الجزائر

كبار وصغار وضعوا صحتهم بين أيدي “العيادات الإلكترونية” الأنترنت يلبس “المئزر الأبيض” ليعالج الجزائريين


كبار وصغار وضعوا صحتهم بين أيدي “العيادات الإلكترونية”               الأنترنت يلبس “المئزر الأبيض” ليعالج الجزائريين
بقاط:”الأطباء لا يثقون في مصدر ومستوى معلومات الأنترنت” ارتدت الأنترنت ثوب الطبيب وراحت تستعرض آخر إبداعاتها وقدراتها في معالجة المرضى، متحولة بذلك إلى أكبر منافس للطبيب، بعدما جندت مواقعها الإلكترونية وموسوعاتها الطبية، في سبيل تحقيق النصر على المرض، وبتكلفة لا تتعدى الانخراط في منظومتها الإلكترونية التي اختارها 35 ألف جزائري. دخلت الأنترنت في منافسة شرسة مع خريجي كلية الطب ممن سخروا حياتهم من أجل تخفيف آلام المرضى، بعدما طورت الكثير من برامجها وكيفتها وفق آخر المعطيات العلمية الحديثة، ووظفت أحدث الأبحاث والمعلومات المتعلقة بمختلف الأمراض، وحتى الأدوية والمسكنات عبر مواقع وموسوعات إلكترونية متخصصة تسعى لتزويد الأشخاص من مختلف الشرائح العمرية بكل ما يساعدهم للحفاظ على صحتهم. حققت هذه التكنولوجيا الحديثة نجاحا كبيرا في الآونة الأخيرة بعدما عقد أكثر من 30 ألف جزائري قرانه مع العالم الإلكتروني وأبحر في مختلف مواقعه الإلكترونية، لتتحول رغبتهم في الاكتشاف إلى حاجة ملحة مكنتهم من الاستغناء عن الكثير من الأشياء، فالمواقع المتخصصة خدمت الكل وجعلتهم يدخلون العالم الإلكتروني من أوسع أبوابه ويتعرفون على “العلاج الإلكتروني” الذي تهافت عليه الكبار والصغار رافعين شعار “الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى”. ومن أجل تسليط الضوء على هذه الظاهرة ارتأت “الفجر” القيام باستطلاع مع الأطباء والمرضى لمعرفة حيثياتها ومدى تغلغلها في مجتمعنا. تشخيص مجاني للمرض في حضرة “العيادات الإلكترونية” استغنى الكثير من متصفحي الأنترنيت عن زيارة الطبيب، بعدما تعرفوا على المواقع الإلكترونية المتخصصة في الطب، والتي أصبحت تقدم خدمات مجانية تتمثل في نشر تعريف علمية للأمراض المختلفة، مع شرح مفصل للأعراض وحتى التحاليل الطبية الواجب القيام بها من أجل التأكد من الإصابة بأي مرض. كما ظهرت هذه الصفحات في شكل مئات بل آلاف الموسوعات الطبية، التي يتولى تجديدها أشخاص يرجح مستعملوها أنهم متخصصون في الطب، على حد تعبير الكثير من المواطنين الذين استهوتهم هذه العملية بعد أن وجدوا فيها الكثير من جوانب الصواب، وهو ما توصلنا إليه من خلال حديثنا إلى بعضهم، فالسيدة (راضية .م) 28 سنة، مدرسة في الثانوية، اعترفت أنها نادرا ما تلجأ إلى المستشفى، فبمجرد ظهور أي عرض عليها تذهب مباشرة إلى أحد المواقع الطبية المتخصصة، والذي تستمد منه معلوماتها الصحية منذ ثلاث سنوات، وهو ما جعلها تضع فيه كل ثقتها وتستأمنه على صحتها. نفس الشيء بالنسبة لرياض، 22 سنة، طالب جامعي، والذي اعتاد على أخذ كل معلوماته الصحية ونظامه الغذائي من صفحات الأنترنت، حتى أنه لا يستعين بموقع معين وإنما يكتفي بإدخال استفساره في محرك البحث للحصول على نتائج يعتبرها موثوقة ولا تخطئ. وغير بعيد عن الموضوع، يقول  (جمال.