الجزائر

قصف ب«النابالم» حوّل العنصر إلى دمار في أكتوبر 1957



شهدت منطقة بني صاف إبان الثورة التحريرية معارك ضارية عديدة " للأسف لم يتم تدوين وتوثيق إلا القليل منها "خاضها المجاهدون ضد جيش الاحتلال الفرنسي بكل بطولة وتضحيات جسام في سبيل استقلال الجزائر سلطت جريدة الجمهورية اليوم الضوء بمناسبة حلول ذكرى غرة نوفمبر عن معارك نشبت بناحية «العنصر» منها المعركة التي تحمل الاسم ذاته , مع الإشارة إلى أن هذه الناحية لمدينة بني صاف اشتهرت بتسمية " العنصر" لتواجد منبع ماء متدفق بها منذ القدم .وقعت معركة "العنصر" مطلع أكتوبر من سنة 1957 بمزرعة المعمر "ليسيان" التي اتخذها الثوار مركزا لهم يترددون عليها باستمرار حيث قرر سي قدور "قادري قدور" مسؤول الناحية في أمسية ذلك اليوم أن يجمع الأفواج الموجودة بهذه الجهة لتوزيع الأسلحة . عليهم , لكن وشاية المكلف بحراسة المنطقة أفضت إلى تحرك العدو باتجاه المزرعة بتعداد يضم نحو 250 جنديا ليحاصر المكان في حدود الواحدة ليلا ظنا منه أن المجاهدين موجودون بقوة , و الحقيقة أن عددهم لم يكن يتعدي 29 موزعين على 3أفواج يقودها كل من شهبوني قدور وبلحاج بوسيف وبن صافي الميلود المدعو الرفاج . واشتعل فتيل الحرب بين المجاهدين وجيش الاحتلال الذي استعان في البداية ب 12 مدرعة في مواجهة غير متكافئة عتادا وعدة .
250عسكريا و 10 طائرات مقنبلة
و12 مدرعة ضد 29 مجاهدا
يقول العربي بوعبان الذي رافقنا بمعية الحاج الهاشمي حسني و محمد حيفري مسؤول منظمة المجاهدين كشهود عيان: "كنت آنذاك أدرس بالاكمالية التقنية( cet ) ببني صاف وعمري 17 عاما لما جيئبي إلى تلك المزرعة ليلا قبل أن تندلع المعركة بسويعات دون أن أعرف السبب ومكثت خارج المنزل الذي كان يجتمع فيه المجاهدون أنتظر وفي تلك اللحظات تناهى إلى مسمعي صراخ حاد وأخذ ورد في الكلام يوحي بوجود خلاف بينهم وسمعت بلحاج بوسيف الذي تعرفت على صوته وهو يصرخ: " كل يوم تقولولي راها مبيوعة وأنا نقول لكم ماراهاش مبيوعة " وبعد لحظات عاد إلي الجندي برزاق بوسيف الذي أتى بي طالبا مني الانصراف وقد رافقني لمسافة معينة, لكن علمت فيما بعد بأنهم احتاجوا إلي لمعرفتي بالقراءة والكتابة كي أحرر لهم تقريرا لكن في النهاية لم يحصل شيء وعدت أدراجي إلى مزرعتنا الكائنة بالمالحة في أولاد بوجمعة المطلة على المزرعة التي كانت تأوي هؤلاء المجاهدين وبدأت أراقب وأتأمل من بعيد ما سيحدث . وفي الصباح ,وتحديدا عند الثامنة نشبت المعركة بين الطرفين حيث نصب الجنود كمينا لقوات الاحتلال أرغمتها على العودة إلى الوراء لتقوم هذه الأخيرة بالاستنجاد بالطائرات الحربية وما هي إلا دقائق حتى بدأت 4 طائرات مقنبلة من نوع d6 ( لقرع ) تحلق في السماء على علو منخفض وقد أتت من مطار زناتة وانهالت على المزرعة والمنازل القريبة منها في قصف كثيف إلى أن نفذت حمولتها لمدة تقارب الساعة ثم أعقبتها 4 طائرات أخريات مماثلة مواصلة القصف لنفس المدة تقريبا حتى أفرغت حمولتها وأتت بعدها طائرتان سوداوا اللون تطيران بسرعة فائقة من نوعrexion, لتغيرا على المنطقة إلى غاية الساعة 11 حيث تحول المكان الذي كان ينبعث منه دخان كثيف وألهبة النيران إلى دمار وخراب .
