الجزائر

قسنطينةالدعوة للتمسك بسيرة النبي بعيدا عن المفرقعات




قال الدكتور يوسف بالمهدي في حديثه لـ''المساء'': ''إن الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم واجب شرعي بل وضرورة من الضرورات، هذا الذي جاءنا رحمة للعالمين، حيث استفادت من هذه الرحمة كل الكائنات الحية، وبالتالي نخالف الذين لازالوا يدعون أن الاحتفال بمولد خير البرية بدعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم سُئل عن صيامه يوم الاثنين قال: ''هذا يوم ولدت فيه''، فكان صيام النبي عليه الصلاة والسلام أيام الاثنين، تعبيرا عن حب اليوم الذي ولد فيه وعلل ذلك بأنه يحب يوم مولده.
كما أن القرآن الكريم، يضف المتحدث، حدثنا عن السلام لليوم الذي ولد به سيدنا عيسى، وسيدنا يحي، حيث قال: ''سلام عليّ يوم ولدت، ويوم أموت، ويوم أبعث حيا''، أبو لهب أيضا عندما سمع بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام فرح لهذا الميلاد، فأعتق آمة كانت عنده، فعندما جاءته البشرى بأنه ولد لأخيه ولد اسمه ''محمد'' فرح، حيث ثبت في الحديث الصحيح يوم القيامة يعطى عينا يشرب منها تخفيفا على أبي لهب الذي وجبت له النار إكراما لفرحه بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف إذن للمؤمن أن لا يفرح بهذا اليوم؟
يبقى أن نقول أن هذا الفرح، يضيف الدكتور يوسف بالمهدي الذي تحدث عنه الإمام السوطي مجتهد القرن العاشر وغيره من الذين كتبوا عن الرسول الكريم، حول مشروعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم سيدنا أحمد ابن حنبل وهو إمام من أهل السنة ومذهبه مذهب الأثر، حيث تحدث أيضا عن احتفال ابن تيمية في مجموعة فتاويه، بأنه لا يضر أن يجتمع الناس على الصلاة على سيدنا محمد رسول الله وتلاوة القرآن، وذكر سيرته وسنته، بالعكس يعد هذا من الفضائل التي يلتقي عليها المسلمون، وهو ما يفعله عموما الجزائريون عند الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث يدرسون سنة النبي المصطفى ويتحدثون عن مآثر وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
من جهة أخرى، ما ينبغي التنبيه له في هذا المقام يضيف المتحدث أنه ينبغي أن نضبط الناشئة خاصة الأطفال والشباب حول كيفية الاحتفال، وأن نذكرهم بيوم مولد المصطفى من خلال ذكر بعض الأحداث مثلا، فلا يخفى عليكم، الشعب الجزائري لديه طرق خاصة للاحتفال، عندما أعلن عن ثورة نوفمبر ,54 كان ذلك في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى عليكم أيضا أن الشعب الجزائري عندما استقل في خمسة جويلية، هتف الشعب الجزائري قائلا بأن هذا النصر يهدى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، حيث غنوا''يا محمد مبروك أعليك الجزائر رجعت ليك''. وبالتالي  كانوا يعبرون عن الاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل الجوانب، حتى في تسمياتهم لأبنائهم؛ كانوا يسموا مثلا ''مولودهم''، كما سموا فريق كرة القدم ''بالمولودية''، لا شك أن هذا اليوم له قداسته عند الجزائريين عند الاحتفال به، سواء في المساجد أو البيوت وهذا كله تعظيم ليوم مولده.