ب) صاحب مقهى أنترنت بالعاصمة:”أتفاجأ يوميا ببعض الأشخاص الطاعنين في السن وهم يطلبون مني البحث عن تفسيرات لبعض الأعراض الصحية لديهم، وكأنهم في عيادة الطبيب، خاصة أنهم يعتبرون ثمن ذلك لا يقارن بتكلفة زيارة الطبيب”.. أطباء يتواصلون إلكترونيا مع المرضى اخترقت الأنترنت كل الحدود الجغرافية بعدما مكنت العديد من الأشخاص من التواصل مع أطبائهم إلكترونيا، يحدث ذلك في العديد من الحالات التي يضطر فيها المرضى إلى الاستعانة بطبيب أجنبي أو من خارج الولاية، وهو ما يجعل التنقل إليه في كل مرة أمرا صعبا للغاية، ليكون الإبحار عبر شبكة الأنتريت الحل الوحيد من أجل استكمال مراحل العلاج، وهو ما روته أنغام، التي اضطرت والدتها لإجراء عملية جراحية على القلب في فرنسا، ولأن إمكانياتها المادية لم تسمح لها بالسفر مرة أخرى، فهي تتواصل عبر النت مع طبيب أمها وتستمد منه كل الخطوات المتبعة خلال فترة النقاهة، كما أنها تقوم بإجراء كل التحاليل اللازمة هنا وترسل إليه النتائج عبر “المايل”. نفس الشيء يتعامل في الكثير من العيادة، على غرار مركز الهاشمي الذي تم افتتاحه مؤخرا في الجزائر، والذي يتواصل الموظفون فيه إلكترونيا مع الهاشمي من خلال شرح الحالة المتواجدة أمامهم.. ليتولى هو مهمة إعطاء العلاج المناسب حسب الأعراض والتحاليل الموجودة. إعلانات الأدوية تستفز المرضى وتداعب رغبتهم في الشفاء اقتحمت الإعلانات أجهزة الحاسوب بعدما أصبحت وصلاتها تبث في كل لحظة عبر مختلف المواقع الإلكترونية بصفة مكثفة، جعلت مرتادي الأنترنت جمهورا مستهدفا من الدرجة الأولى. كل ذلك يجعل منهم عرضة لمختلف أنواع المنتجات، وعندما يتعلق الأمر بالأدوية فإن هذه الإعلانات تضيء حياة الكثير من المرضى الذين استعصى عليهم الشفاء من بعض الأمراض، وفي هذا السياق يذكر البعض تجاربهم مع هذا النوع من الإشهار، نذكر منهم سهيلة، 25 سنة، ماكثة بالبيت، والتي وجدت عبر الأنترنت دواء لمرض جلدي أصابها منذ ثلاث سنوات استعانت خلالها بكل الوسائل والطرق للشفاء بدون جدوى.. لتتمكن إلكترونيا من اقتناء الدواء الشافي الذي حررها من هذا المرض. كما أن الكثير من مسكنات الآلام ومضادات الأنفلونزا والتي ذاع صيتها من خلال الإعلانات، تعطي بذلك الوصفة السحرية للكثير ممن أصبحوا يتجهون إلى الصيدليات دون إذن الطبيب وإنما بتحريض من الأنترنت.. المواقع الصحية حررت مرضى الأمراض المزمنة من زيارة الطبيب دوريا يستعين الكثير من مرضى الأمراض المزمنة بجهاز الحاسوب من أجل المواظبة على أنظمة صحية وغذائية تقيهم مضاعفات المرض وحتى الكثير من أعراضه، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بعد أن تخلوا عن المتابعة الدورية عند الطبيب، وهو ما حدث مع السيدة فلة، 54 سنة، والتي تعايش مرض السكري منذ نعومة أظفارها، والتي قالت في الموضوع: “لجأت ابنتي الصغرى إلى الأنترنت من أجل تزويدي بمختلف النصائح والإرشادات اللازمة في الأكل خاصة خلال شهر رمضان، بعدما سئمت الزيارات المتكررة للطبيب على الرغم من أن الدواء نفسه”، موضحة أن حالتها مستقرة ولم تعان من أي انتكاسات. وبذلك تمكنت هذه المواقع من تقديم “خدمة كبيرة” على حد تعبير الكثير ممن جعلتهم يعتبرون الأنترنت من أهم التطورات التي حصلت في حياة البشرية. “العيادات الإلكترونية” غدرت بعض الأشخاص وخذلتهم غير أن هناك بعض الأشخاص الذين راحوا ضحية الثقة العمياء التي وضعوها في جهاز الكمبيوتر، والتي