الجزائر

قال إن جده السابع أول من أدخل الحرفة إلى قسنطينة: إدريس أمين خوجة.. حرفي طوع النحاس الأحمر لنصف قرن


لا يزال إدريس أمين خوجة، محافظا على حرفة أجداده المتمثلة في تطويع النحاس الأحمر، لصناعة مختلف الأدوات و الأواني التي اشتهرت بها قسنطينة منذ القدم، و تزيينها بمختلف النقوش، حيث يقضي جل وقته داخل «بيت النحاس» وهي التسمية التي يحملها متجر العائلة الصغير، الذي يقع بالمدينة القديمة، و يعود إلى سنة 1827، حيث كان ملكا لجده السابع إسماعيل أمين خوجة، أول من أدخل حرفة النقش على النحاس الأحمر، إلى الجزائر، قادما من تركيا، ثم استقر مع كافة أفراد عائلته بقسنطينة.وهيبة عزيون
قضى إدريس حوالي 43 سنة في صنع و نقش مختلف القطع النحاسية، محافظا على الموروث المادي لعائلته و مدينته قسنطينة، بعد أن اختار و هو في العشرين من عمره، أن يتعلم أصول الحرفة على يد والده، و منذ ذلك الوقت لم يبرح محل العائلة العريق، الذي تحتفظ كل زاوية منه، بذكريات جميلة، و تروي قصص من عبروا المكان، منذ حوالي ثلاثة قرون.
يحافظ على التصاميم الأصيلة في صنع القطع النحاسية
بحي سيدي بوعنابة العتيق، داخل محل تمتلئ رفوفه المعلقة على طول الجدران، بالقطع و الأواني النحاسية التي اشتهرت بها قسنطينة منذ القدم، و جدنا السيد إدريس أمين خوجة، منهمكا في تحضير إحدى القطع النحاسية المعروفة باسم «الطفاية» لأحد زبائنه.
كان السيد إدريس يجلس فوق «الزبرة» وهي عبارة عن عمود حديدي أفقي يلتصق أحد أطرافه بالأرض و الطرف الآخر مرتفع عن الأرض، مقدمته مسطحة، و يتوسطه إطار حديدي، و قطعة خشب مسطحة، يجلس الحرفي عليها ليحقق التوازن بين الجهتين، في حين يستخدم الجزء العالي و المسطح في صناعة القطعه النحاسية، باستخدام أدوات تقليدية، قال أن جده الأول استخدمها و ورثها بدوره عن والده و أجداده، و تتمثل في بعض المطارق و مدور يدوي، إلى جانب آلة قطع كهربائية، أصبح يستخدمها حديثا.
قال المتحدث للنصر، أنه الحرفي الوحيد في قسنطينة و الجزائر،الذي لا يزال محافظا على نفس التقنية الأصلية في صناعة القطع النحاسية التي اشتهر بها أجداده ، و تتمثل في عدم قطع أجزاء الإناء، ثم تلحيمه، فهو بقطعة نحاس واحدة، قد يصنع آنية واحدة كاملة، دون تقطيعها أو تجزئتها، سواء من الجانب الأسفل و حتى الأعلى، وهي تقنية أكد أنه تعلمها من والده.
بينما أدخل بعض التعديلات الحديثة على التصاميم، لكن، بشكل عام، ما يصنعه الحرفي إدريس اليوم، هو نفسه ما كان يصنع في «بيت النحاس» منذ سنوات طويلة، بل قرون، و لا يزال يحتفظ بقطع يزيد عمرها عن 80 عاما، صنعها والده و جده، و ما لفت انتباهنا أنه يحتفظ بشرائح نحاسية، كان يملكها أحد أجداده ليستخدمها في صناعة بعض الأواني النحاسية.
قطع لا تجدها إلا في بيت النحاس
خلال حديثه مع النصر، عاد بنا السيد إدريس أمين خوجة إلى تاريخ حرفة النقش و صناعة الأواني النحاسية في قسنطينة، فقال أن جده إسماعيل أمين خوجة، هو أول من جلب هذه الحرفة إلى الجزائر، من تركيا، فقد استقر في بداية الأمر في الجزائر العاصمة، ثم انتقل إلى قسنطينة سنة 1700 ، و استقر بها مع عائلته.
و أكد لنا أن النحاس القسنطيني الأصلي و الأصيل لونه أحمر،أما ما يباع اليوم من نحاس أصفر، فهو دخيل على عادات المدينة، و هو في الأصل، حسبه، يعود إلى الثقافة المشرقية، و تحديدا إلى سوريا.
و لا يزال السيد إدريس ولوعا بصناعة الأواني التقليدية مثل «الطفاي» و «الطاسة» و «الوضاية» و غيرها، وقال أن الأواني أو القطع النحاسية مقسمة إلى ثلاثة أنواع بقسنطينة ، النوع الأول استعماله يومي، مثل «الوضاية» التي تعوض الحمام العصري اليوم، و «الطفاية» و «الغراف» و «الدلوة» و «القطار» ..إلخ، هناك أواني تستعمل في الحمام و أخرى في المطبخ.
أما الصنف الثاني فيتمثل في قطع الديكور و الزينة، مثل «المحبس» و «السينية» و غيرها، و الصنف الثالث استخداماته علاجية مثل سوار النحاس الأحمر الذي يخفف آلام العضلات و المفاصل، و يتم صقله بتقنية خاصة، ثم يشحن بالكهرباء، ثم يستعمله المريض، حيث يساعد، حسبه، على امتصاص الألم و التقليل من حدته، و لا يزال أمين خوجة يصنع هذه الحلي النحاسية إلى غاية اليوم، بطلب من بعض المرضى.
زبائن النحاس الأحمر سياح و سكان أصليون
قال إدريس أمين خوجة، إن المحل الذي كان ذا شهر عالمية، حسبه، ولا يكاد يخلو من الزبائن في الماضي، ، لا يزوره اليوم سوى بعض السياح من فترة لأخرى، من محبي الحرف التقليدية،و كذا بعض الباحثين و أفراد العائلات القسنطينية العريقة، ممن هاجروا إلى بعض الدول الأجنبية، أو استقروا في العاصمة، من بينهم السيدات اللائي تزوجن في العاصمة و يقمن بها، حيث أنهن يفضلن تزيين بيوتهن بقطع النحاس الأحمر، لاسترجاع ذكريات الماضي. و أضاف الحرفي أنه من خلال بحثه الدائم خاصة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، عن حرفة النقش على النحاس الأحمر في المغرب العربي، وجد أنها تقلصت بشكل كبير جدا، بل تكاد تكون نادرة، و قال أنه الحرفي الوحيد في المغرب العربي الذي لا يزال محافظا على هذه الحرفة، كما انه يجد صعوبة كبيرة في الحصول على المادة الأولية، وهي النحاس الأحمر، و يسعى بطرقه الخاصة، للحصول على ما يكفيه لصنع بعض الأواني، حسب الطلب.
و تابع المتحدث أن كل قطعة تستغرق منه وقتا معينا، لصنعها، يتراوح بين يومين إلى أسبوع، أو حتى شهر، باستخدام أدوات تقليدية بسيطة و تقنية دقيقة في تصميمها، تتطلب التركيز و التدقيق إلى أن تصل إلى شكلها النهائي، ليتم بعد ذلك تلميعها لتصبح جاهزة.
و أعرب عن أسفه لما آلت إليه صناعة النحاس الأحمر بقسنطينة، رغم أنها جزء هام من تاريخ المدينة العريق، لكن السواد الأعظم يجهل هذا التاريخ.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)