الجزائر

في دراسة للباحثة “سامية شويعل" حول التربية الخاصة



نحو اعتماد مقياس التدخل العلاجي لتعديل سلوك الأطفال المعاقين ذهنيا

صدر عن المؤسسة العربية للاستشارات العلمية وتنمية الموارد البشرية، بالتنسيق مع المكتبة العصرية، كتابا للدكتورة “سامية شويعل”، أستاذة الكشف التشخيصي لذوي الاحتياجات الخاصة بجامعة الجزائر، بعنوان؛ “التدخل العلاجي في قياس وتعديل سلوك الأطفال المتخلفين عقليا”. وهو المؤلف الذي يقدم نظرة جديدة للتعامل الأمثل مع الأطفال المتخلفين عقليا، بهدف تعزيز التربية الخاصة لدى هؤلاء
جاء الكتاب في 302 صفحة مقسما إلى ستة فصول، خصصت الدكتورة الفصل الأول لمفهوم التخلف العقلي الذي حددت له ستة تعاريف للإلمام بالمفهوم من كل جوانبه، وكذا لتوضيح الزاوية التي تتناول منها مؤلفها الذي يقوم في واقع الأمر على أطروحة الدكتوراه في علم النفس، ناقشتها نهاية 2007.
تقول الدكتورة في حديث جمعها ب”المساء”؛ إن كتابها هو إعداد لبرنامج هو الأول من نوعه في الجزائر حول السلوك التكيفي للأطفال المتخلفين عقليا. وقد ارتكز البحث على ثلاث عينات لأطفال أعمارهم تتراح بين 6، 7 و9 سنوات، ويهدف إلى تعديل السلوكات غير المرغوب فيها لديهم، وبصفة أدق، تعديل سلوك الذهاب إلى المرحاض والاتكال على أنفسهم في ذلك وفي التنظيف أيضا. ويعتمد الكتاب في تقديمه لهذا السلوك، على إكساب الطفل المعاق ذهنيا مهارة الاعتماد على نفسه منذ لحظة الإحساس برغبة الطرح (أي التبول) إلى الخروج من الحمام، بالاعتماد على نفسه 100 بالمائة.
تخص دراسة العينات الثلاث على قيام الباحثة باستخدام منهجية البحث ذات المنحى الفردي والتصميم “اراب”، وتخص الحالة الأولى الطفلة منال ذات التسع سنوات، التي أحيلت للتقييم السيكولوجي بسبب الصعوبات الكبيرة في التحصيل الدراسي في كل الميادين، حيث أعادت السنة الأولى ثلاث مرات، وتم إخراجها من المدرسة بعد ذلك.
منال أصيبت بالتهاب القصبات الرئوية وحمى شديدة، ولكنها عولجت، وبقيت تعاني من تأخر على مستوى النمو النفسي الحركي، ولم تتمكن من الكلام إلا بعد سن الثالثة.
الطفلة، حسب دراسة لحالتها، تدرك الخطر وتحب اللعب، ولكنها تعاني ضعفا في التحصيل الدراسي، وهي ضعيفة جدا في القراءة والحساب، بحسب معلميها، بالإضافة إلى أنها تعاني من عدم اكتساب نظافة الإخراج وعدم التحكم فيه.
تشير الباحثة سامية شويعل في كتابها، إلى أن منال كانت بحاجة إلى مساعدة فردية مكثفة في كل الميادين، وقد طبقت عليها مجموعة من المهام المعرفية التي تقيس مبادئ معرفية نهائية (القياسات المعرفية ليياجي) التي عادة ما يتقنها أغلبية الأطفال في سنها.
بعد تأكيد أم منال أن البنت لا تقوم بالطرح داخل المرحاض، وإنما في ملابسها، والتأكيد على أنها لا تعاني من أي خلل عضوي، بحسب التحاليل، أخبرتها الباحثة برغبتها في تطبيق مقياس تعديل السلوك على منال، فرحبت الأم كثيرا بذلك، وتشير الباحثة إلى أن مشاركة الأهل في تطبيق المقياس مهم جدا، لتكون المشاركة فعالة، كما تفرضه خطة البحث.
وبعد شرح الخطة للأم وتقديم جداول لتسجيل المعطيات أو معلومات عن أوقات طرح البنت، عادت الأم بعد أسبوعين مرفقة بالجداول، بعد ما سجلت عليها كل المعطيات. وهنا تشير الباحثة في كتابها إلى أن المرحلة الثانية من الخطة التجريبية بينت أن طرح البنت المعاقة ذهنيا لم يكن منتظما، فأرشدت الباحثة الأم إلى اختيار فترتين في الصباح والمساء تتبرز فيهما منال. وبعد أسبوع، لاحظت الباحثة أن الطفلة أنقصت من تبرزها في ملابسها، وهي قادرة على الدخول إلى المرحاض بمفردها، وكانت النتيجة مرضية، ومفرحة بالنسبة للأم.
واستمرت الباحثة في جلساتها التعليمية والتدريبية للأم ولمنال، وفق مقياس التعديل السلوكي، وبعد 17 جلسة من التقييم لسلوك منال وتطبيق مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي، توصلت الباحثة إلى تحسّن نوعي إيجابي في سلوك منال للتربية الصحيحة، فقد أحرزت البنت تحسنا على مستوى عامل المسؤولية الشخصية الاجتماعية، نظرا للارتفاع الذي سجلته على مستوى مجالي التوجيه الذاتي. كما ظهر انخفاض ملحوظ على مستوى درجات مجالات العدوانية والسلوك الاجتماعي والتمرد. وهذه نقاط إيجابية تشير إليها الباحثة.