وفي ذات السياق، جاء على لسان محدثنا أنه في بلاد  المشرق الإسلامي وتحديدا بسوريا عندما يكون هناك عرس، يقال أقام فلان مولدا، ويقصدون به العرس، أو مثلا إذا رأى النائم النبي صلى الله عليه وسلم  في المنام وهي رؤية صالحة، يجمع أهله ويقيم في بيته مولدا، حيث يكرم الناس فرحا بهذه البشرى، لكن ينبغي أن نضع ضوابط لهذا الاحتفال من خلال إحياء المناسبة بذكر المصطفى وتلاوة القرآن الكريم، وإقامة دروس وملتقيات وطباعة كتب عن سيرة محمد، هذا هو الواجب لأن مدح النبي صلى الله عليه وسلم دون الاقتداء به عمليا عمل ناقص، لذا ندعو الناس إلى أن يهتموا بجوهر المناسبة، وأن نقتدي بخصال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يكون بيننا غش أو ظلم أو عقوق الدين في تعاملاتنا مع بعضنا البعض، نحن نريد من خلال الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة أن يكون مجتمعنا محمديا. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: ''أقربكم مني مجلسا أحسنكم أخلاقا''، هذه الأمور هي التي ينبغي أن نهتم بها عند الاحتفال، ويقول الدكتور يوسف بالمهدي: ما يسمى بالمهرجاني الذي طغى على احتفالاتنا، ينبغي أن نهذبه وبالتالي ليس من أجله نلغي الاحتفال بالمولد، ولكن ينبغي أن نقوم ببعض النشاطات الاحتفالية ليقتدي بها الناس، كأن تقيم وزارة الشؤون الدينية مثلا موالد بالمساجد بعيدا عن الجانب التنظيمي الإداري وبالتالي الاحتفال بالمولد النبوي، فبالنظر إلى إحصائيات الشرطة والحماية المدنية، نجد أن البعض تسبب في العديد من الأضرار في سبيل الاحتفال، وبتالي لم يعد المولد في صورة احتفال بل أخذ شكل الحرب، وبالتالي ندعو الناس إلى أخذ مسؤوليتهم اتجاه أبنائهم بتوجيههم إلى طريقة الاحتفال الصحيحة، فكلكم راع  وكل راع مسؤول عن رعيته، وإذا اجتمعت هذه القواعد الشرعية للتعبير عن الفرح، فإنه بإمكاننا التقرب من سيدنا رسول الله والوصول إلى تحقيق الغاية من الاحتفال بمولده، وهي إحياء الذاكرة والتراث الإسلامي حتى يكون لدينا أجيال على خطى العلماء من الذين اقتدوا بالرسول الكريم.
 
بومدين بوزيدي مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف، وأستاذ جامعي في الفلسفة الإسلامية بجامعة وهران، اِلتقته ''المساء'' بمقر وزارة الشؤون الدينية وقال حول ثقافة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بين الأمس واليوم: الإحتفالات عموما سواء أكانت دينية أو شعبية، تتحول تدريجيا إلى احتفالات ذات طابع اجتماعي، بمعنى أنها تأخذ الطابع المظهري الذي يطغى على الجانب الروحي.
والاحتفالات الدينية عموما بدأها الشعب الجزائري في القرن التاسع هجري، أي في القرن 14 ميلادي، هذه الأخيرة ارتبطت بشخصيات دينية تسمى الأولياء، حيث كانت  في بدايتها بسيطة، ترمز إلى علاقة الطلاب بشيخهم المتوفى، الذي اعتبر ''وليا صالحا'' وبات الناس يزورونه، هذه الزيارة هي نوع من الاعتراف لهذه الشخصية الدينية، ومن مظاهر الاحتفال، كانت مثلا تتميز بقراءة جماعية للقرآن الكريم، والإكثار من الأذكار، لكن مع تطور المجتمع، يضيف المتحدث: ''بدأ الجانب الاجتماعي يأخذ طابع المظهرية الاحتفالية؛ كالموسيقي، وهذه المظاهر هي التي سيطرت أكثر فيما بعد، بمعنى أن كل حفل ديني بالعالم كله سواء بالمجتمعات العربية أو الأوروبية، يكون له طابع ديني بحت، ولكن سرعان ما يتغلب عليه الجانب المظهري والمادي حسب طبيعة كل مجتمع طبعا.
