الجزائر

فضاء القصة



فضاء القصة
موجوعة يا أمي ... موجوعة ... سامحيني ... بدل أن أقبل رأسك ... سأقبل قدميك ... " وانطرحت أرضا،و طفقت تقبل قدمي والدتها وهي تشهق من شدة البكاء و الانكسار والضياع ولم تنتبه إلاّ بعد أن طوقتها والدتها بكلتا يديها وسألتها وهي تمسح دموعها وتمشط شعرها و تهدهدها كطفلة في المهد " ما بك يا قطعة مني ... خبريني يا صغيرتي ... من غيري يخفف عنك،"لم تزدها كلمات والدتها،إلاّ انكسارا ووجعا و خبأت رأسها عندها و زاد ضياعها ...فتحت عينيها مع تباشير الصّباح،سألتها والدتها وهي تزيح الستائر عن النافذة " ... كيف أصبحت صغيرتي الحلوة ؟! "" أصبحت أحبك يا أروع أم ... أين كنت من هذا الكم الهائل من الأمان و الحب و الحنان ... يكفيني أمانك لأكون ... يكفيني وجودك ... ياه يا أمي كم كنت بحاجة لأتكلم،لأفضفض لأبكي و أشكي ... كنت مقيدة ... مكبّلة ... كلامه كان كسمّ حية رقطاء يسري في دمي،كلامه كان كالوسواس القهري يذهب و يجئ في أذني،كقطرة ماء اتخذت من أعلى رأسي موقعا وراحت تسقط الواحدة بعد الأخرى لمدة عام ... نخرت عقلي نخرت جسدي ... لماذا تحملته ... لماذا ... أتراه سحرني ... أجل سحرني ... كلامه كان كالطلاسم ... سطوته بأنّه قادر ولا قادر إلاّ الله ... جعلني تائهة ... مقعدة و كأنّه شلل رباعي بل خماسي لأن إدراكي للأمور تجمّد معه هو لطالما قلت في نفسي ... ربما أنا أحلم ... أجل أحلم ... و تختلط بداخلي صور مهرّبة من أفلام عن المافيا في أمريكا ... هو السفّاح و أنا الضحية و بدل أن يرديني قتيلة بطلق ناري بين عينيّ ... يتلذذ بتعذيبي إلى أبعد الحدود ... يقتلني على فترات و على مراحل ... قتل فيّا الإحساس بالأمان ... قتل فيّا الثقة بنفسي و بالآخرين ... حرمني فرصة التمتع وعيش اللحظة حرمني حياتي ... جعلني أحتقر نفسي و لا أراه إلاّ هو مُخَلِصًا لي ... تعلقت به مرضيا لأعوض عن فقدي لوالدي و أنا طفلة ..." لا ... لا يا ابنتي،لا أريد مزيدا من الدموع ... لا تبكي ... نفذي قرارك لترتاحي،هذا أفضل حل لكليكما ... "" سأتصل به ... نفذ صبري ... " بعد أن اتخذ خطيبها مجلسه،اعتذر أخوها بحجة أنّ لديه عمل حتى يأخذ راحتهما في الحديث ... " ... ماذا هناك ... ما خطبك ... لقد أرعبتني مكالمتك ...؟! "،" لا أعرف كيف،لا أعرف ماذا سأقول لك ..."جف ريقها وهرب صوتها و هي تحاول أن تتكلم ... استشاط غضبا و صرخ في وجهها " ... ماذا هناك ... هيا تكلمي ... نفذ صبري ..."بمجرد سماعها لعبارة "نفذ صبري ..." نطقت بكل جرأة ... " ... لا أريد الزواج منك ..." ماذا ... ماذا قلت ... لم أسمعك جيدا ... ثم ... ثم من تكوني أنت لتقرري ... أنت لا شيء ... لا شيء هل تفهمين ... ! " و انفجر ضاحكا كعادته ... ثم يواصل ..." أنا الذي يقرر عدم الزواج بك ،فلربما تعانين من أمراض و أخفيت عني الأمر،فلربما تخفين عني أمرا مشينا يتعلق بك،ما يدريني ... و كذبت عليّ ...؟! " كانت تنظر إليه في اندهاش و خوف و هي تسمع كلامه،لم يزده صمتها إلاّ غضبا و وقاحة ..." بائسة ... أنت مجرد بائسة و وضيعة ... "لينتبه إلى جلبة جهة الباب فإذا بأخوها الأكبر يهجم عليه و يتدخل الأخ الأصغر و يحاول التفرقة بينهما،يغادر البيت على وقع شتائم الأخ الأكبر ...لم تتكلم،لم تعلق على ما حصل،حتى والدتها لم تتدخل،بل تركتها تختلي بنفسها ،توضأت وضوءها للصلاة،فرشت سجادتها و بمجرد وقوفها بين يدي الله و قبل أن تنطق بكلمة،نظرت إلى الأعلى و انفجرت بالبكاء و لم تحملها قدماها فانهارت و استسلمت لأرحم الراحمين في سجود طويل،مرّت الأشهر تباعا وكعادتها طيلة هذه الأشهر بعد أن فتح الله عليها بوظيفة،تأخذ مجلسها في الحافلة ... لكن صوتا جعل هذا اليوم مختلفا عن سابقيه ... صوت خطيبها السابق الذي كان جالسا في الكراسي الأمامية رفقة أحدهم،حاولت أن لا تهتم بما يقول،لكن غصبا عنها كان الحديث يصلها و يتخذ من أذنيها طريقا ليعقله قلبها ... يتبع




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)