الجزائر

غياب النخبة أم غياب إرادتها؟ أزمة المجلات الثقافية المتخصصة في الجزائر



غياب النخبة أم غياب إرادتها؟              أزمة المجلات الثقافية المتخصصة في الجزائر
ونحن نحتفل باليوم العالمي للمسرح المصادف لـ 27 مارس من كل عام وعلى مشارف الاحتفال باليوم الوطني للفلسفة الذي ستحييه هذا العام جامعة باتنة يوم 27 أفريل المقبل، تطفو أسئلة المشهد الثقافي إلى السطح، منها غياب مجلات ثقافية متخصصة تهتم بهذه الحقول الثقافية وتنميتها إن الحديث مع المثقفين الجزائريين عن المجلات الثقافية المتخصصة في الجزائر قد جرّنا في الكثير من المرات إلى الحديث عن النخبة الجزائرية المفكرة، عن وجودها، عن مميزاتها وعن قدرتها على رصد تغيرات الثقافة والمجتمع وسماع أسئلتهما الأكثر إلحاحا ومن ثمّ قدرة هذه النُّخب على قيادة المجتمع.والحديث عمّا يسبق فعل الكتابة في الجزائر لا يبدو أقل تعقيدا عما يليه، فلا يبدو أن الجامعة الجزائرية تعيش أحسن أحوالها بعد نزيف العشرية السوداء، كما لا يبدو أن تعدّد اللغة قد شكّل ثراء في النخبة الجزائرية التي يصفها الدكتور دحو جربال بالمُضمرة، فالنخبة الناطقة بالفرنسية تنكمش ويبتعد جزء منها عن المجتمع وهمومه والنخبة المعربة تترهل ويتقاطع جزء كبير منها مع الدارج أو الشعبوي تفكيرا وسلوكا.ما لمسناه في تحقيقنا حول المجلات الثقافية المتخصصة في الفلسفة أو الأدب أو المسرح من غياب أو تذبذب أو فشل، يندرج ضمن مشكلة أعم وهي غياب التقاليد الثقافية في الجزائر على حد تشخيص أكثر من حدثناهم في الموضوع. مجلات المؤسسات الخاصة..حضور الإرادة وغياب الدعمتأسست مجلة “نقد” الفكرية قبل عشرين سنة من الآن وكان عددها الأول قد صدر في أكتوبر 1991 ليطرح آنذاك أسئلة الراهن الجزائري الأكثر إلحاحا؛ حيث جاء العدد الأول ليناقش “الإسلاموية، المرأة، التشريع، الخليج” وعددها الثاني في فيفري 1992 ليناقش “الثقافة والهوية” ولا شك أن ولادتها في ظروف صعبة واستمرارها في ظروف أصعب مع التزامها بخط تحريري واضح ليُعد إنجازا لوحده يؤكد حضور نخبة جزائرية ملتصقة بتغيرات المجتمع، يقول الدكتور دحو جربال أحد مؤسّسي المجلة ومدير نشرها عن بدايات المجلة “كنا مجموعة من الجامعيين والمثقفين الذين شهدنا الكثير من مراحل الجزائر من الحركة الوطنية إلى حرب التحرير ومن انتقال الجزائر من نظام اشتراكي إلى نظام ليبرالي أو حر، أردنا أن نقرأ هذه التغيرات في المجتمع الجزائري وأن نقرأها قراءة دقيقة فقررنا أن نفعل ما نحسن فعله فكان أن تبرّع كل واحد منا بمرتب شهري وأنشأنا مؤسسة نشر تصدر عنها مجلة نقد”. ويضيف متحدثا عن البداية : “في البداية كنا نحملها نحن إلى المكتبات، لم يكن لنا مقر وكان التسيير يتم في بيوتنا...”. ويضيف متحدثا عن المشاكل التي واجهتها المجلة : “كان المشكل الأول مشكل اللغة هل ستتوجه المجلة للقرّاء المفرنسين قليلي العدد الذين يبدون اهتماما كبيرا أم ستتوجه للقرّاء المعربين كثيري العدد لكن اهتمامهم أقل بكثير. خلصنا في الأخير إلى أن تكون المجلة باللغتين لاحتواء الكل ولعدم إقصاء أحد”. وفيما يبدو أن تجربة “نقد” التي أنقذتها اشتراكات مراكز بحث أوروبية كثيرة وسمحت باستمراريتها، فإن تجارب مجلات ثقافية متخصصة أخرى قد انتهت قبل أن ترى اشتراكات الأفراد أو المؤسسات الثقافية، يقول مدير تحرير “نقد” : “تعتبر دوائر بحث أوروبية عديدة أن “نقد” هي مجلة النقد الوحيدة في الجنوب، فالمجلة تسجل أكثر من مئة اشتراك لجامعات ومراكز بحث خارج الجزائر، لكن لا توجد جامعة واحدة أو مركز بحث في الجزائر قدّم طلبا للاشتراك في مجلة تُعنى أساسا بتحولات المجتمع الجزائري”. وفي رده عن سبب فشل المجلات الثقافية المتخصصة في الجزائر يقول “هناك أولا غياب المؤسسات الأكاديمية في الجزائر فأغلب الكتب التي تصدر في الجزائر لا ينتجها جامعيون والجامعات إما أنها لا تصدر مجلات ثقافية متخصصة أو أنها تصدر مجلات ذات خط تحريري غير واضح وغير علمي، كما أن وزارة الثقافة التي راسلناها أكثر من مرة لا تدعم المجلات الثقافية عبر اشتراك الهيئات والمؤسسات التابعة لها، هذا لأننا لم نرسخ بعد تقاليد ثقافية فالانقطاع عمّا سبق وغياب التراكم هو السّمة الأساسية للثقافة عندنا”.  