أما بالنسبة للاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، فقال المتحدث: ''إن المجتمع الجزائري تاريخيا ارتبط  فيه الاحتفال بالعهد الزياني، أي قبل دخول الأتراك لتلمسان بالخصوص، حيث تم ترسيم هذه الاحتفالات من طرف ''أبوحمو الزياني''، غير أن البعض يرجع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إلى الأندلس، ولكن ما ورد إلينا إلى غاية اليوم هو أن الزيانيين هم من  أعطوا الإحتفال طابعا ترسيميا، حيث كان عبارة عن قراءة للأشعار  بالمساجد الكبرى بتلمسان، ولذلك، فإن وزارة الشؤون الدينية من خلال تنظيمها للاحتفال بمولد النبي بتلمسان، تسعى إلى إعادة إحياء التاريخ للإحتفال في جانبه الروحاني الصحيح والسليم.
ومع التاريخ العثماني، قال الأستاذ بوزيدي: بدأ يتغير وجه الاحتفال بهذه المناسبة الدينية، حيث أخذ طابعا اجتماعيا أكثر، وارتبط بالأكلات والموسيقى. هذا من جهة، ومن ناحية أخرى، لابد أن نشير إلى جانب مثير من الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، وهو ما يتعلق بالمفرقعات، فبالرجوع إلى التاريخ الجزائري، نجد تقريبا أن كل الاحتفالات بما في ذلك ختم القرآن الكريم، كان يصحب، خاصة بالغرب الجزائري بالبارود، حيث كان الطالب الذي حفظ القرآن يركب الحصان ويتم إطلاق البارود مع الزغاريد، وبالتالي الجانب الحربي والفروسي كان حاضرا في الاحتفالات الدينية. ولذلك، فإن التركيز على المفرقعات والرغبة في إحداث الإنفجارات بدوي كبير رغم سلبيتها، مرتبطة بذهنية شعبية معينة كانت سائدة منذ القدم، مما يعني الإستمرار في الاهتمام بالجانب الحربي.
من جهة أخرى، جاء على لسان محدثنا أنه رغم كل المظاهر الاجتماعية للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، يمكن أن نعيد إليه الوهج الثقافي والديني، كأن  نكثر من قراءة قصيدة البصيري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يبرمج  الاحتفال بمولده طيلة شهر كامل بالمساجد، وقراءة كتب تتحدث عن سيرة النبي وشمائله وخصاله، على غرار قراءة كتاب الشفاء، ربما من خلال محاولة تعميم مثل هذه الاحتفالات نؤثر نوعا ما على بعض المواطنين ونغير بذلك العقلية الاحتفالية، وبالتالي أعتقد -يقول الأستاذ بوزيدي- أنه يمكن أن نعيد للجانب الروحي حضوره في الاحتفالات بمولد الرسول الكريم.
وفي السياق وعند الحديث عن الجانب الروحي اليوم في الاحتفالات بالمجتمع الجزائري، يقول محدثنا: ''يضيق الجانب الروحاني على خلاف الجانب الاجتماعي المظهري الذي أخذ في الاتساع، بينما  يمكن أن يتوسع الجانب الروحي ويضيّق الجانب الاجتماعي على أساس أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو تلك التصرفات الإيجابية التي يقوم بها بعض الناس، على غرار تذكر المساكين والفقراء، التضامن الاجتماعي واعتبار حياة الرسول صلى الله عليه وسلم رمزا للتغير، هذه المعاني موجودة ولكن طغى عليها الجانب الاجتماعي، ناهيك عن أن الوعي الديني أيضا بالجزائر اليوم يطغى عليه أيضا الجانب المظهري، فمثلا المجتمع عموما في علاقته بالعبادات يهتم ربما بالمظهر أكثر، كان يكتب صاحب محل على باب محله مغلق للصلاة، فهو بذاك سواء عن قصد أو غير قصد، يرغب في أن يقول لمن يقصد المحل إنه ملتزم بأداء العبادات، وذلك لتعزيز الثقة بزوار المحل، وهذا مظهر غير مقبول، وهو ما جعل العبادة المظهرية هي الأخرى تطغى على سلوك البعض.

رغم حملات تحسيس المواطنين والتحذيرات الكبيرة من طرف مصالح الحماية المدنية بخطر استخدام المفرقعات والألعاب النارية، كلما اقترب موعد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إلا أن القسنطينين لم يستغنوا عن هذه الظاهرة التي يعتبرونها عادة من عادات عاصمة الشرق القديمة، ومظهرا من مظاهر الفرح التي ترسخت فقط خلال السنوات الأخيرة بالمجتمع.