الحالة الثانية المدروسة تخص الطفل مهدي ذي الخمس سنوات، المصاب بمتلازمة داون “تريزومي21”. مهدي ولد معاق، لوحظ عليه بعض التأخر على مستوى النمو النفسي الحركي، وهو لا يدرك الخطر وغير قادر على تركيب الجمل.
عند تطبيق مقياس الدراسة، شاركت فيه خالة مهدي، كونه يعيش عندها، إذ أكدت الخالة أن مهدي أصبح يخبرها برغبته في الذهاب إلى المرحاض، بعد ما يكون قد قام بالطرح على ملابسه. وبعد تطبيق برنامج التدريب باتباع نفس الخطوات مثل البنت منال، أي باستعمال الجداول وتدوين مواقيت الطرح وتحديد جلسات برنامج التدريب بانتهاج نفس الخطوات المتبعة عند الطفلة منال، توصلت الباحثة إلى نتائج اعتبرتها إيجابية جدا، فمهدي بعد ثلاث جلسات علاج فقط أصبح يطلب الدخول إلى المرحاض ولا يبلل ملابسه وحفاّظاته، في حين كان في السابق لا يشير إلى رغبته في دخول المرحاض إلا بعد فوات الأوان، بل أصبح يرفض الحفاظات ويحاول قدر الإمكان الحفاظ على نظافة ملابسه. وهذا مؤشر إيجابي جدا. وبعد انتهاء 18 جلسة وإعادة تطبيق مقياس السلوك التكيفي أربع مرات على مهدي، فإن النتائج المتحصل عليها بشهادة خالة مهدي كانت جد رائعة، إذ تغير مهدي 100 بالمائة. وتشير الباحثة هنا إلى أن كلام الخالة أرفقه بكاء شديد إثر فرحة عارمة لهذا التغيّر، فبعدما كان مهدي طفلا غير مستقل، تابع لأفراد الأسرة حتى في أبسط الأمور، أصبح يستطيع التعبير عن حاجاته بالإشارة أو بإصدار الأصوات. كما أنه أصبح يعتمد على نفسه ويحاول القيام ببعض السلوكيات التي لم يكن يفعلها من قبل، حتى أنه يظهر لأفراد العائلة بأنه طفل قادر على أداء المهام مثلهم، وأنه أصبح كبيرا.
وتشير الباحثة في هذه النقطة بالذات، إلى أن مخلفات هذا البرنامج التدريبي على نظافة الإخراج وتعلم اللعب على سلوك مهدي، كانت جد واضحة، مؤثرة ورائعة.
أما عينة الدراسة الثالثة، فهي للطفل ينيس ذي ال 6 سنوات، المصاب بمتلازمة داون كذلك. وهو كغيره من العينات السابقة، كان يعاني من عدم اكتساب نظافة الإخراج والذهاب إلى المرحاض من تلقاء نفسه، شاركت الأم في البرنامج الذي استمر على مدار 19 جلسة بنفس الصيغ السابقة، أي جداول مع تدوين الملاحظات الدقيقة حول سلوك ينيس وأمر الإخراج. وبدأت أولى النتائج تظهر بعد الجلسة الثالثة، حيث اكتسب الطفل وقتا محددا للتبرز، كما أنه أحرز تقدما ملحوظا في عدم تبليل ملابسه بعد تطبيق مقياس سلوك التعديل. واستمرت جلسات العلاج وظهرت النتائج إيجابية في مبادرة ينيس في العمل، عكس ما كان عليه في السابق، حيث أصبح يحافظ على نظافة ملابسه وتخلى عن الحفاظات، مما جعله أكثر استقلالية، كما أصبح أكثر تلقائية في سلوكياته ويطلب الدخول إلى المرحاض وحده، كما تحسن وعي الأم تجاه طفلها.
هنا تشير الباحثة إلى أنه، رغم أن وتيرة التعلم عند ينيس كانت بطيئة جدا بالنسبة للنظافة والبرامج الأخرى، إلا أن أثر التدريب كان واضحا عليه، والتغيرات النفسية بارزة عليه، والأم كانت واضحة مقارنة بما كانت عليه في السابق.
وكاستنتاج عام لدراسة الثلاث حالات، يظهر جليا أن البرنامج التدريبي ترك أثرا إيجابيا عند جميع الحالات، من خلال التغيّر الإيجابي الذي طرأ على أداء الحالات الثلاث على مستوى السلوك التكيفي، بعدما تم إخضاعهم لفترة من التدريب على النظافة، بالذهاب إلى المرحاض.
في الأخير، قدمت الباحثة الدكتورة سامية شويعل في مؤلفها، خلاصة عامة حول برنامج التربية الصحيحة للأطفال المتخلفين ذهنيا، ويمكن القول بصفة عامة؛ إن النتائج التي تم التوصل إليها صادقة بالدرجة التي وفرتها عينة الدراسة، ويمكن للمقياس أن يعتمد بدرجة أفضل إذا طبق على عينات أكبر من الأسوياء والمتخلفين عقليا.
وعن مؤلفها، تقول الدكتورة؛ “إنه يقدم الكثير للطلبة الباحثين في ذات التخصص، فهو مبني على أسس علمية لتدريب الأطفال ذوي الإعاقة العقلية الخفيفة، لتعديل بعض السلوكيات غير المرغوب فيها.
جدير بالإشارة إلى أن جامعة الجزائر 2، تقدمت بطلب من المؤسسة الناشرة بمصر لشراء المؤلف وإثراء المكتبة الجامعية به.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)