ويجيب الأزهري ريحاني، رئيس تحرير مجلة “أيس” الفلسفية الصادرة عن دار أخبار الصحافة على نفس السؤال قائلا : “لا أدري إن كانت ستستمر “أيس” أم لا، لكن الظروف الحياتية الموضوعية التي تجعل النخبة غير قادرة على الإنتاج بل غير قادرة حتى على مراقبة تغيرات المجتمع قد تحول دون استمرارية أي عمل ثقافي. إن هذه الظروف تجعل الجامعي الجزائري والمثقف لا ينتج”. ويضيف “إضافة إلى غياب دعم الدولة ممثلة في المؤسسات الثقافية مثل المكتبة الوطنية التي تراجعت عن دورها وأصبحت مكتبة عمومية أو مركزا ثقافيا، فإن صناعة الكتاب في الجزائر غير موجودة ومستقبل المجلات المتخصصة لصيق بمستقبل الكتاب”. وكان العدد الأول من “أيس” المجلة المختصة في الفلسفة قد صدر في منتصف سنة 2005 يقول رئيس تحريرها : “إن أيس جاءت لتبعث مشروعا فلسفيا في الجزائر وإن كان على نطاق ضيق”. ورغم أن صدورها عرف دائما تذبذبا؛ إلا أن رئيس تحريرها يصر على بعث العدد الخامس قريبا في المكتبات، يقول “للأسف اليوم اسم أيس العلمي وسمعتها يستوردان كما أن الدعم المعنوي نتلقاه من الخارج وأن أكثر من يكتب فيها هم فلاسفة من خارج الجزائر لا من داخلها”. وفيما يبدو أن المشاكل الأولى التي طرحت عند “نقد” التي حققت الأهم وهو الاستمرارية و”أيس” التي ما زالت تصارع لإصدار أعدادها وتحقيق الاستمرارية، كانت مشاكل معرفية ملّحة إلا أن استمراريتهما قد طرحت مشكلات مالية ألح. وإن كان هذا هو حال المجلات الخاصة، فكيف هي حال المجلات التي تصدر عن مؤسسات بحث تابعة للدولة؟؟مجلات الدولة.. حضور الدعم وغياب السياسةفي حين بدت قصة المجلات الثقافية المتخصصة الصادرة عن مؤسسات خاصة طويلة، فإن قصة المجلات الصادرة عن مراكز بحث تابعة للدولة أو مخابر في الجامعات الجزائرية أقصر بكثير – رغم الدعم المادي لها – يلخصها غياب مشاريع معرفية حقيقية وتذبذب خطها التحريري. يقول الدكتور قوقام رشيد، أستاذ الفلسفة في جامعة الجزائر : “صدر القليل من المجلات المختصة في الفلسفة عن كلية الفلسفة بدعم من الجامعة لكنها لا تدوم لأنها لا تسوّق لأسباب قانونية ولا تملك وجودا مستقلا”. ويضيف الأستاذ شعثان الشيخ، أستاذ الأدب العربي بجامعة الجلفة عن أسباب فشل هذه المجلات : “إن أول الأسباب هو الوعي الثقافي العام الذي لا يتماشى مع العصر، وهو ما ساهم في تردي فاعلية المثقف المتخصص الذي يصنع مثل هذه المجلات هذا بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي والتجاري مثل انعدام صناعة حقيقية للكتاب”. وعن سؤال المجلات الثقافية المتخصصة التي تصدر بدعم من الدولة عن الجامعة أو عن مراكز البحوث أجاب قائلا : “إن هذه المجلات تتحوّل من مجلات معرفية متخصصة إلى مجلات محكمة إدارية غرضها الوحيد النشر لطلبة الدكتوراه هذا ما يجعل بناءها المعرفي متهلهلا في الكثير من المرات”. وعن الحلول لبعث المجلات الثقافية المتخصصة والحفاظ على استمرارية الموجود منها، يقول الأزهري ريحاني رئيس تحرير مجلة “أيس” : “يجب أن تتراجع الدولة عن الاحتكار والوصاية يجب أن تترك هذا المجال للمبادرة الشخصية وأن يعاد للمؤسسات الثقافية الكبيرة أدوارها الحقيقية”. وردا على نفس السؤال يقول الأستاذ شعثان الشيخ : “ان الحلول مرتبطة بشكل كبير بالأسباب، كما أن الضرورة ملحة جدا لتجاوز الموقف السلبي للمثقف من خلال عمليات التعبئة الموافقة لثقافة العصر كما يوجد في دول الجوار، ويبقى الحل الجذري هو الإرادة السياسية في التمكين للثقافي”.ميلود.ب


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)