ظاهرة الانتشار الكبير لاستخدام هذه المفرقعات والألعاب النارية التي مافتئت في الانتشار بشكل رهيب، رغم تجنيد المصالح الأمنية والدرك الوطني وحتى مصالح الجمارك لأعوانها للقضاء عليها من خلال الإجراءات الردعية المتخذة ضد المهربين وحتى التجار، إلا أن المتجول عبر أسواق قسنطينة يلاحظ انتشارها بالعديد من المحلات وحتى بالشوارع والأرصفة التي خصصت لبيع هذه المواد الخطيرة، على غرار ماتم مشاهدته بالمدينة القديمة وتحديدا بالسويقة، حيث حول العديد من تجار عاصمة الشرق نشاطهم التجاري المعتاد خاصة مع الإقبال الكبير للمواطنين على شرائها  بالرغم من الرقابة التي تفرضها مديرية التجارة، إذ يلجأ بعض الأولياء إلى اقتناء هذه الألعاب النارية مشجعين أطفالهم للعب بها غير مبالين بعواقبها، على خلاف آخرين، يرون أن شراء المفرقعات والألعاب النارية فيه خطورة كبيرة على أطفالهم، علاوة على تسببها في فقدان العتمة الروحية للمناسبة.
من جهة أخرى، كثّفت مصالح الأمن رقابتها على طاولات بيع هذه المفرقعات، حيث تعمل وقبيل أيام من الاحتفال بالمولد النبوي على قدم وساق لمراقبة الأسواق وحتى البائعين، وهوالأمر الذي استدعى تضافر الجهود بعد أن كثفت مصالح الجمارك هي الأخرى من نشاطها ودورياتها الرقابية والتفتيشية من أجل التصدي لمهربي الألعاب المحظورة قانونا، وهذا ما أكده المفتش الرئيس للمديرية الجهوية للجمارك بقسنطينة، والذي أكد أن المديرية وتزامنا والاحتفال بذكرى المولد النبوي، ضاعفت عدد أعوانها وحتى حواجزها وهذا عبر كامل النطاق الجغرافي قصد تضييق الخناق على المهربين، حيث تمكن الأعوان من حجز أزيد من 45 ألف و600 وحدة خاصة بالمفرقعات عبر ميناء سكيكدة، كما تمكنت مصالح الدرك الوطني من حجز كميات معتبرة من المفرقعات أثناء تفتيش مخازن محلات تجارية، وهذا بالعديد من المدن الشرقية التي تعتبر من المناطق الأكثر استقطابا للمهربين الذين يفضلون الشريط الحدودي الشرقي، بالنظر لتواجد أسواق مختلفة يسهل من خلالها تهريب وتسويق منتجاتهم المهربة، حيث تمكنت مصالح الدرك من حجز واسترجاع أزيد من 118 ألف مفرقعة كانت موجهة لمختلف الأسواق الشرقية.
من جهتها مصالح الحماية المدنية، حذرت المواطنين من الاستخدام المفرط للمفرقعات والألعاب النارية خاصة وأن ذات المصالح سجلت خلال مناسبات المولد الشريف في السنوات الفارطة، العديد من الحوادث الخطيرة التي كانت سببها المفرقعات، على غرار حرائق العديد من المنازل بسبب استخدام أصحابها للشموع وتركها دون مراقبة، زيادة على استقبال المستشفيات لعدد من الأطفال إثر إصابتهم بحرائق أوعاهات مستديمة على مستوى الوجه والعيون. ونصحت مصالح الحماية المدنية الأولياء باتخاذ كافة التدابير اللازمة من خلال مراقبة أبنائهم أثناء اللعب بهذه الألعاب النارية ومتابعتهم، كما وضعت المصالح جهازا طبيا على مستوى وحداتها بكامل الولاية، يعمل على مساعدة الأولياء في تقديم الإسعافات الأولية للمصابين من أبنائهم حال حدوثها.
ودعا عدد من الأئمة الأولياء للاحتفال بالمولد النبوي الشريف في إطاره، من خلال تربية النشء على خصال الرسول الكريم والتمسك بسيرته العطرة.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)