الجزائر

فِرية "الإرهاب الإسلامي"!



في البداية لا بدّ أن ندين بكلّ قوة، ومن دون أيّ تحفّظ أو تردّد، العملية الإرهابية البشعة التي وقعت قرب كنيس يهودي في العاصمة النمساوية فيينا وأفضت إلى مقتل 7 أشخاص؛ إذ ليس هناك ما يبرّر مثل هذه العمليات الوحشية المرتَكبة ضدّ الأبرياء من أتباع الديانات الأخرى، الآمنين في أوطانهم، ولا ريب أنّ مرتكبيها يُسيئون إلى الجوار، ويغدرون بمن استضافهم وآواهم ووفّر لهم العمل الكريم وأحسن إليهم حينما ضاقت بهم أوطانُهم الغارقة في الاستبداد والقمع والفساد. هي جريمة مدانة إذن وكلمة الحقّ يجب أن تُقال، ومن أراد أن يجاهد اليهود فليفعل ذلك مع الصهاينة في فلسطين ويترك يهود العالم غير المحاربين وشأنهم.لكنّ أن تصرّح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن ألمانيا تقف إلى جانب النمسا في حربها ضد "الإرهاب الإسلامي؟!"، لتسير بذلك على نهج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أطلق الوصفَ نفسه الأسبوع الماضي على عملية نيس، فهذا أمرٌ خطير يجب التوقف عنده والتحذيرُ من تداعياته ومخاطره.
التحقيقاتُ الأوّلية تقول إن الفاعل الرئيس في المجموعة الإرهابية التي ارتكبت جريمة فيينا، هو شابٌّ ذو أصولٍ ألبانية وُلد في النمسا ونشأ فيها، وهو من أنصار تنظيم "داعش" الإرهابي حسب وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر، وواحدٌ من تسعين متطرّفا نمساويا أرادوا في وقتٍ ما السفر إلى سوريا، ومع ذلك تركه الأمنُ النمساوي حرّا طليقا؟!
السؤال المطروح الآن: إذا كان هذا الشاب الألباني المتهوّر قد ارتكب هذا العمل الإرهابي وحده أو رفقة مجموعته، فلماذا تُحمّل المستشارة الألمانية وِزرَه للإسلام وتصفه ب"الإرهاب" والحال أنّ تعاليمه واضحةٌ في معاملة أتباع الديانات الأخرى؛ فهي تحرِّم قتل غير المحاربين لهم، وأن لا يقتلوا شيخا أو طفلا أو امرأة أو رجلا مدنيا أو راهبا أو عابدا في صومعته…؟
في السنوات الماضية كانت موضةُ تحميل الإسلام مسؤولية أعمال إرهابيين مسلمين، تقتصر على أحزاب اليمين المتطرّف في أوروبا والغرب، أما الآن فقد بدأت دولٌ أوربية كبرى وفي مقدّمتها فرنسا وألمانيا تتبنّى هذه التهمة الجائرة والخطيرة، غير عابئةٍ بما يمكن أن يخلّفه ذلك من تصاعدٍ للتوتّر مع 1.7 مليار مسلم في العالم، الملايين منهم يعيشون في أراضيها ويمكن أن يتعرّضوا لموجات اضطهادٍ غير مسبوقة وتتحوّل حياتُهم إلى جحيم على يد اليمين المتطرِّف الذي قد يفهم تصريحات قادة فرنسا وألمانيا على أنها ضوءٌ أخضر لهم وإطلاقٌ لأيديهم ضدّ المهاجرين المسلمين، ما يثير توتّراتٍ كبيرة في السنوات القادمة تنهي استقرار أوروبا.
لقد حدثت أعمالٌ إرهابية عديدة ضدّ المسلمين في أوربا وأمريكا وأوقيانوسيا، لنتذكر فقط مجزرة المسجدين في نيوزيلندا يوم 15 مارس 2019 التي ذهب ضحيتها 51 قتيلا مسلما و50 جريحا، لكنّ الدول الغربية التي وقعت تلك الجرائم على أراضيها كانت تستنكف حتى عن وصفها ب"الإرهابية"، وكانت "تُبدع" في إطلاق أوصاف غريبة على مرتكبيها ك"المختلين عقليا"، و"المجرمين" و"العنصريين المؤمنين بتفوّق العرق الأبيض"… وغيرها من الأوصاف التي تُبعد عنهم صفة الإرهاب، كما أنها لا تشير قطّ إلى ديانتهم، لأنها تريد أن يبقى الإرهابُ صفة لصيقة بالمسلمين والإسلام فقط!
لقد تفاءلنا منذ أيام ببداية تراجع ماكرون عن تصريحاته النارية ضدّ الإسلام وتركيزه فقط على "مكافحة التطرُّف والإرهاب الذي يعدّ 80 بالمائة من ضحاياه مسلمين"، لكنّ عدم تورُّع ميركل عن استعمال مصطلح "الإرهاب الإسلامي؟!" يؤكّد أنّ الدول الأوربية قد بدأت فعلا تتبنّى الإسلاموفوبيا كسياسةٍ رسمية، وهي ملّةٌ واحدة، وبعضُهم من بعض.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)