استشهاد 20 جنديا و مدنيا و اعتقال الأهالي وحرق المنازل في معركة العنصر
ثم قام جيش الطغيان بتمشيط المكان واعتقال أهالي المنطقة وحرق وتدمير منازلهم ثم الزج بالمراهقين والرجال في غياهب السجون أما النساء والأطفال فقد تم تحويلهم الى محتشد سيدي الصافي . المعركة أسفرت عن استشهاد نحو 20مابين جندي ومدني الذين رمى بجثامينهم في اليوم الموالي داخل غار الزاوش المتواجد بسفح جبل سقونة , أما القتلى و الجرحى من جهة العدو لم يعلن عن عددهم .
رمي جثامين الشهداء في غار الزاوش بجبل سقونة
ورغم القصف المكثف فان معظم جنود جيش التحرير تمكنوا من الإفلات والنجاة بأنفسهم من الهلاك بعد أن توجهوا إلى وجهات مختلفة منهم المجاهد برزاق بوسيف ورفيقه اللذان مرا عبر مقبرة سيدي صافي قبل أن يصلا إلى غار المالحة وقد شاهدتهما بعيني يختبئان به . أما الحاج الهاشمي حدثنا عن 3 معارك وقعت بالمنطقة ذاتها : مزرعة الفارمسيان ومزرعة محيي الدين والباطوار التي لقن جيش التحرير فيها جيش العدو دروسا في البطولة والفداء والتضحية. حيث لازالت ذاكرته القوية تحتفظ بتفاصيل عدة معارك يصفها بالجهنمية فقد حدثنا عن أطوار معركة ثانية وقعت في مطلع 1958بمزرعة غير بعيد عن الأولى التي حدثنا عنها بوعبان العربي نتيجة وشاية أحد العملاء , إنها المعركة الضارية التي وقعت بمزرعة " الفارمسيان" أين لقن فيها الثوار جنود الاستدمار درسا في البطولة والفداء ما اضطرهم إلى التراجع نحو الوراء وكعادته استنجد العدو بالطائرات المقنبلة التي قصفت المكان غير أن المجاهدين تمكنوا من مغادرة المكان عبر الوادي وقد استشهد منهم عنصران في الوقت الذي تم تسجيل عدد كبير من القتلى في الطرف الأخر لم يفصح عنه الاستعمار .
معارك مزرعة «الفارمسيان» ومزرعة محيي الدين والباطوار شواهد على بشاعة المستعمر و بسالة الثوار
وبخصوص معركة ثالثة اشتعل لهيبها سنة 1957 بالقرب من منبع "العنصر" في مزرعة محيي الدين , يقول الهاشمي : كانت هذه المزرعة مركزا لجيش التحرير وحدث في ذلك اليوم أن صاحبها كان عائدا من السوق على بغله محملا بالمؤونة جلبها للمجاهدين ولما دنا من منزله سمع طلقات الرصاص فعلم أن أحد الخونة وشى بالمكان فقفل راجعا إلى بني صاف .. وهناك معركة رابعة وقعت في هذه المنطقة وصفها بالعنيفة. انها معركة "الباطوار" التي نشبت في مارس من سنة 1957 في نفق طويل يمتد من المسلخ البلدي في الضاحية الجنوبية لبني صاف إلى غاية شاطئ البحر عند المكان المعروف ب " المرينة " القديمة غير أن معالمه اختفت اليوم .جيش التحرير اشتبك مع العدو بالرصاص في قتال ضار, وقد استعمل العدو الغاز والنابالم الحارق للقضاء عليهم بيد أن جلهم استطاع الخروج من النفق والتوجه نحو الغابة المجاورة لتطاردهم الطائرات الحربية بقصف كثيف لكن بدون جدوى فيما واجه من تبقى منهم في الغار عساكر فرنسا بإطلاق النار عليهم . وقد سقط في ساحة الشرف كل من بنت السرغيني وأخوها محمد وكذا مجاهدان آخران كانا عند مدخل النفق. من جهته الحاج محمد حيفري مسؤول منظمة المجاهدين بدائرتي بني صاف وولهاصة ذكر أن هناك برنامج لتخليد المعارك الكبرى بالمنطقة من خلال تشييد معالم تذكارية لهذا الغرض ونحن في انتظار توفير الإمكانيات المالية اللازمة.كما كشف لنا في نهاية التحقيق عن جهود هيئته في إبراز هذه المعارك البطولية حتى تظل شاهدا على نضال وتضحيات المجاهدين وعلى وحشية الاستدمار الغاشم وذلك لأجل الحفاظ على الذاكرة الوطنية وتلقينها لدى الأجيال المتلاحقة بغرض تمكينها من استلهام العبر و الدروس مشيرا في هذا السياق إلى وجود برنامج لتشييد عدد من المعالم التذكارية في هذا الخصوص سيجري نصبها في مواقع المعارك الكبرى التي شهدتها المنطقة على غرار معركة " العنصر" ومعركة "سقونة " إضافة إلى ترميم و توسيع مقبرة الشهداء لبني صاف التي يرقد بها 83 شهيدا .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)