الجزائر

في‮ ‬رائعة‮ ‬الذرة الرفيعة الحمراء‮ ‬لمو‮ ‬يان‮ ‬



تجسد رواية‮ ‬الذرة الرفيعة الحمراء‮ ‬للروائي‮ ‬الصيني‮ ‬مو‮ ‬يان التي‮ ‬حاز عبرها على جائزة نوبل للآداب عام‮ ‬2012‮ ‬ملحمة الكفاح الصيني‮ ‬ضد الغزو الياباني‮ ‬في‮ ‬ثلاثينيات القرن الماضي‮ ‬من خلال مسار عائلة صينية فقدت كل ما تملك في‮ ‬سبيل الشرف والأرض والوطن‮. ‬وتعود هذه الرواية،‮ ‬التي‮ ‬صدرت لأول مرة عام‮ ‬1987،‮ ‬لذكريات طفل من الريف الصيني‮ ‬يستعيد بأسى وفخر وحنين التاريخ المجيد لعائلته وسكان قريته في‮ ‬مقاومة الغزو الياباني‮ ‬للصين قبيل الحرب العالمية الثانية‮. ‬ويبدو الكاتب في‮ ‬نصه شديد التأثر بريف قريته دونغ‮ ‬بي‮ ‬الواقعة بمدينة قاو مي‮ ‬بمقاطعة شان دونغ‮ ‬بشمال شرق الصين وخصوصا حقول الذرة الشاسعة التي‮ ‬كبر في‮ ‬أحضانها،‮ ‬وكانت مصدر ثراء لعائلته التي‮ ‬امتهنت صناعة النبيذ لأجيال‮. ‬ولهذه الحقول رمزية كبيرة أيضا لدى سكان قريته،‮ ‬فقد شكلت لسنين طويلة مصدر رزقهم الوحيد ومسرح أفراحهم وأقراحهم ومنبع حكاياهم وأساطيرهم اللامتناهية وكذا منبت ذاكرتهم الجماعية‮. ‬ويعود مو‮ ‬يان في‮ ‬روايته لأبرز من تركوا تأثيرا وجوديا في‮ ‬حياته بدءا بأبيه وجدته ومرورا بأمه وجده ووصولا إلى زعيم عصابة والده ورجالها الغريبي‮ ‬الأطوار‮. ‬لقد جمع الكاتب أحداث التاريخ‮ ‬الأليمة‮ ‬بغرائبية المجتمع الصيني‮ ‬ليقدم لنا لوحة سحرية تروي‮ ‬ما شاهده من معاناة وما روي‮ ‬له من عذابات وآلام أهل القرية وكذا حكايا أخرى عن ذاك الريف الجميل بجميع تجلياته‮. ‬وبقدر ما‮ ‬يفتخر مو‮ ‬يان بعادات شعبه القديمة،‮ ‬بقدر ما‮ ‬ينتفض أحيانا ضد بعضها على‮ ‬غرار المبالغة في‮ ‬نغمات النواح‮ ‬و مزاح الأعراس‮ ‬وكذا عادة‮ ‬شد قدم‮ ‬العروس‮. ‬وفي‮ ‬هذا،‮ ‬يقول في‮ ‬إحدى فصول الرواية‮ ‬لتسقط الأعراف الإقطاعية‮! ‬وتحيا حرية أقدام البشر‮! ‬فلكم تألمت جدتي‮ ‬بذلك الصنيع بقدميها‮ . ‬وتوسع أيضا مو‮ ‬يان في‮ ‬إبراز‮ ‬القهر‮ ‬الذي‮ ‬عاش في‮ ‬ظله الصينيون في‮ ‬ظل الغزو الياباني‮ ‬في‮ ‬أسلوب‮ ‬يعتمد تقنية‮ ‬الفلاش باك‮ ‬جمع من خلاله الوصف الدقيق لعمليات التعذيب بالكوميديا الساخرة والبطولات الشعبية الأسطورية‮. ‬ولا‮ ‬يختلف اثنان في‮ ‬مدى روعة هذ الإبداع الأدبي‮ ‬الذي‮ ‬ينقل القارئ إلى عوالم الصين عبر ثلاثة أجيال‮ (‬الإبن والأب والجدة‮)‬،‮ ‬غير أن العديد من النقاد عبر العالم قد قاموا بإدراجه ضمن تيار‮ ‬الواقعية السحرية‮ ‬الذي‮ ‬يتزعمه الروائي‮ ‬الكولومبي‮ ‬غابريال‮ ‬غارسيا ماركيز‮. ‬غير أن مو‮ ‬يان‮ ‬يعتبر أن أسلوبه الأدبي‮ ‬يدخل أساسا ضمن حركة‮ ‬أدب البحث عن الجذور‮ ‬التي‮ ‬ظهرت في‮ ‬الصين في‮ ‬الثمانينيات من القرن الماضي‮ ‬متأثرة ب الواقعية السحرية‮ ‬،‮ ‬حسبما كان قد صرح به ندوة بصالون الجزائر الدولي‮ ‬ال23‮ ‬للكتاب‮ (‬سيلا‮ ‬2018‮)‬‭.‬‮ ‬وينتصر مو‮ ‬يان لأبناء وطنه من الأدباء الصينيين معتبرا أنهم لم‮ ‬يقوموا ب‭ ‬التقليد‮ ‬،‮ ‬وإنما‮ ‬استقوا أعمالهم أساسا من حكايا وتاريخ القومية الصينية‮ ‬،‮ ‬مشددا على أن أعماله الأدبية ككل لا تدخل أصلا ضمن الواقعية السحرية،‮ ‬وإنما ضمن تيار أدبي‮ ‬صيني‮ ‬سماه هو‮ ‬واقعية الخيال والذي‮ ‬اعتبر أنه تحويل للخيال الداخلي‮ ‬إلى واقع،‮ ‬على حد قوله‮. ‬ويرى الكاتب على أن جل ما فعله خلال‮ ‬40‮ ‬عاما من التأليف هو تحويل الواقعية السحرية إلى واقعية الخيال،‮ ‬معتبرا أنه أسلوب أدبي‮ ‬صيني‮ ‬قديم‮ ‬يعتمد الغرائبية وقد قام بإحيائه جيل الثمانينيات‮. ‬وكانت الترجمة العربية لهذه الرواية،‮ ‬الواقعة في‮ ‬616‮ ‬صفحة من القطع المتوسط،‮ ‬قد صدرت عن‮ ‬المركز القومي‮ ‬للترجمة‮ ‬بمصر في‮ ‬2013‮. ‬ويعتبر مو‮ ‬يان،‮ ‬المولود عام‮ ‬1955‮ ‬بشمال شرق الصين،‮ ‬من أبرز الأدباء الصينيين المعاصرين وأكثرهم حضورا في‮ ‬العالم حيث تزيد أعماله عن ال80‮ ‬مؤلفا أدبيا بين قصة وقصة طويلة ورواية من بينها أيضا جمهورية النبيذ‮. ‬وتم تكريم هذا الروائي‮ ‬في‮ ‬افتتاح سيلا بوسام‮ ‬الأثير‮ ‬من طرف الوزير الأول أحمد أويحيى،‮ ‬والذي‮ ‬كان قد منحه إياه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة‮.‬


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)