الجزائر

قانون الإعلام في الجزائر بين أمل المهدي المنتظر وظهور المسيح الدجال


 هناك من يحلو له عند مناقشة قانون الإعلام الجديد، التقيّد بقانون أفريل .1990 وهناك من يَجْتَرّ قانون فيفري 1982 ليبحر فيه قصد إظهار المكاسب المحقَّقة. مع أنّ تاريخ النشر والطباعة والإشهار في الجزائر تجاوز القرن، وتاريخ الصحافة في الجزائر ثـري بالتجارب. فقد بدأ عنيفًا مع الاستعمار الفرنسي، وعاش صحافة استيطانية، ثـم صحافة أهالٍ، بعدها، شهد صحافة ثـورية، تبعتها صحافة ما بعد الاستقلال وما واكبها من تغيّرات كثـيرة على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثـقافي. ورغم أن فترة ما قبل التعددية عرفت نظاما سلطويًا شموليًا صَادَرَ حرية الكلمة، إلاّ أنّ هذا لم يمنع أبدًا من ظُهور صحافة وطنية قويّة بمحتوى أرقى ممّا هي عليه اليوم، من حيث نقل الأخبار والطرح والمعالجة، كما أن فترة الحزب الواحد كان فيها عدد الصحف الأجنبية بمختلف اللغات التي تُباع في الجزائر أكبر بكثـير ممّا هو عليه اليوم. والفرق الوحيد بين صحافة اليوم وصحافة الأمس، أنّ الكلمة الحُرّة كانت تُضْرَبُ بالأمس بالرصاص الحَيّ، وأصبحت الكلمة الحُرّة اليوم تَضْرِبُ بالرصاص الأبيض.  عيبنا أنّ البعضَ منّا عندما يُفكّر في التغيير، فإنّه يُطيلُ النظر من الزاوية السلبية، وعوَض التركيز على الإيجابيات والبحث عن السُبُل الناجعة لعلاج السلبيات، فإنّه يُطفئ الأضواء ليغرقَ بعدها في الجانب المظلم، ويُصبح يستلذّ الحديث عنه والإيمان بأنّه قَدَر محتوم، والبعض الآخر أغلقَ على نفسه الأبواب في حقبة زمنية جدّ محدودة، رَبَطَهَا برئيس حكومة سابق أو وزير إعلام سابق، ينظرون إليه كأنّه نبي الإعلام، أو أب الديمقراطية، مع أنّنا عشنا في نفس تلك الفترة الزمنية ولم تشملنا رسالة ذلك النبي الذي لم تَكُنْ رسالته، حسب ما يبدو، إلى الناس كافّة، إنّما اقتصرَت على بعض الحواريين الذين آمنوا به. وهذا شأن حال حواريي إعلامنا، لا يُصَلّون إلاّ بوُجود نبي يقفون خلفه، وعندما يَحينُ وقت التغيير، فإنّهم عوَض التفكير في الإصلاح، يحتفلون بيوم الصعود، لأنّهم في حقيقة الأمر لا يُؤمنون برسالة أيّ نبي، إنّما يبحثـون فقط عن الموائد التي تُنزل إليهم من السماء.
 بوادر الفشل
يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي : ''من علم بفساد نفسه، علم صلاحها''. فأوّل بارقة الإصلاح يَقيننا بضرورة التغيير، والإجماع على أنّ هذا القانون ليس هو فقط سبب بلاء إعلامنا، لكن هناك ممارسات يكمنُ فيها الخلل، والعارف بالحقل الإعلامي الجزائري يعلم أن الصحافةَ الجزائرية منذ الاستقلال لم ترتبط في يوم ما من قريب أو بعيد لا بوزارة الاتصال ولا بوزارة العدل، إنّما تَرتبطُ خيوطها بجهات ومصالح تتحكّمُ فيها أكثـر ممّا يحكمها قانون الإعلام.
الحديث عن الديمقراطية يجرّنا بالضرورة للحديث عن قانون الإعلام، وكأنَّ كلّ مشاكل الجزائر تكمن في فشل قانون الإعلام، وتوحي الإصلاحات أنّه بمجرد وضع قانون جديد للإعلام، فإنّ كلّ مشاكل الجزائر ستُحَلّ أو أنّه بداية حلّ معظمها، لهذا، يبقى أمل انتظاره يشعّ ببريق ولهفة انتظار المهدي المنتظر.
فماذا لو تخلّصنا من وَهْم المهدي المنتظر وأسَّسنا أعْرَافًا إعلامية مثـلما يحدث في العديد من الدول؟ فكلّ من يصل إلى سدّة الحكم في بلادنا يريد التأكيد على أنّه أبو حرية الإعلام في الجزائر، وعوَض تشييد صُرُوح الحريات لنا، يبني لنا قانونا من ورق.
أُولى بوادر الفشل في قانون الإعلام الجديد النظر إلى إصلاحه على أنّه يأتي ضمن إصلاحات سياسية أخرى، وهذا أكبر خطأ، لأنّ الإصلاح أكبر بكثـير من أيّ عملية سياسية مرتبطة بشخص أو حزب أو ظرف، وهو أَهَمّ لأنّه الأعَمّ، فالإصلاح هو الذي يشمل السياسة وليس العكس، وهو الذي يَقُودُ السياسة ويُوجّهها وليس العكس، والإصلاح لُغَة ضدّ الإفساد، وعدم الاتّفاق على حدود الإصلاح أو إطاره هو أوّل خطوة لإفساد الإصلاح.
إنّ إصلاحَ قانون الإعلام هو قبل كلّ شيء مُصالحة حقيقية بين السلطة ووسائل الإعلام، ومصالحة بين وسائل الإعلام فيما بينها، فكيف سنَتّفقُ على هذه الإصلاحات والسلطة عاجزة عن جمع كلّ أصحاب المهنة في حوار وطني شامل؟ كيف نَتّفقُ على هذه الإصلاحات ووسائل الإعلام غير قادرة على الاجتماع فيما بينها، على الأقَلّ لجمع الشمل على كلمة سَوَاء بينهم وبين غيرهم؟ فالاختلاف على الإصلاحات أولى خيوط الفشل، لأنّ الإصلاح لا يعني فرض رؤية على أخرى، إنّما توافُقًا بين كلّ الأفكار، حتى لا ينظر البعض في الأخير إلى قانون الإعلام الجديد على أنّه ثـورة كبيرة، وينظر إليه البعض على أنّه انكسار وتقهقر.
* كلية العلوم السياسية والإعلام
fr.hamlilpresse@yahoo
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)