الجزائر

في مشاركة كبيرة و غير مسبوقة: جمعيات تُراهن على ورقة "الثقة" لكسب معركة التشريعيات



دخل العديد من النشطاء الجمعويين سباق التشريعيات المقبلة، متجاوزين بذلك دائرة الحياة المدنية إلى العمل السياسي، وهي نقلة لم تشهدها الجزائر بهذا الشكل القوي من قبل، ويرى متابعون أنها نتيجة طبيعية للإجراءات التي اتخذتها السلطات العليا لتعزيز مكانة المجتمع المدني، الذي استثمر في ثقة وخبرة اكتسبهما طيلة سنوات على مستوى القاعدة الشعبية، من أجل السعي للحصول على عدد أكبر من أصوات الناخبين.و قد وجد فاعلون بالمجتمع المدني في فتح باب الترشح واسعا أمام القوائم الحرة، فرصة للانخراط في النشاط السياسي الذي ظلت أحزاب تصنع مشهده منذ سنوات، فقد أعلن العديد منهم عن دخول سباق التشريعيات و أنشأوا صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الترويج لبرامجهم، وكان ذلك من خلال نشر صور و فيديوهات لنشاطات جوارية من الأحياء الشعبية إلى غاية القرى الأبعد عن الوسط الحضري.
و لا تعد هذه الخرجات الميدانية، أمرا جديدا على هؤلاء المترشحين الذين قدموا من منظمات و جمعيات و فيدراليات مختلفة، و ذلك على اعتبار أن نشاط العديد منهم كان يرتكز على العمل الجواري و موجها لفئات بعينها في المجتمع، و هي حقيقة يبدو أنها تمثل نقطة قوة تزيد في حظوظهم بالفوز بكرسي البرلمان، إذ استثمرت الجمعيات في قدرتها على التوغل داخل المجتمع و معرفة مشاكله عن قرب، من أجل خلق قاعدة انتخابية قد تجعلها قادرة على كسب عدد أكبر من الأصوات التي تؤهل أفرادها للوصول إلى قبة البرلمان.
و يرى متابعون أنه و بالإضافة إلى ما جاءت به التعديلات التي أدخلت على قانون الانتخابات و شجعت كثيرين على الترشح، فإن عودة المجتمع المدني للواجهة حفزّت ناشطيه على الانتقال من الحياة المدنية العامة إلى العمل السياسي، خاصة بعد الحراك الشعبي الذي فتح شهية العديد منهم للمشاركة في إحداث التغيير المنشود، و كذلك عقب تراجع في شعبية بعض الأحزاب.
عودة قوية للحياة العامة
و قد قررت السلطات العليا في البلاد إعطاء مكانة أكبر للمجتمع المدني الذي أخرِج من دائرته الضيقة ليكون فعالا أكثر في الحياة العامة، ومن الخطوات الهامة التي اتخذت في هذا المجال، كان استحداث المرصد الوطني للمجتمع المدني الذي أعطيت له صلاحية إبداء التوصيات و الاقتراحات في مجال ترقية مشاركته في وضع السياسات العمومية و تنفيذها، كما تتوسع المهام المسندة له لتشمل أيضا إبداء الرأي في مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بمهامه، بحسب مرسوم رئاسي صدر بخصوص هذه الهيئة في الجريدة الرسمية شهر مارس الفارط.
و من مهام المرصد التي تقترب كثيرا من العمل السياسي، المساهمة في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية و المواطنة، والمشاركة مع المؤسسات الأخرى في تحقيق أهداف التنمية الوطنية، و كذلك اقتراح تصور عام لدوره في التنمية الوطنية المستدامة و رصد الاختلالات التي تحول دون مشاركته الفعالة في الحياة العامة.
إضافة إلى ذلك، تم و لأول مرة في تاريخ الجزائر، استحداث منصب مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالحركة الجمعوية والجالية الجزائرية المقيمة بالخارج، حيث يتقلده نزيه برمضان الذي سبق وأكد أنه ينبغي على المجتمع المدني أن يساهم في تمتين المناعة الوطنية أمام التحديات و الرهانات، مستدلا بالدور الفعال الذي لعبه خلال الأزمة الصحية المترتبة عن تفشي جائحة كورونا، كما أعلن برمضان قبل أشهر عن ما أطلق عليه مبادرة نداء الوطن التي ضمت تكتلا لعشرات الجمعيات و جاءت، حسب المستشار، من أجل وضع رؤية واضحة لمستقبل الجزائر.
مساع لخلق «فعل سياسي مستدام»
عبد الرحمان عرعار رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل «ندى»، كان من أبرز الناشطين الجمعويين والحقوقيين الذين أعلنوا عن ترشحهم للانتخابات التشريعية ضمن قوائم حرة، حيث يقول للنصر إن ترشحه كان عن قناعة و بناء على رؤية استشرافية لبرنامج سياسي تبناه مع زملائه في شبكة "ندى"، وهو قرار أكد أنه لم يكن اعتباطيا، بل نتاج الحراك الشعبي و الهدف منه، مثلما قال، تنظيم الصفوف و خلق صدى و فعل سياسي مستدام، حسب وصفه.
