الجزائر

في ذكرى رحيل الأستاذ والإعلامي الجزائري إبراهيم حاج إسماعيل



في ذكرى رحيل الأستاذ والإعلامي الجزائري إبراهيم حاج إسماعيل
في ثالث يوم من أيام عيد الأضحى المبارك، وهو الموافق ليوم الثلاثاء 12 من ذي الحجة الحرام 1432هـ / 08 نوفمبر 2011م، غادرنا في صمت الأستاذ والإعلامي إبراهيم حاج إسماعيل في باريس بفرنسا، وذلك بعد أسبوعين من مرض مفاجئ ألمّ به، فرحم الله الفقيد وألهم ذويه الصبر والسلوان “إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.. لمن لا يعرف الفقيد فهو المدعو “إبراهيم مولودية” إذا كان في أيام شبابه معلقا رياضيا في الإذاعة الوطنية، وكان شديد التعلق بفريق “مولودية الجزائر” إلى درجة أنه كان يفقد أعصابه أحيانا أثناء التعليق، خاصة إن ضيّع أحد اللاعبين فرصة سانحة للتهديف.. وقد كان سبب اعتزاله التعليق بالإذاعة الوطنية هو التعلق المفرط بالمولودية.. يعرف الفقيد في أوساط أصدقائه والأوساط الفرنسية وبخاصة السياسية والثقافية بـ “برامس” “Brams” وهي تعني نفسها “إبراهيم” ولكن كما يحبّذها المغتربون والفرنسيون من أصدقائه ومحبيه. وتربط بالفقيد الكثير من علاقات الأخوة والتعاون مع العديد من الشخصيات الوطنية المرموقة وبخاصة في المجال الثقافي والسياسي. نشأ الفقيد في الجزائر العاصمة وترعرع فيها هو وإخوته مسعود ويوسف وعيسى (حسيسن) وأختا وحيدة لهم، حيث كان والدهم “عمي يحيى” يملك محلا للجزارة في أحد أحياء الجزائر العتيقة.. لذلك تجده وإخوته يتقنون الفرنسية ويتكلمونها بطلاقة تماما كما يتكلمون اللهجة العاصمة بطلاقة أيضا.. ذكر لي الفقيد بأن والده استقدمه من الجزائر العاصمة في صباه ليدرس في معهد الحياة بالقرارة، وذكر لي بأنه في فترة مكوثه بالقرارة صادف أن جاء وفد فرنسي لزيارة الشيخ بيوض ـ رحمه الله ـ فاستدعاه الشيخ بيوض ليكون مترجما في الحوار الذي جرى بين الوفد والشيخ بيوض، واندهش الوفد الفرنسي واستغرب كثيرا من طلاقة لسانه وصغر سنه.. ولم يحدد لي الفقيد الفترة التي قضاها في القرارة وأحسب أنها دامت أشهرا. هاجر الفقيد بعد ذلك إلى فرنسا حيث واصل تعليمه إلى أن حاز على دكتوراه في علم الاجتماع، ثم اشتغل أستاذا بالجامعات الفرنسية لفترة من الزمن، لكن شغفه بالإعلام والدفاع عن حقوق العباد من المستضعفين كان توجهه وطموحه الكبير، وقد تشرّب تلك المبادئ ـ فيما نحسب ـ من “وكيل الأمة المزابية المفوض” المرحوم حاج امحمد عمر بن عيسى، وابنه باسعيد بن عمر بن عيسى، إذ كان يلازمه كلما زار مزاب يقتبس منه دروس الوطنية، وهي التي تميز بها “وكيل الأمة المزابية” وابنه “باسعيد” رحمهما الله، وكفاحهما لا يخفى.. كان لتلك التنشئة الوطنية الدفع القوي يعززها وجود الإدارة وتيسّر الأسباب.. جعلت الفقيد ينشئ إذاعة خاصة في فرنسا سماها “France Maghreb” تعنى أساسا بشؤون المغتربين.. وكان منزله وبعض المقاهي “الباريسية” المكان المفضل الذي يجتمع فيه وباستمرار مع أصدقائه من المغتربين الجزائريين يتباحثون شؤون الجزائر ويساهمون بما استطاعوا في تنوير العقول والتعريف بالجزائر في أوروبا.. وقد اشتهر الفقيد أيضا بمناهضته للعنصرية ضد الجاليات المغتربة في فرنسا وفي أوروبا عموما.. حتى أنه كان يتردد على بلدان إفريقيا السوداء لينقل آلام وآمال أبناء شعوب تلك “المستعمرات الفرنسية” سابقا إلى “مستعمريهم السابقين” (الفرنسيين)، عبر أثير إذاعته عسى المستعمر يصلح ما أتلفه يداه في تلك البلدان ويستغفر لذنبه بمد يد العون لها.. وقد أنشأ الفقيد لتلك الإذاعة فروعا أهمها فرع “مرسيليا” ويشرف عليه حاليا شقيقه “يوسف”.. ومن خصاله التي لا تخفى على كل من يعرفه، النزعة الوطنية الصارخة، وحبه لوطنه الجزائر الذي يفوق أحيانا حب الكثيرين ممن يقيمون بأرض الوطن ولا يأبهون بما حولهم، كما كان يعتز كثيرا بأصوله “المزابية” ويربطها رأسا بجنسيته الجزائرية وكان يعلنها وبافتخار لكل من يسأله عن أصوله الجزائرية. وكان يقدم بعض الحصص الإذاعية بالاشتراك مع أثير الإذاعة الوطنية الجزائرية. وقد نشرت له إعلانا في الأنترنت (ذات ماي 2008) ترك الفقيد ولدين اثنين هما سليم وسليمان، أما سليم فهو حاليا إطار سامي في إحدى بورصات “سويسرا” في حين أن سليمان باحث جامعي متخصص في التاريخ، وكان هذا الأخير لما التقيته في (أوت 2007) وأحسبها آخر مرة يزور فيها مزاب كان في مرحلة الماجستير، ولعله أنهى الدكتوراه منذ فترة. ترك الفقيد عملا روائيا هو: “l’étrangère de Tipaza”، وقد بيعت هذه الرواية بإهدائه فيما أتذكر سنة 2005 “بمكتبة العالم الثالث” والتي تقع بساحة الأمير عبد القادر، وسط الجزائر العاصمة. أنشأ الفقيد في السبعينيات من القرن الماضي فندقا صحراويا “hôtel Nomade” في منطقة “أوريغنو” 15 كم شمال غرداية، خصصه لاستقبال السياح وراحة للمسافرين (لما كانت السيارات غير سريعة في تنقلها)، وما بقي منه هو بناية مربعة الشكل على يمين المسافر المتجه إلى الشمال غير بعيد عنها “حاسي أورينغو”.. ذكر لي الفقيد في إحدى (إيمايلاته) أنه يعتزم تنظيم مقابلة كروية يجمع فيها قدماء تلاميذ “مدرسة العطف القديمة” (الشيخ إبراهيم بن مناد الزناتي) حاليا، يدعو إليها معلميها القدماء من الفرنسيين.. ويعقدها في الملعب البلدي بغرداية. كان تجمع بالفقيد صلات التعاون والتآزر مع منتدى “أعرباز” بالعطف، وهنا جلسة في إحدى زياراته للبلدة، في صيف 2005، من اليمين إلى اليسار: ي.بن بهون، سماوي يوسف، حاج امحمد محمد، الفقيد ابراهيم حاج اسماعيل، بن يوسف محمد، تاريخ الصور: 01 أوت 2005، تحت “برج أمّي زكري”. لقد ورث الفقيد وإخوته جنانا في واحة أولوال، عن والدتهم الراحلة “عشون اسماعيل بن بهون” ونحن أبناء عم من ناحية والدته، وتقع أرضهم في “بوعلوش” و”باعبي” مجاورة لبساتين الإخوة “قاسم بن يهون” وعيسى ابن بهون “ثم “سليمان بن بهون“ و”محمد بن بهون” هذا الأخير هو جدي ـ رحمه الله ـ  وقد كان الفقيد يطمح إلى استصلاح تلك القطعة وخدمتها وغرسها بالنخيل والأشجار إذا عاد إلى وطنه، لكن التزاماته الكثيرة في ديار الغربة أخذت كل وقته، ومع ذلك كان لما يزور مزاب لا يتأخر في زيارة “أولوال” واستنشاق عبير نسيمه العليل، وصدق من قال قديما: “أولوال لاش غرس أوال” ومعنى ذلك “أولوال يأسر الألباب ويخرس الألسنة عن الكلام”. آخر مرة التقيت فيها الفقيد كانت يوم الأحد 30 جانفي 2011 في دار عشيرة آت الحجاج، وذلك في “ختمة القرآن” على جدته الراحلة :بخيلة بنت بهون حاج امحمد (والتي توفيت عن عمر يناهز 102 سنة) وصادف وفاتها وختمتها ـ رحمها الله ـ سقوط الأمطار التي غابت طويلا عن البلدة.. (نقلا عن مذكراتي اليومية). ماذا بقي من تلك الذكريات قد يصل إلينا مستقبلا كمذكرات وكأوراق من بعض من عرفوه وعاشروه في فرنسا، قد يتصدى بعض إخواننا الإعلاميين إلى إعداد (بورتريه) عن حياته وآثاره. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وألهمنا وذويه الصبر والسلوان. إنّا لله وإنّا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. بقلم: أ.يحيى بن بهون حاج امحمد 


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)