الجزائر

فيلم «فتاة سحرية» يجمع الرغبة بالابتزاز



فيلم «فتاة سحرية» يجمع الرغبة بالابتزاز
شكل فيلم «فتاة سحرية» مغامرة جديدة في حقل السينما الإسبانية، وتميز بطرحه تنوّعا جديدا بأسلوبه الغامض وبدهاء فني في التطرّق وتعميق النقاش للعبة السلطة والهيمنة وثنائية الرغبة والابتزاز، وتمكن من الاستحواذ على انتباه المشاهدين حتى نهايته.فيلم «فتاة سحرية» هو ثاني فيلم طويل لكارلوس بيرموث، ويحكي قصّة لويس، وهو أستاذ فقد عمله وله ابنة تدعى أليسيا، مريضة بسرطان الدم، تحلم باللباس السحري ليوكيكو فتاة مسلسل الياباني، ويفعل الأب كل ما في وسعه لتحقيق حلم ابنته، وتشاء الصدف أن يلتقي بباربرا، امرأة متزوجة من طبيب نفسي، تعاني من اضطرابات نفسية، حيث سيقيم معها علاقة، وسرعان ما يحكمها الابتزاز المالي، لكن ظهور داميان، أستاذ متقاعد، الذي ظل أسيرا لماضيه العاصف مع باربرا منذ أن كانت تلميذة في فصله، يحاول إنقاذها من الابتزاز الذي تسبب لها في انهيار عصبي وأضرار جسدية.اختار المخرج لقطة نهاية الفيلم كما بدأه، لكن بوجود فارق في تموضع الشخصيات وفي موضع التصوير وعمر الفتاة، والأهم من ذلك التأكيد على الانتقال الضدي، لأن لعبة الإخفاء التي مارستها باربرا وهي تلميذة أمام أستاذها كانت تسخر منه سيتمكن الأستاذ بعد خروجه من السجن الذي وجد نفسه معلقا بتلميذته التي أصبحت امرأة متزوجة وفعل ما رآه ممكنا لإنقاذها في المستشفى بعد أن حكت له سبب نكبتها، حيث قام بتتبع الرجل الذي يقوم بابتزازها وهدفه محو كل ما يدينها ويتعلق الأمر بهاتفه المحمول الذي سيتعرض للإخفاء تماما، كما فعلت باربرا مع الورقة، وهنا تظهر حنكة المخرج في الاشتغال على المقدمة والنهاية وتمكنه من الرموز، فالورقة ستصبح معادلا للهاتف المحمول، والإخفاء هو رمزية سحرية للدلالة على أزمة الشاهد.وضم الفيلم ثلاثة عناوين رئيسية مرتبطة بشخصيات الحكي، العنوان الأول وهو «إيل موندو» أي العالم ويحاول فيه المخرج أن يقربنا من عالم الأب وطفلته ليحدثنا عن واقعهم المعيش، والثاني «دومونيو» أي الشيطان وفيه نقترب من عالم باربرا وظروفها وكيفية التقائها بالرجل الذي يبتزها ويجعلها ترضخ لعالم الشيطان المتمثل في الطبقة الراقية التي تهدف إلى إشباع رغباتها المرضية، مقابل دفع المال، حتى إن اقتضى ذلك إلحاق أضرار جسيمة جسديا ونفسيا، ويبقى «كارني» أي اللحم مرتبطا بتداعيات الذي نتعرف على عالمه بعد اختفائه من اللقطة الأولى فنشاهده يرفض الخروج من السجن لأنه أسير عالم باربرا.وما يجمع هاته العوالم الثلاثة هي السلاسة في الانتقال من عالم إلى آخر، وذلك عبر استعمال الاسترجاع والتركيب الموازي إذ يقوم المخرج بتقديم شخوصه ويربط مصائرها، مستعملا وقف الحركة إلى حين الحكي عن الشخصية الأخرى ثم الرجوع إلى نقطة الالتقاء، فتوقيف اللقطة لا يشكل قطيعة، بل استمرارا لما يأتي وتتمة له... ويظهر ذلك جليا أمام متجر فاخر وسقوط مخلفات قيء باربرا من أعلى المبنى، عندها ينقلنا المخرج إلى عالمها ليواصل حكيه حتى سقوط القيء ليتم مشهد السرد الفيلمي، وهنا نتعرف على قوة السرد وسلاسة التقطيع الفيلمي المعقد.ففي الفيلم يقوم بتأزيم شخصياته وتعقيد عالمها الخاص ويرغم المشاهد على تتبع الفيلم واستفزازه عبر إثارة عواطفه أحيانا واستيائه بل إرغامه فيما يأتي أحيانا حتى وإن تعلق الأمر في الشروع في القتل، ويعتمد بيرموث في إدارة ممثليه على عنصر تغييب المعلومة، فهو لا يتكلّم عن ماضي شخصياته، بل يجعل من قوة الحكي داخل الزمن الفيلمي طريقه في بناء أحداث الفيلم التي تتعقد تدريجيا ليتركنا في حيرة من أمرنا فحتى عند المشاهد الأكثر عنفا يجعلنا نتساءل دون أن يقدم أي تبرير هل بإمكان الشخصية أن تفعل هذا؟ووظف كذلك أسلوب اللامرئي الذي يصبح مرئيا بقوة الفعل التي تدفع حيرة الخيال إلى تجاوز الغموض والحجب، فمثلا عندما تريد باربرا الدخول إلى إحدى قاعات البناية الفخمة حيث تختلف كل بناية عن أخرى حسب المقابل المادي يظهرها لنا منهارة، ليدع خيالنا يسائل ماذا وقع بالضبط؟ وفي اللقطة التي يحاول قتل الطفلة، سمعنا الطلقة ولم نر جثتها ليجعلنا خارج مجال حقل التصوير مما يجعل اللقطتين اللامرئيتين حاضرتين بقوة الغياب.من خلال فستان الدمى يغزل بيرموث خيوط حكايته ليقدم نسيج شخصياته التي تحاول عبثا العيش في عالمها الخاص لكن تجد نفسها مجبرة على الاشتباك بالأطراف الأخرى عن طريق الصدفة والغرابة لتجد نفسها أمام عقدة كبرى لم يعد بإمكان المخرج التحكم فيها ويجعلها تنطلق مفتوحة على اللانهائي الذي يفضي إلى الانهيار والقتل.ويمزج الفيلم ما بين الدراما والرعب الذي سرعان ما تتحول فيه قمة المأساة إلى كوميديا ساخرة تنتقد الأزمة بطريقة فنية عبر تأزيم الشخصيات وجعلها تتلاقى دون سبق إصرار. ووظف المخرج لقطات مقربة ومكبرة ومتوسطة للتركيز على ملامح الوجه والمزاج النفسي والفضاء المعيشي اليومي حتى يقربنا أكثر منها وليجعلها تتحدث عن نفسها دون الحاجة إلى تقديم ماضيها، كما يشكل الفيلم نقدا للأزمة الاقتصادية التي تعيشها الطبقة الوسطى التي ستصبح إثر الابتزاز فريسة للطبقة المخملية التي تعرف كيف تشبع رغباتها البشعة.وينتقد الفيلم الأزمة السياسية التي تمرّ بها النخبة السياسية والمثقفة، عندما يصبح كتاب الدستور الإسباني أداة تستعملها باربرا لترك المال للرجل الذي يبتزها، مشيرا إليها بأنه الكتاب الأضمن لأنه مهمل.استفاد بيرموث من تجربته كرسام كاريكاتير ومصور رسوم المتحركة، ولعل حضور والاستعانة بفستان يوكيكو الياباني ليعلق عليه شماعة السرد الفيلمي وحضور لعبة اللغز، حيث يحاول داميان جاهدا إتمامه في الوقت الذي يلاحظ فيه حاجته إلى قطعة ليتمه بعد أن سقطت عندما كان لويس أمام متجر للمجوهرات، مما يحيلنا على تقاطع مصائر الشخصيات التي عرف بيرموث كيف يحاورها ويخرجها من الورق لتمشي في عالم الخيال الواقعي لأنه يحب الشخصيات أكثر من إطارات التصوير.الفيلم يشكل لعبة سردية في نهاية المطاف وقطعه تتماهى مع لقطات الفيلم وتمثل القطعة الغائبة دعوة للجميع من أجل ألا يقع ما يهزّ المشهد الفيلمي برمته نحو الخلاص من المبتز، بل من التخلص من الحاضرين في موقع الحدث، عندما قتل داميان لويس اضطر إلى قتل النادل وأحد الزبناء وعند صعوده للمنزل قصد أخذ الهاتف سيضطر إلى قتل الفتاة.فالقتل المادي لم يكن ترفا أو للتأكيد على جنس الفيلم الذي يستعصي على التصنيف، بل كان قتلا رمزيا للشهود حتى يترك النهاية مفتوحة على السحري وتزكية للغرائبي في الفيلم الذي يمثل الواقع حتى إن بدا غير مألوف، خاصة في اللقطة التي تحمل فيها باربارا الرضيع بين ذراعيها وتقول كيف سيكون وجه الأبوين عندما ترمي به من النافذة؟ويمكن اعتبار شخصيات الفيلم وإن اختلفت في بنائها الدرامي لكنها شكلت وجها متعددا للأزمة، فلويس (لويس بيرميخو) مثل صورة الأزمة اقتصاديا وباربرا ( باربارا ليني ) التأثير النفسي لها وداميان (خوسيه ساكريستان) الضمير الأخلاقي المستلب الإرادة وتمثل الطفلة أليسيا (لوثيا بويان) نتاج الأزمة وضحيتها الطارئة فيما تمثل البناية الفخمة الوجه البشع.لقد شكل ملصق الفيلم الذي يمثل قلب شخصياته من خلالها المجتمع الإسباني في مرآة مجزأة نتيجة أزمة نفسية ألمت به والتي عكست أزمة اقتصادية كان لها وقعها على مجريات أحداث السرد، لتجعلنا نشارك في البحث عن القطعة الغائبة من لعبة اللغز حتى لا يقع الأسوأ.وحصل الفيلم عند مشاركته في مهرجان «سان سيباستيان» في دورته ال62 على القوقعة الذهبية والقوقعة الفضية لأحسن إخراج وأحسن تصوير سينمائي، وفازت باربارا ليني خلال الدورة ال29 لجوائز غويا على جائزة أفضل ممثلة.وفي جوائز فيروز، لأفضل الأفلام السينمائية الإسبانية التي تمنحها جمعية الصحافيين السينمائيين، نال خوسيه ساكريستان لقب أفضل ممثل، وباربارا ليني أفضل ممثلة، وعادت جائزة أحسن سيناريو لكارلوس برموث وجائزة أفضل ملصق، كما فازت باربرا أيضا بأحسن دور نسائي في مسابقة خوسيه ماريا فوركي، التي تمنحها هيئة إدارة حقوق منتجي السمعي البصري الإسبانية.Share 0Tweet 0Share 0Share 0




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)