جعلتهم يتبعون نصائح ويتعاطون أدوية دمرت صحتهم بدلا من أن تشفيهم. ولعل أكبر دليل على ذلك حالة نفيسة، 28 سنة، والتي اكتفت بالمعلومات الالكترونية بعدما تعرضت في العديد من المرات إلى نوبات الإغماء والدوار، والتي أشارت عليها ببعض الفيتامينات والمقويات، في حين أن كل تلك الفترة أنقصت من أمل نفيسة في الشفاء من الورم الخبيث الذي استوطن منطقة الرأس لديها، وكم كانت صدمتها كبيرة حين علمت أنها كانت عرضة للموت لو لم يغم عليها في العمل ويصطحبها زملاؤها إلى المستشفى، لتتيقن في الأخير أن استعانتها بالأنترنت وضعتها على حافة الهلاك. لم يختلف الأمر مع زكرياء، 32 سنة، الذي اعتاد شراء الأدوية بتوصيات من المنظومة الالكترونية ليتعرض على إثرها إلى أزمة صحية حادة جعلته طريح الفراش، ليعرف بعد معاينة الطبيب أنها كانت نتيجة جرعات زائدة من بعض الأدوية التي أخذها دون استشارة الطبيب. وضعت هذه الحالات جملة من علامات الاستفهام في أذهان من عايشوها، وهو ما جعلنا نلجأ إلى الأطباء والمختصين لمعرفة مدى مصداقية وصحة المعلومات الصحية التي يتعاطاها مستعملو الانترنيت في الجزائر بجرعات متفاوتة. أطباء يحذرون من المواقع الطبية ويشككون في مصداقيتها تحفّظ الكثير من الأطباء الذين حدثتهم “الفجر” عن اعتبار الانترنت مصدرا للتزود بالمعلومات الصحية والطبية، من منطلق أنها تخضع للتجديد من طرف أشخاص مجهولين الهوية وغير موثوق في مستواهم التعليمي ودراساتهم، وهو ما توصلنا إليه خلال حديثنا إلى بعضهم، على غرار الدكتور حسين كمال، طبيب عام بمستشفى الثنية، من اتخاذ مثل هذه المواقع كمصادر للتزود بمختلف المعلومات الطبية، معتبرا إياها خطرا على صحة وحتى حياة من يتبعها ويعتمد عليها.   أما الدكتورة ديابي شناز، أخصائية في أمراض النساء والتوليد بعنابة، فقد اعتبرت المعلومات المقدمة إلكترونيا متفاوتة نسبيا من حيث الصحة والأهمية، كما نصحت الناس بعدم الاعتماد عليها لتجنب ما لا يحمد عقباه، فلكل حالة خصوصيتها التي تفرض اتباع طريقة علاج مختلفة. وفي سياق متصل أضاف الدكتور امدالي، أخصائي الأمراض الجلدية، أن الاعتماد على مثل هذه المعلومات للتزود بالصحة هو ضرب من الجنون، خاصة إذا تعلق الأمر بالمرهمات والمستحضرات الجلدية، التي قد تحول تهيجا جلديا بسيطا إلى أمراض مستعصية قد يخسر المريض على إثرها            شكله الخارجي.  بقاط: “الأطباء لا يثقون بالمعلومات التي تعرض إلكترونيا” من جهته، اعتبر الدكتور بقاط بركاني، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، أن الأنترنت جعلت مهنة الطب عملا لمن هبّ ودبّ، بعدما أصبح كل شخص لديه معلومات ينشرها في شكل موسوعة أم حتى عيادة الكترونية، كما دعا الجهات المعنية إلى إخضاع مثل هذه المواقع والموسوعات إلى القانون، حتى لا تصبح هذه المعلومات في متناول الجميع ولا يتعامل معها المواطنون على أنها مصدر رسمي يستمدون منه المعلومات الصحية، التي قد تحدث نتائج عكسية على الجميع  بعدما أصبحت تهدد صحة الكثيرين، وبعدما راحت ضحيتها العديد من الحالات. وبعيدا عن السلبيات، لا يمكن إنكار ما قدمته هذه التكنولوجيا الحديثة التي حولت العالم إلى منظومة إلكترونية مصغرة.    فيروز دباري
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)