الجزائر

في ذكرى رحيل أب الرواية الجزائرية



في ذكرى رحيل أب الرواية الجزائرية
تحل اليوم الذكرى الرابعة لوفاة الكاتب الجزائري الطاهر وطار، فقد توفي في 12 أوت 2010 عن 74 عاماً حفلت معظمها بالإنتاج الأدبي والمواقف النضالية الصامدة في وجه كل محاولات زحزحتها، وامتاز وطار بعدة ميزات وضعته في مقدمة الكتاب الجزائريين والعرب في النصف الثاني من القرن الماضي، منها أنه كاتب مناضل يقول ما يعتقده ويتشبث بمواقفه غير عابئ بما يجلبه عليه ذلك من أضرار، ما جعله ينخرط في الثورة الجزائرية، ويشارك في النضال بقلمه منذ وقت مبكر من عمر الثورة، ومنها تشبثه بمبدأ الديمقراطية كسبيل وحيد لتحقيق مجتمع السلم والأمن ونبذه للدكتاتورية والاستبداد والطائفية العرقية والدينية والسياسية، في وقت عانت فيه الجزائر صراع هويات على جميع المستويات، وسال فيه حمام من الدم الجارف، وأصبحت الاغتيالات والمواجهات هي السمة الغالبة، وقد دفع وطار ثمن هذا التشبث بمبادئ الديمقراطية فعاداه الجميع وانتبذ وهمّش من كل الأطراف، لكنّه ظل راضياً بمواقفه منسجماً مع مبادئه.من ميزات الطاهر وطار أيضاً أنه أحد رواد الأدب العربي الحديث في الجزائر، وهو المؤسس الحقيقي الذي اضطلع بمهمة تأصيل الرواية المكتوبة باللغة العربية في الأدب الجزائري، ولم تكن الرواية معروفة لقرّاء العربية، ورغم أنه سبقته محاولات من كتّاب آخرين إلا أن وطار تفرد بجعله الكتابة الروائية مشروعاً متواصلاً على مدى عقود، واتخاذها أداة من أدوات مواجهة سيل الأدب الفرانكوفوني الذي كان طاغياً وقامعاً للأصوات العربية، وكانت النتيجة إحدى عشرة رواية غاصت في قضايا وطنه، فرصدت حركة التحرر والنضال ضد المستعمر وبطولة الشعب الجزائري الخالدة، وحللت الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاغتيالات والفتن التي شهدها وطنه في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وكان في كل ذلك الكاتب الحاذق الذي يحلل الواقع، وعينه على الإنسان المسكين الضعيف الذي تطحنه رحى الحروب والخلافات السياسية والمذهبية ومطامع المتنفذين الظلمة، وقد عكست ذلك روايته الأولى "اللاز" 1974 حيث عالجت اختلاط المجتمع وتبدل قيمه، وانتشار قيم الذاتية والفردية، وفي روايته "الزلزال" 1974 عاين الصدام العميق بين الثورة والمناوئين لها، فيما ركزت رواية "الحوات والقصر" 1975 بأسلوبها الأسطوري على غياب العدل، وتعود رواية "عرس بغل" 1978 إلى الماضي للبحث عن حل لمشكلات الحاضر، وفي رواية "الشمعة والدهاليز" عام 1996 يقدم صورة عن الإنسان والمجتمع الجزائري في بداية التسعينات والظروف النفسية وظروف الريبة والقلق وغياب المبادئ لدى الأفراد والجماعات ما أشاع أجواء الخلاف، وأدى في النهاية إلى سيل الدماء الذي جرف الجزائر على مدى عقد من الزمن.في استعادة الطاهر وطار تأكيد معاني حرية الكاتب واستقلاله وترفعه عن الخلافات الضيقة والاصطفافات الصغيرة، وإيمانه بالديمقراطية ومجتمع السلم، وانحيازه للمظلومين والمستضعفين، وتوجهه ببوصلته إلى كل ما هو أصيل وإنساني في ثقافته، وفي استعادته تأكيد الاستمرار والتطوير سبيلاً إلى الإبداع.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)