الجزائر

''كلام'' غير منطقي



 كان بالإمكان نشر قوائم الهيئة الانتخابية على شبكة الأنترنت، اقتصادا للوقت والجهد، من أجل توفير مناخ أفضل للتشريعات المقبلة. لكن، عوض التركيز على الآفاق، تحوّلت حواسنا في اتجاه أسعار ما نأكل ، وهواجسنا نحو تهديدات شركات الشحن الدولية بعدم نقل أي بضاعة إلى الجزائر، بداية من الأسبوع المقبل. بالإضافة إلى صراع يجمع اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات مع وزارة الداخلية حول تطهير القوائم الانتخابية، وشكل ورقة التصويت، وكيفية حساب نجاح المرشحات، وهو صراع يترك من الآن آثاره السلبية على طبيعة الموعد المقبلين عليه.
حقيقة هناك مجموعة من التهديدات، مصدرها آت من الحدود، تشكل تهديدا لاستقرار البلد. والجزائر تستحق اسمها (جمع جزيرة)، كونها محاطة بمشاكل السلاح من جهة ليبيا، وبعلاقات محتقنة مع الشقيقة مملكة المغرب، وتداعيات أحداث شمال المالي. والسؤال المرتبط بالتشريعات المقبلة، وبالأحداث بشكل عام في منطقة الجنوب الجزائري، هو تحديد طبيعة العلاقة بين قرار التوارف بمقاطعة الانتخابات المقبلة مع الهزة التي تتعرّض لها هذه المنطقة منذ سنوات؟
وبقي الشمال، حيث البحر المتوسط، وشواطئ ممتدة على 1300 كلم، لم نستطع استغلالها في السياحة، التي كان يمكن لها استقطاب الشباب في وظائف، تساعد في امتصاص الحرافة . لكن سياسة البريكولاج جعلت من البحر ممرا لركوب مغامرات قاتلة..
فمن الشمال، إذن، مازالت تهديدات التاريخ تعكر صفو النقاهة المعنوية لجزائر ما بعد حرب التحرير، حيث لم يتخلص أصحاب قناعة الجزائر الفرنسية ، وبعض السياسيين الفرنسيين،من عقدة شكل خروج فرنسا من الجزائر.
لا أعتقد بوجود جزائريين كانوا سيرفضون خروج فرنسا بشكل متحضر وسلمي. وبكل تأكيد، حينها كانوا سيودّعونهم بالورود، وربما بالقبلات أيضا. لكن الطمع، وحسابات نمو القوة، تغلب على الرأي السلمي لتتجنب الدولة الاستعمارية فرصة إنجاز أمر عظيم ، لو أنها استجابت لمطلب الاستقلال، يوم خرج الجزائريون مطالبين به، في 8ماي.1945 لكن قرارها بقمع المظاهرات، حدّد طبيعة الطريق الواجب على الجزائريين سلكه، إن أرادوا تحرير الجزائر، بعدما شاركوا في تحرير فرنسا من النازية.
ويشكل هذا الثقل التاريخي عائقا نفسيا، وأيضا أخلاقيا، لأنه مستغل دعائيا، هناك في باريس، بمناسبة الحملة الرئاسية، وخمسينية استقلال الجزائر. وهنا، في الجزائر، حيث رد الفعل ما يزال قويا بحبر بيان التنديد، يصدر حسب الحاجة، مخلفا إحباطا يليه آخر، لتناقض المواقف مع الواقع.
فهذه التهديدات ـ التحديات المحيطة، المادية والنفسية، تعرقل التطور، لأنها تعيق تكامل تجانس المجتمع الجزائري. وفي نفس الوقت، فإن الانغماس فيها، وكأنها هي مركز المستقبل، يؤدي بنا إلى تكرار نفس الأخطاء، أي تأجيل البت في معالجة أسباب مرض البلد إلى حين حل هذه المشاكل، وهو ما يعني الاستمرار في ملاحقة سراب الحلول ، وترك المشاكل الداخلية تتعفن أكثـر فأكثـر.
في مراحل سابقة، كان البناء الاشتراكي، ومحاربة الإمبريالية العالمية، شعار الحكم لتبرير طبيعة الحكم المطلق. وفي مرحلة الإرهاب، ثم مع التحوّلات الإقليمية وما صاحبها من تنامي الاحتجاجات الاجتماعية على خلفية تدني مستوى المعيشة، استخدم المبرّر لتغطية حقيقة عدم وجود بدائل سياسية.
صحيح أن الحكومة لم تعد تتحكم في التجارة ولا في تنقل السلع، ليس لأنها تفتحت على محيطها، بل هو نتيجة ما خلفه قوة ضغط الاحتكار الذي أنعش المضاربة ، وجعل لها من القوة ما يمكنها من فرض بعض القواعد على الحكم. فلا عجب من نمو قوة المضاربين، وتحكمهم ببعض مداخل العملية السياسية، ومنها الانتخابات. والسؤال لا يكون حول أبعاد التلاعب بأسعار مواد غذائية، كالحمص والبطاطا، لأن الخطوة تبدو كأنها وسيلة للضغط. بل السؤال هو حول مقدرة الدولة في استيعاب هذه القوة المالية ـ التجارية؟
ظلت الدولة الوطنية، ومنذ الاستقلال، تدافع عن وطنية النصوص، في حين ساهمت سياساتها في خدمة مصالح الاحتكار الجديد . ويمكن تفسير عدم القدرة على الخروج من دائرة التناقضات الاقتصادية، بغياب الرؤية السياسية التي تعدّ قبلة التنمية، لما تحدّده من أهداف ومن تعبئة للقدرات، ولما توفره من توجيه يحفظ التجانس والتنظيم. وفوضى الرؤية يجعلنا مؤهلين للاستمرار على نهج ملاحقة المشاكل، متجنبين الحلول.
والأمر القريب إلى تفسير عدم نشر قوائم الهيئة الانتخابية، هو الرغبة في التحكم بـ الحقيقة الإحصائية ، وحجبها عن المنافسين وعن المجتمع، فهي من الأدوات المستعملة في التغيير. وقياسا بين الأخطار، تبدو للأسف قضية عدد الناخبين تافهة ، ليتواصل نمط حياتنا بالانغماس في مواجهة مشاكل اليوم، من دون القدرة على استباق ما سيحمله الغد.
لا لوم على مواطن إن قدم مهمة إطعام عائلته على أمور أخرى، اللوم على المخطط والمسيّر الذي يتصرّف كمواطن غرق في يومياته.   hakimbelbati@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)