الجزائر

قمة تونس ستعلن التأسيس الفعلي لاتحاد المغرب العربي



قمة تونس ستعلن التأسيس الفعلي لاتحاد المغرب العربي
مثل اجتماع وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي الذي انعقد في الجزائرأول أمس نقطة تحول أساسية في تعاطي دول الاتحاد مع التحديات الأمنية التي باتت تفرض نفسها على المنطقة، ورغم سيطرة موضوع الأمن فإن السعي إلى مقاربة سياسية مشتركة كان هو الهدف الذي سيطر على الاجتماع .
الخطوة الأولى على طريق إعادة بناء اتحاد المغرب العربي ستكون أمنية، فالمخاطر التي باتت تهدد البلدان المغاربية متصلة كلها بقضايا تهريب السلاح وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة، فضلا عن النشاط الإرهابي، وتعاطي حكومات المنطقة مع هذه المخاطر سيكون الامتحان الحقيقي لصدق نوايا إعادة بعث الاتحاد المغاربي على أسس جديدة.
النتائج التي أفضى إليها الاجتماع الوزاري المغاربي، بما في ذلك عقد اجتماعات أخرى لوزراء الداخلية والشؤون القضائية والشباب والرياضة، تؤكد أن ما يجري الآن ليس مجرد تحضيرات بروتوكولية لقمة مغاربية تم الاتفاق على عقدها، بل الأمر يتعلق بوضع قواعد جديدة للاتحاد المغاربي، ورغم أن الخلافات بدت عميقة في البداية فإن منهجية إعادة بعث الاتحاد المعطل منذ قرابة عقدين من الزمن تنعش الآمال في تجنب تكرار أخطاء الماضي مستقبلا، وتفتح المجال أمام تصحيح الاختلالات التي جعلت الاتحاد عاجزا عن الإقلاع.
في اجتماع وزرا ء الخارجية طرحت بعض البلدان المغاربية أولوياتها، وقد كان الاتفاق على عقد الاجتماعات الثلاثة تحضيرا للقمة، إشارة إلى أن المطالب التي تطرح لا يمكن أن تحل ضمن صفقات سياسية تقوم على المجاملات، فالمطلب الليبي بتسليم بعض أفراد عائلة القذافي لا يمكن أن يعالج إلا ضمن تصور شامل للتعاون القضائي يتم من خلاله التوصل إلى اتفاقيات قضائية تنظم علميات تسليم المطلوبين بين بلدان الاتحاد، كما أن حرية تنقل الأشخاص وحرية التملك والعمل لا يمكن أن تطرح في سياق حملات سياسية وإعلامية بل تحتاج إلى عمل ميداني جاد يأخذ في الحسبان المخاطر الأمنية المستجدة، ويدفع كل بلد إلى تحمل مسؤولياته بخصوص تأمين الحدود ومراقبة النشاطات المشبوهة ومحاربتها، وقبل كل هذا فإن اجتماع وزراء الخارجية يمثل السعي الشامل إلى توحيد رؤية بلدان الاتحاد للحقائق الإقليمية القائمة على الأرض، وسيكون تنسيق المواقف، وتجنب الاعتماد على القوى الخارجية شرطان ضروريان لنجاح عملية بعث الاتحاد المغاربي.
المسار الذي تأخذه عملية تنشيط الاتحاد المغاربي يمثل في مجمله عملية تقويم شاملة، تهدف إلى وضع أسس جديدة لهذا البناء التكاملي، فقد أثبتت تجربة السنوات الماضية أن التركيز على الجوانب السياسية، وعلى عقد القمم لم يكن الخيار الأسلم، ومن هنا جاء إصرار الجزائر على جعل قضية إعادة فتح الحدود مع المغرب تتويجا لمراجعة شاملة للعلاقات بين البلدين، كما تم اعتماد نفس المقاربة بخصوص العمل المغاربي المشترك، ولعل تصريح وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني بأن الاتفاق حصل على ترك قضية الصحراء الغربية في مسارها الأممي يمثل إشارة على الأخذ بهذه المقاربة.
الهواجس الأمنية التي باتت تسيطر على حكومات المنطقة لم تعد تخص الجزائر دون غيرها، فالحكومة التونسية تعترف اليوم بأنها تواجه تصاعد نشاط جماعات متطرفة مسلحة، وموريتانيا تعاني من السلاح الليبي الذي فجر منطقة الساحل ووضع أمنها أمام تحديات غير مسبوقة، والمملكة المغربية باتت مطالبة ببذل مزيد من الجهود من أجل مكافحة تجارة المخدرات التي أضحت من أهم مصادر تمويل النشاط الإرهابي في منطقة الساحل، والأوضاع المتفجرة في شمال مالي أصبحت تعني كل دول المنطقة، وهو ما سيدفعها حتما إلى تنسيق الجهود من أجل الحد من الآثار السلبية لهذه الأوضاع.
التحولات الإقليمية، والتدخلات الدولية، تحتم على دول المنطقة اتخاذ مواقف تتلاءم مع هذه التحديات، وصيغة الاجتماعات الوزارية التي تم اعتمادها ستسمح بالاتفاق على كل التفاصيل التي تعني عملية إعادة بناء الاتحاد المغاربي، وهذا يمثل ردا على أسلوب القرارات الانفرادية التي تم اللجوء إليها مؤخرا والتي لا تأخذ في الحسبان المخاطر الأمنية، ولا تقدم الحلول للاختلالات الجوهرية التي ظل يعاني منها الاتحاد المغاربي منذ الإعلان عن تأسيسه قبل ثلاثة وعشرين عاما.
هذه الصيغة هي التي ستمهد الطريق أمام القمة المغاربية المزمع عقدها في تونس قبل نهاية السنة الجارية كما تم الاتفاق عليه سابقا، وسيكون عقد هذه القمة بمثابة الإعلان عن التأسيس الفعلي للاتحاد، تأسيس يتجاوز الخطاب السياسي التقليدي عن علاقات الأخوة بين الأشقاء ليصل إلى تجسيد الرغبة في بناء قاعدة من المصالح المشتركة تمنع حدوث انتكاسة أخرى، وتجعل الحفاظ على المشروع وتطويره وترسيخه مصلحة لكل شعوب وحكومات الدول الأعضاء.
* شارك:
* Email
* Print


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)