و يرى عرعار أنه قد حان الوقت لكي تنتقل الجمعيات إلى مستوى آخر من العمل الذي يمثل استمرارية لما كانت تقوم به من قبل داخل المجتمع، حيث يضيف "انتقلنا إلى العمل السياسي و وضعنا له خارطة طريق بعدما أسسنا ديناميكيات قد تصبح أحزابا بعد 5 سنوات".
ويعتبر المترشح الحر، أن وصول الناشطين الجمعويين الأكفاء للبرلمان، سيضيف الكثير لهذه الهيئة التشريعية بالنظر إلى الخبرة التي يمتلكونها والتي قال إنها ستقدم الكثير من النقاشات الراقية و تلعب دورا في ممارسة الرقابة على عمل الحكومة، و ذلك موازاة مع المحافظة على فضاءات الجمعيات التي ستعطى فيها فرص للشباب و يتم تدعيمها، خاصة أنها «مظلومة و لا تحظى بالدعم"، وفق عرعار، الذي أضاف أن هذه مشكلة سوف تكون من القضايا التي ستطرح إضافة إلى مسألة تعديل القانون رقم 12/06 الخاص بالجمعيات.
و يرجع المتحدث المشاركة القوية وغير المسبوقة للجمعيات في الانتخابات التشريعية، لعدة أسباب قال إن أولها التحول السياسي في البلاد و الذي بدأ مع حراك 22 فيفري، ما أعطى الأمل في التغيير و المشاركة في صنع القرار، وفق تأكيده، ليتابع بأن جمعيات المجتمع المدني قادرة على أن تكون شريكا في المشهد السياسي والسياسات التنموية، في ظل نفور المواطنين من بعض الأحزاب.
كما يعد بوجادي محمد هشام، من الشباب الذين أعلنوا عن الترشح للتشريعيات وذلك ضمن القائمة الحرة "الازدهار"، بعدما قضى سنوات في المجتمع المدني، فقد مر على جمعيات طبية و بيئية و ثقافية وشبانية بولاية قسنطينة، وأسس عددا منها، كما يرأس منذ أكتوبر 2019 منظمة وطنية قيد التأسيس تحت اسم "المنظمة الوطنية للتنمية و التضامن و ترقية المجتمع المدني".
و يرى بوجادي أن للمجتمع المدني دورا هاما و أساسيا في ترقية المجتمع و المواطنة، كما أن الدستور يكفل له الحق في المشاركة في تسيير الشأن العام، فهو يعمل في إطار تلتقي فيه الشرائح التي تجمعها نفس الأفكار و نفس القناعات، حتى يتسنى له الدفاع عن القضايا المشتركة في إطار قانوني.
«احتكاكنا بالمواطن جعلنا نملك الكثير من الحلول"
و يضيف المتحدث أن المجتمع المدني يلعب كذلك دورا كبيرا في إيصال انشغالات المواطنين بطريقة نظامية إلى السلطات المعنية و يساهم في التحسيس، كما أنه يلقى تجاوبا من المواطنين لعدم وجود خلفيات حزبية أو سياسية، مؤكدا أن جائحة كورونا خير مثال على ذلك، حيث ساهم المجتمع المدني في لجان اليقظة التي قامت بعمل جبار يحكم الحجر المنزلي، حسب تعبيره.
ويعتقد المترشح أن نشطاء المجتمع المدني دخلوا سباق التشريعيات بسبب معرفتهم الكبيرة بالمشاكل التي يعاني منها المواطن، لذلك فإن لديهم، مثلما أكد، الكثير من الحلول، مما يسمح لهم في حالة وصولهم إلى المجلس الشعبي الوطني باقتراح مشاريع قوانين تساهم في حل الكثير من المشاكل، و إيصال انشغالات المواطنين المعيشية و الثقافية و الاجتماعية بداية من السلطات المحلية إلى أعلى السلطات في البلاد، كما أن أغلبيتهم كسبوا ثقة المواطن نظرا للاحتكاك المباشر و الدائم و اليومي معه، مثلما يخلص إليه السيد بوجادي.
أما السيد عبد الحكيم لفوالة، فقال إن قرار ترشحه جاء بعد تشاور بين أعضاء مكاتب فيدرالية جمعيات المجتمع المدني التي يرأسها بقسنطينة منذ أزيد من 5 أعوام، لكن نشاطه الجمعوي بدأ قبل ذلك بسنوات موازاة مع خوضه تجربة العضوية في المجلس الشعبي البلدي.و يعتقد لفوالة الذي اختار القائمة المسماة "الشروق" أن هذا المسار أكسبه خبرة تسمح له بتقديم الكثير للمجتمع، خصوصا و أنه ظل على احتكاك مباشر و على تواصل دائم بالمواطنين، كما أنه على دراية عميقة بمشاكله و انشغالاته، ما جعله يكتسب ثقة و قبولا لدى السكان من منطلق كونه ناشطا جمعويا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)