الجزائر

قانون الأحزاب يصيب الطبقة السياسية ب"إسهال حزبي"


حقق نشطاء الساحة السياسية في الجزائر أرقاما قياسية في "التفريخ الحزبي"، حتى لا نقول التعددية الحزبية، ففتح قانون الأحزاب الجديد الذي نزل في سياق إصلاحات رئيس الجمهورية، شهية الراغبين في ممارسة النشاط السياسي إلى حد "الإسهال الحزبي"، بدليل وصول عدد مشاريع الأحزاب الجديدة "24 حزبا"، ما يحقق استثناء وطفرة بعينها إذا ما قارنّا ذلك بحجم عدد السكان ووحدتهم التاريخية والدينية والاجتماعية.منذ الإعلان عن مشروع قانون الأحزاب السياسية إلى غاية كتابة هذه الأسطر، وصل عدد الأحزاب الراغبة في الحصول على الاعتماد 24 حزبا، بعضها أقصته الظروف وانتظر الإطار القانوني للحصول على رخصة لاستئناف النشاط، لكن الأغلبية الساحقة انشطرت عن قياداتها مثلما هو الحال لأغلبية الحركات التصحيحية من حزب "الفجر الجديد" و"التقويمية" و"الصحوة" و"جبهة المستقبل" وغيرها. والمشكل أن الأغلبية الساحقة لهذه التشكيلات السياسية، هو عدم امتلاكها لبرامج أصلا، أو استنساخ برامجها عن بعضها البعض وعن برامج تلم التي انفصلت عنها أو الموجودة في الساحة السياسية، باستثناء القلة القليلة، وهو ما يؤكد أن المشكل الأساسي لهذه التشكيلات السياسية هو رغبة قادتها في الزعامة والوصول للمناصب والكراسي وليس إثراء الساحة السياسية بمعطيات جديدة تمثل فئة بالقاعدة تفتقد التمثيل. وقد بلغ حد الاستهتار السياسي للأميين بركوب موجة تأسيس الأحزاب السياسية، فأصبح تجار الخضر والفواكه يرون أنفسهم أيضا ممثلين للشعب، وبإمكانهم تمثيله في المنابر، وإلا كيف نفسر إعلان اتحاد التجار والحرفيين عن تأسيس حزب جديد !..
والغرابة أن التفريخ الحزبي في الجزائر حمى أصبحت تزداد يوميا بعد يوم، وربما يصل عدد طلبات الأحزاب في المستقبل 50 وأكثر، وهو ما يطرح إشكالية افتقاد البعض لأدبيات العمل السياسي، وأن الاختلاف أو الذهاب بفكرة تأسيس حزب تفرض نفسها اضطراريا عندما لا تؤمن فئة بعدم تمثيلها في برامج الأحزاب الموجودة، وهو الأمر المغيب في الجزائر بحكم تشابه برامج الأحزاب الإسلامية على حدة، ورغم ذلك تتعدد وتتوالد الأحزاب المحسوبة على التيار الوطني. ورغم ذلك تتكاثر وتتعرض لعملية انشطار متواصل، وهو ما يقع أيضا مع الأحزاب الاشتراكية واللائكية. والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة، هو "ماذا كان يقع في الجزائر لو كانت بمستوى التباين الموجود بالولايات المتحدة الأمريكية، التي يختلف شعبها في العرق، الجنس، الدين، حيث تضم المسيحيين والمسلمين واليهود والبوذيين وغيرهم من الطوائف الدينية الأخرى التي فرضتها حركات الهجرة للبلد العم سام، واختلافات في الثقافة والتاريخ وغيرها من الأمور الأخرى؟".
ورغم ذلك لا يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية سوى حزبين "الحزب الديمقراطي" و"الحزب الجمهوري"، المؤكد أنه لو كانت الجزائر موحدة في الدين والتاريخ ونوعية الجنس في نفس مستوى اختلاف الولايات المتحدة الأمريكية، لكانت ستحقق أرقاما قياسية في عدد الأحزاب السياسية، تدخلها عالم غينيس بدون منازع، وهو ربما ما تفطنت إليه السلطات التي أبقت على الانفتاح المراقب والمقنن حتى ضغطت عليها رياح الربيع العربي، كانت تدرك مسبقا أن ما سيقع هو إسهال حزبي بعينه.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)