالت: أفي مثل هذا النهار الفتّي الوسيمتفكِّر في تبِِعات القيامةِ؟قال: إذن، حدِّثيني عن الزمنالذهبي القديمفهل كنتُ طفلاً كما تدّعي أمهاتيالكثيرات؟ هل كان وجهي دليلالملائكةِ الطيّبين إلى الله،لا أتذكّر... لا أتذكّر أني فرحتُبغير النجاة من الموت!من قال: حيث تكون الطفولةُتغتسل الأبدية في النهر... زرقاء؟فلتأخذيني إلى النهر/قالت: سيأتي إلى ليلك النهرحين أضُمُّكيأتي إلى ليلك النهر/أين أنا الآن؟ لو لم أرَ الشمسَشمسينِ بين يديكِ، لصدّقتُأنكِ إحدى صفات الخيال المروَّضلولا هبوبُ الفراشات من فجر غمّازتيكلصدّقتُ أنّي أناديكِ باسمكليس المكان البعيد هو اللامكانوانتِ تقولين:"لا تسكن اسمك""لا تهجر اسمك"!ها نحن نروي ونروي بسرديّةلا غنائيةٍ سيرةَ الحالمين، ونسخرُ ممايحلّ بنا حين نقرأ ابراجَنا،بينما يتطفّلُ عابر دربٍ ويسأل:اين انا؟ فنطيل التأمّل في شجر الجوْزمن حولنا، ونقول له:ههنا. ههنا. ونعود الى فكرة الأبدية!* * *لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهيلا أريد لهذا النهار الخريفي أن ينتهيدون ان نتأكَّد من صحة الأبدية.في وسعنا أن نحبَّ،وفي وسعنا أن نتخيّل انّا نحبُّلكي نُرجئَ الانتحار، اذا كان لا بدَّ منه،الى موعد آخر...لن نموتَ هنا الآن، في مثلهذا النهار الزفافيّ، فامتلئيبيقين الظهيرة، وامتلئي واملئينيبنور البصيرة/ينبئني هذا النهارُ الخريفيُّأنّا سنمشي على طرق لم يطأهاغريبان قبلي وقبلَك الا ليحترقافي البخور الالهي.ينبئني أننا سوف نسمعُ طيراً تغنيعلى قدر حاجتنا للغناء... خفيفاًخفيَّ التباريح، لا رعوياً ولا وطنياًفلا نتذكّر شيئاً فقدناه/إن الزمان هو الفخقالت: إلى أين تأخذني؟قال: لو كنتِ اصغرَ من رحلتيهذه، لاكتفيتُُ بتحوير آخر فصلمن المشهد الهوميري... وقلتُ:سريرُك سرّي وسرُّك، ماضيك يأتي غداًعلى نجمة لا تصيب الندى بأذى،أنام وتستيقظين فلا انت مُلتفَّةٌبذراعي، ولا أنا زُنّار خصرك،لن تعرفينيلأن الزمان يُشيخ الصدىوما زلتُ أمشي... وأمشيوما زلتِ تنتظرين بريدَ المدىأنا هو، لا تُغلقي بابَ بيتكولا ترجعيني الى البحر، يا امرأتي، زبداأنا هُوَ، منْ كان عبداًلمسقط رأسك... او سيّداأنا هو بين يديك كما خلَقتْنييداكِ، ولم اتزوَّج سواكِولم أُشفَ منك، ومن نُدبتي ابداًوقد راودتني آلهاتُ كل البحار سدىأنا هو، من تفرطين له الوقتفي كُرة الصوف،ضلَّ الطريقَ إلى البيت... ثم اهتدىسريرُك، ذاك المخبّأُ في جذع زيتونةهو سرِّي وسرُّك...قالت له: قد تزوَّجَني يا غريبُغريبٌ سواكفلا جذع زيتونة ههناأو سرير،لأن الزمان هو الفخ/ينبئُني ضوءُ هذا النهار الخريفيّأني رأيتكِ من قبل، تمشين حافيةَالقدمين على لغتي، قلت: سيري ببطءٍ على العشب، سيري ببطءٍلكي يتنفَّسَ منك ويخضرّ. والوقتمنشغلٌ عنك...سيري ببطءٍ لأُمسكحلمي بكلتا يديّ. رأيتك من قبلُ حنطيّةً كأغاني الحصاد وقد دلّكتهاالسنابل، سمراءَ من سهر الليالي،بيضاءَ من فرط ما ضحك الماءُ حيناقتربتِ من النبع. سيري ببطءٍ،فأنّى مشيتِ ترعرعت الذكرياتُ حقولاًمن الهندباء، رأيتك من قبلُ في الزمن الرعويّعلى قدر ليل الغريبتنامُ الغريبةُ/فاحتجبي، واظهري، والعبي، واكسريقدري بيديك الحريريتين، ولا تخبرينيإلى أين تمضين بي في دهاليز سرِّك،لا تخبريني الى أين تمضين بعديإلى أين أذهبُ بعدَك. لا بعدبعدك. ولنعتنِ الآن بالوردة الليلكيةولتُكمل الأبديةُ أشغالَنا دوننا،إن أطلنا الوقوف على النهر أولم نُطل. سوف نحيا بقية هذاالنهار. سنحيا ونحيا. وفي الليلِ،إن هبط الليل، حين تنامين فيّ كروحي، سأصحو بطيئاً على وَقْعحلم قديم، سأصحو واكتب مرثيتي.هادئاَ هادئاً. وأرى كيف عشتُطويلاً على الجسر قرب القيامة، وحديوحراً. فإن أعجبتْني مرثيتي دونوزن وقافية نمت فيها ومتُّوإلا تقمصت شخصيةَ الغجريّالمهاجرجيتارتي فرسيفي الطريق الذي لا يؤديإلى أيّ أندلسِسوف أرضى بحظّ الطيورِ وحريةِالريح. قلبي الجريح هو الكون.والكون قلبي الفسيح. تعالي معيلنزورَ الحياةَ، ونذهبَ حيث أقمنا خياماً من السّرو والخيزران علىساحل الأبدية. إن الحياة هي اسمكبير لنصر صغير على موتنا. والحياةهي اسمك يطفو هلالاً من اللازوردعلى العدم الأبيض، استيقظي وانهضي،لن نموتَ هنا الآن، فالموت حادثةٌ وقعت في بداية هذي القصيدة، حيث التقيتُ بموت صغير وأهديته وردة،فانحنى باحترام وقال: اذا ما أردتك يوماً وجدتك/فلنتدرب على حُبِّ أشياءٍ ليستلنا، ولنا... لو نظرنا اليها معاً من علٍكسقوط الثلوج على جبلٍسيغنّي لك الغجري، كما لم يغنِّ:أقولُ لهالن أُبدِّلَ أوتارَ جيتارتيلن أبدّلهالن أحمّلها فوق طاقتهالن أحمّلهالن أقولَ لها غير ما تشتهي ان أقول لهاحملتني لأحملهالن أبدِّل أوتارَهالن أبدّلَهالا أريد لهذي القصيدة أن تنتهيلا أريد لهذا النهار الخريفي أن ينتهي


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)